حبل الله
الوقت المشترك بين الظهر والعصر

الوقت المشترك بين الظهر والعصر

الوقت المشترك بين صلاتي الظهر والعصر

فرضَ الله تعالى في النهار صلاتين؛ هما الظهر والعصر. قال الله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ…» (هود، 11 / 114).

والطرف بالتحريك: الناحية من النواحي والطائفة من الشي، والجمع أطراف.[1] طرفي النهار، أي في جزئيه؛ وللنهار ثلاثة أجزاء؛ الأول يبدأ بطلوع الشمس، والثاني، يبدأ بمرور الشمس من الخط الطولي. والثالث: يبدأ من منتصف ما بين مرور الشمس من الخط الطولي إلى غروبها. وقوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» ( الإسراء، 17 / 78) يبين وقت صلاة الظهر التي هي أول صلاة اليوم.

دلك: دلكت الشيء بيدي أدلكه دلكا.[2] ودَلَكَتِ الشمسُ دُلُوكاً بمعنى زالت عن كبد السماءِ.[3] وإلى هذا المعنى ذهب الشافعية والمالكية.

وهناك من قال إنّ دلوك الشمس يعني غروبها.[4] لأن غروبها هو ذهابها وراء الأفق. وهو من المعاني اللغوية للكلمة؛ ولكنه لا يتناسب مع دلالة الآية الكريمة، لأن قوله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ…» (هود، 11 / 114) يتحدث عن صلاتين فُرضتا في النهار. وأول صلاة في النهار هي صلاة الظهر، كما جاء ذلك في تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سعيد الرقاشي قال: " كان يصلي الظهر عند دلوك الشمس".[5] فالآية والحديث يقطعان إمكانية قبول رأي آخر في الموضوع.

ولم يُذكر في القرآن الكريم بداية وقت صلاة العصر. ونفهم من قوله تعالى: «طرفي النهار» أن وقت العصر يبدأ بخروج وقت الظهر، لأن كلمة "طرف" في اللغة يمكن إطلاقها على كل جزء من أجزاء الشيء. لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أحيانا صلاتي الظهر والعصر. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ".[6]

ومع ذلك لصلاة العصر وقت محدد صلاها فيه النبي صلى الله عليه وسلم في أغلب الأوقات. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي يعني المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر" ثم التفت إلي فقال: "يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين".[7]

ولم يكن وقت صلاة العصر في الأحاديث الأخرى مبينا على شكل واضح. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول، ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر، فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس، فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق، فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل".[8]

عن أبي موسى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه " أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئا، قال: فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا، ثم أمره فأقام بالظهر، حين زالت الشمس، والقائل يقول قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها، والقائل يقول قد طلعت الشمس، أو كادت، ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول قد احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل، فقال: الوقت بين هذين".[9]



[1]   لسان العرب، مادة: طرف.

[2]   لسان العرب، مادة: دلك.

[3]  المعجم الوسيط، مادة: دلك.

[4]   أنظر: لسان العرب؛ الصحاح؛ المقاييس، مادة: دلك.

[5]   التاريخ الكبير، للبخاري، تحقيق مصطفى عبد القادر أحمد، بيروت 1422 /2001 رقم الحديث: 1948.

[6]   مسلم صلاة المسافرين وقصرها الجمع بين الصلاتين في الحضر 54- (705).

[7]   سنن أبي داود، باب الصلاة رقم الحديث: 393؛ سنن الترمذي، المواقيت، 1.

[8]   صحيح مسلم، المساجد ومواعيد الصلاة، 171- (612).

[9]   صحيح مسلم المساجد، 178- (614)؛ سنن أبي داود، الصلاة، 2 – (395)؛ النسائي، المواقيت، 15- (1، 260، 261)

التعليقات

  • وهناك من قال إنّ دلوك الشمس يعني غروبها. لأن غروبها هو ذهابها وراء الأفق. وهو من المعاني اللغوية للكلمة؛ ولكنه لا يتناسب مع دلالة الآية الكريمة، لأن قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ (هود، 11 / 114) يتحدث عن صلاتين فُرضتا في النهار. وأول صلاة في النهار هي صلاة الظهر، كما جاء ذلك في تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سعيد الرقاشي قال: كان يصلي الظهر عند دلوك الشمس فالآية والحديث يقطعان إمكانية قبول رأي آخر في الموضوع.

  • وأما صلاتي الظهر والعصر فقد بَينت آية سورة الإسراء أول وقتهما بقوله تعالى: (أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ودلوك الشمس (كما مر علينا تحقيقه) هو زوالها في منتصف النهار، وهو الذي نص عليه الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام، وعليه اتفاق الشيعة، ووافقهم على هذا أكثر أهل السنة كما نص على ذلك الفخر الرازي، ومحمد عزة دروزة نفسه في تفسير الآية (106) . وقد أشارت إلى أول وقت الظهر والعصر آية سورة هود بقوله (طَرَفِي النَّهَارِ) والطرف الثاني من النهار يبدأ من زوال الشمس ظهراً وينتهي بغروبها، وهو آخر وقت صلاة النهار: الظهر والعصر. وبيّنت أيضاً آيتا طه، وق آخر وقتهما صراحة بقوله تعالى:(وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) وقوله: (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) فعلى هذا يكون وقت صلاتي الظهر والعصر يبدأ من زوال الشمس ظهراً إلى غروبها تصريحاً وتحديداً.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.