حبل الله
ظلم الإنسان غيرَه

ظلم الإنسان غيرَه

لا ينبغي للمسلم أن يظلم أخاه المسلم، بل عليه نصره إن كان ظالما بنهيه عن الظلم وإن مظلوما بالوقوف إلى جانبه، ويوضح النبي الكريم العلاقة التي بين المسلم وأخيه بقوله (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ)[1]
ولا يكفي أن لا تكون ظالما لأخيك بل عليك نصره إن وقع منه أو عليه ظلم. قال عليه الصلاة والسلام (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا، كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ)[2]
وأولى حالات الإنتصار للمسلم هو الوقوف إلى جانبه إذا تعرض للغزو والإضطهاد في دينه. قال تعالى {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الأنفال، 72) كما يجب الإنتصار للمظلومين وإن كانوا غير مسلمين لعموم قوله تعالى {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (النساء، 75)
إنّ ظلم الإنسان لغيره يتخذ أشكالا وألوانا لا تنحصر، وكلما تقدم الزمان وتعقدت العلاقات وتشابكت المصالح تجد ألوانا جديدة للظلم، نذكر بعضها للمثال لا للحصر:
1_ منع الناس من عبادة الله تعالى
 وكان من أشد أنواع الظلم قديما وحديثا الحؤول دون الإنسان وإيمانه بربه، لذلك توعد الحق جل وعلا الذين يصدون عن دينه بقوله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (البقرة، 114).
ولما بلَّغ الرسل ما نُزِّل إليهم وأقاموا الحجة على أقوامهم، كان لا بد من قبول دعوتهم والإيمان بهم وبما أرسلوا به، أما تكذيبهم واتهامهم بالباطل هو ظلم لهم ولحقهم في الإتباع. قال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} (الفرقان، 4).
2_ أكل مال اليتيم وقهره
الظلم بين الناس محرم كله وأشده ظلم القوي للضعيف وليس أجلى من ظلم اليتيم مثالا على ذلك. قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (النساء، 10) نص على أكل الأموال خاصة لأنها عصب الحياة، واليتيم أشد حاجة إليها كما أنه لا يملك القدرة على إثبات حقه كالراشدين، وفي سورة الضحى نهى الله تعالى عن قهر اليتيم والتعرض له بالأذى بقوله {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (الضحى، 9).
3_ غصب الأرض 
ويكون ذلك بالزحف على أراضي الغير وتغيير الحدود، أو الإستقواء على الضعيف بالإستيلاء على أرضه وانتزاعها منه. عن سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ ظَلَمَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)[3] وفي رواية أخرى للبخاري (مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ)[4]وفي رواية للحاكم (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طُوَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ، وَمَنِ اقْتَطَعَ مَالًا بِيَمِينِهِ فَلَا بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)[5]
4_ ظلم غير المسلمين
غير المسلمين يعاملون بالحسنى كما يعامل المسلمون بعضهم بعضا، ولا يصح البغي عليهم لمجرد عدم إسلامهم، والمسلم مطالب بالتصرف الحسن مطلقا مع الناس جميعا لعموم قوله تعالى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وفي تحريم الظلم والإعتداء عليهم يقول الرسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[6] وفي زيادة عند البيهقي وغيره (وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ)[7].
ويصبح التكليف بالمعاملة الحسنة أكثر وجوبا إذا دخل غير المسلمين بلادنا. قال تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} (التوبة، 6) فدخوله بلاد المسلمين فرصة له للتعرف على الإسلام، فلا يحرم من ذلك بل يعان عليه، ولا يجوز التعرض له بالأذى والمضايقة فهو ضيف البلد المسلم ويعامل بموجب ذلك.
5_ منع أجر الأجير أو انتقاصه  
     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ)[8] وللتنبيه على سرعة إيصال حق الأجير إليه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ)[9].
5_ المماطلة في أداء الحقوق      
ويكون ذلك في تأخير أداء الحقوق لأصحابها، كالمدين يماطل في آداء الدين رغم قدرته على السداد – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ)[10] والغني في الحديث هو القادر على السداد، ويجوز إحالة الدَّين على غني بموافقته، فإن أحيل الدائن على غني فليقبل ذلك.
6_ إفساد البيئة ظلم
قال الله تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ. وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم، 32_ 34)
تذكر هذه الآيات بعظيم نعمة الله تعالى على الإنسان؛ حيث سخر له ما يمكِّنه من الإستمرار على قيد الحياة، وهذا التسخير يجري وفق قوانين الفطرة ونواميس الخلق، وكلما التزم الإنسان بهذه القوانين والأنظمة باستجابته لأمر الله الذي أبدع هذه القوانين سارت حياته بشكل طبيعي وأبدع في كل المجالات وفاز بالدنيا والآخرة. لكن الحقيقة خلاف ذلك إذ أمتد فساد الإنسان لينال من مفردات الطبيعة شيئا عظيما، وقد تجلى ذلك بالتلوث البيئي الذي طال البحار والأنهار والغلاف الجوي، وهذا كله بسبب الظلم والتعدي والإفساد. قال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم،41).
ويبقى الظالم يتفنن ببث ظلمه بين الناس حتى يأتي ربه يوم القيامة خالي الوفاض من حسنة رغم صيامة وقيامه. فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)[11]

