حبل الله
صلاة المسافر وتصحيح مفهوم القصر

صلاة المسافر وتصحيح مفهوم القصر

السؤال: أنا أسافر إلى خارج بلدي أي إلى دول أخرى. فهل علي أن أقصر صلواتي؟ أم أني مخير بين إقامة صلاة الظهر مثلا 4 ركعات وبين قصرها إلى ركعتين؟ أم إنني مجبور على القصر؟ جزاكم الله خيرا وأعانكم وزادكم علما.

الجواب: أولا يجب تصحيح مفهوم القصر لدى المسافرين. حيث إن الله تعالى شرع صلاة المسافر ركعتين لصلاة الظهر والعصر والعشاء وهذا ليس بقصر وإنما ما شرعه الله تعالى للمسافر. وأقرب مثال لهذا صلاة الجمعة، فقد شرعت ركعتين وليست بقصر من صلاة الظهر.

إذن صلاة المسافر في الظهر والعصر والعشاء هي ركعتان، وفي المغرب ثلاثة وفي الفجر اثنتان.

أما القصر فهو قصر المسافر صلاته من اثنتين إلى واحدة إذا كان هناك خوف من فتنة الكفار وهو الوارد في قوله تعالى {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناج أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} (النساء، 101).

ويقصر المسافرون الخائفون الصلاة التي كانوا يؤدونها تامة أي ركعتين حين عدم الخوف في السفر، يقصرونها من ركعتين إلى ركعة واحدة. ويصلونها على النحو التالي:

ينقسمون إلى فرقتين، فرقة تقوم وراء الإمام و تصلي ركعة، ثم تذهب إلى الدفاع. وتأتي فرقة أخرى التي دافعت عن المصلين فلم تصل ويصلون مع الإمام ركعة واحدة. وإذا كان كذلك تكون كل فرقة قد صلت ركعة واحدة أي قصرت الصلاة والإمام يكون صلى ركعتين أي تامة. لقوله تعالى “…فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا…”. ولعدم الجناح في هذا فقد قصر المؤتمون ولم يقصر الإمام. والله تعالى يقول في الآية التي ترد بعد تلك الآية “فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ “. أي إذا زال عنكم صفة الخوف الذي حصل لكم في السفر وبقيتم مسافرين آمنين فأدوا صلاتكم تامة أي ركعتين.

 وقد وقع المفسرون بخطأ بيِّن عندما قالوا إن المقصود قصر الرباعية إلى اثنتين،[1] ولو صح ما قالوا لما جاز صلاة الركعتين بدلا من الأربعة إلا في حال الخوف، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر والعصر والعشاء في السفر الآمن ركعتين، ولم يرو عنه أنه صلاها أربعا إلا بسند ضعيف منكر مخالف لما صح من الروايات. ولذلك فإن صلاة الركعتين للمسافر عزيمة وليست رخصة.

ويؤيد ما ذهبنا إليه قول ابن عباس:

«فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً»[2]

 أما الجمع فلا يجوز من غير عذر، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أحيانا ويترك الجمع أحيانا أخرى مما يدل على جوازه عند الحاجة إليه، ولا ينبغي الإسراف فيه.

أما المدة التي يمكن أن تؤدى فيها صلاة المسافر فهي مدة بقائه في حال السفر، فمن يسافر إلى بلد آخر يبقى يصلي صلاة المسافر إلا إذا نوى الإقامة فيه، كالحال بالنسبة لمن ينوي الإقامة الطويلة المستقرة؛ كالطلاب والعاملين في البلدان الأخرى فينبغي أن يعمدوا إلى صلاة المقيم فور استقرارهم في البلد الذي يسافرون إليه.