 


[1]صحيح البخاري، رقم الحديث 6437
[2] صحيح البخاري، رقم الحديث 6438
[3] صحيح البخاري، رقم الحديث 2272
[4] صحيح البخاري، باب اثم من ظلم شيئا من الأرض، رقم الحديث 2454
[5]رواه الحاكم في المستدرك، رقم الحديث 7807، وقال صحيح على شرط الشيخين، كما صححه الذهبي في تلخيصه7807
[6]سنن ابي داود، رقم الحديث 2654 وصححه الألباني
[7] معرفة السنن والآثار، رقم الحديث 18575. السنن الكبرى للبيهقي، رقم الحديث 18731
[8] صحيح البخاري، رقم الحديث 2109
[9] سنن ابن ماجة، باب أجر الأجراء، رقم الحديث 2443. يقول محمد فؤاد عبد الباقي في الزوائد أصله في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة. وصححه الألباني
[10] صحيح البخاري، رقم الحديث 2125 . ومسلم، المساقاة، باب تحريم مطل الغني، رقم الحديث 1564 ، وأبو داود، البيوع: باب في المطل، رقم الحديث 3345 . كما رواه غيرهم .
[11] صحيح مسلم، رقم الحديث 4678

التعليقات

  • يعجبني قول الشاعر
    لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
    تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
    بوركت جهودكم

  • وأما من ظلم: فيسدفع ثمنا باهظا لظلمه ـ إن مات قبل التوبة والتحلل من المظلوم ـ كما في حديث البخاري: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
    وقد ينال الظالم في الدنيا من عقوبة الله تعالى ما شاء الله، وقد يملي له ثم يأخذه أخذة شديدة، كما في حديث الصحيحين: إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد.
    وأما دعوة المظلوم: فهي من الدعوات المستحابة، كما في حديث البخاري ومسلم: ..واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب .

  • السلام عليكم
    مايحزنني هو ظلم أمي لزوجة أخي فظلمها ظاهر
    كيف نستطيع نصر أمي كما في حديث الرسول
    أو لا ينطبق على الام
    انا اتألم كثيراً عندما اراها ظالمةولااستطيع ردها واخاف عليها عاقبة ظلمها

    • وعليكم السلام ورحمة الله
      نصرها بردها عن الظلم، وذلك بالنصيحة والقول الحسن، وتكرار النصيحة وتحذيرها من عاقبة الظلم وتذكيرها بالله تعالى وعدله وعقابه، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، ولا ينبغي للمسلم/ة أن يمل من التذكير فيذكر كلما سنحت له الفرصة.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.