[1] يقول الطبري في معرض تفسيره لهذه الآية . فإن ظن ظان أن ذلك أمرٌ من الله بإتمام عددها الواجب عليه في حال الأمن بعد زوال الخوف، فقد يجب أن يكون المسافر في حال قصره صلاته عن صلاة المقيم، غيرَ مقيم صلاته، لنقص عدد صلاته من الأربع اللازمة كانت له في حال إقامته إلى الركعتين. وذلك قولٌ إن قاله قائل، مخالف لما عليه الأمة مجمعة: من أن المسافر لا يستحق أن يقال له= إذا أتى بصلاته بكمال حدودها المفروضة عليه فيها، وقصر عددها عن أربع إلى اثنتين=:”إنه غير مقيم صلاته”. وإذا كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى قد أمر الذي أباح له أن يقصر صلاته خوفًا من عدوه أن يفتنه، أن يقيم صلاتَه إذا اطمأن وزال الخوف، كان معلومًا أن الذي فرض عليه من إقامة ذلك في حال الطمأنينة، عين الذي كان أسقط عنه في حال الخوف. وإذْ كان الذي فرض عليه في حال الطمأنينة: إقامة صلاته، فالذي أسقط عنه في غير حال الطمأنينة: ترك إقامتها. وقد دللنا على أن ترك إقامتها، إنما هو ترك حدودها، على ما بيّنّا. تفسير الطبري 9/140

[2] صحيح مسلم، باب صلاة المسافرين وقصرها،5 – (687)

التعليقات

  • لكن إذا صلى المسافر خلف إمام يصلي أربعاً فإنه يصلي أربعاً تبعاً لإمامه سواء أدرك الإمام من أول الصلاة أو في أثنائها، فإذا سلم الإمام أتى بتمام الأربع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه”(3). وعموم قوله: “فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا”(4). وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعاً إذا ائتم بمقيم، فقال: “تلك السنة”.

  • نص الآية ( من الصلاة ) وليس في الصلاة .. ويشابهها من ابصاركم … من اولادكم وأزواجكم .. بل الأخيرة تبين أكثر فليس جزء من الولد هو الذي يصبح أعداء …
    النقطة الثانية ( اذا ضربتم في الارض لا تعني السفر او المسافرين بل التوجه للعمل اليومي في الحقل او المصنع او المكتب ..
    النقطة الثالثة ( إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا )والذين كفروا ليسوا المقيمين في بلاد الكفر بل المقيمين بيننا وقد نعرفهم وقد لا نعرفهم .. ومنهم رجال المخابرات البوليسية وغير البوليسية المخبرين وايضا يفتنكم لها دلالة مختلفة فهي ليست يقتلكم
    اعتقد بناءا على ما تقدم ان القصر مختلف عن الصورة المقدمة اعلاه بنماذجها المتعددة

  • السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    أين دليل هذه الجملة من القرآن (حيث إن الله تعالى شرع صلاة المسافر ركعتين لصلاة الظهر والعصر والعشاء) من أي آية فهمتم؟

    • وعليكم السلام ورحمة الله..

      الدليل هو الآيات التالية:

      {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (النساء 4/ 101-103)

      هذه الآيات تتحدث عن قصر الصلاة أثناء السفر عند الخوف من العدو. وقد وقع الفقهاء في الإشكالية التالية: أن الآية علَّقت جواز القصر على وجود الخوف من العدو، وهذا يقتضي أن لا يكون هناك قصر إلا عند مظنة الخوف، لكنهم وجدوا أن نبينا الكريم كان يصلي الرباعية ركعتين في كل سفر، وليس من المعقول أن يكون هناك خوف في كل سفر أو في كل مراحله، لذلك وجدتهم يسوقون الكثير من التبريريات للخروج من الإشكالية التي أوقعوا أنفسهم فيها، فقد قالوا أن الخطاب في الآية خرج مخرج الغالب لأنه يغلب الخوف في السفر. وهو كما ترى تبرير ضعيف غير مقبول.

      ولو أنهم نظروا في الآية 102 وتدبروها جيدا لعلموا أن القصر مختص بحالة الخوف فقط، ولعلموا أن المسافر لما يخاف يصلي ركعة واحدة بدلا من اثنتين، فقد وجدنا أن النبي يقيم لهم صلاة السفر ركعتين، لكنهم يصلوا خلفه جماعتين؛ الجماعة الأولى تصلي معه الركعة الأولى حتى إذا فرغت من السجود انصرفوا، فتأتي الجماعة الثانية فتصلي مع النبي الركعة المتبقية. وهذا دليل قرآني على أن صلاة المسافر ركعتين بينما القصر ركعة واحدة.

      وروي عن عمر أنه قال: “صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم” (النسائي 1420, ابن ماجه 1064)

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.