حبل الله
أنواع الظلم

أنواع الظلم

أنواع الظلم
تكاد تنحصر أنواع الظلم في ثلاثة، أولها الشرك وهو أعظمه لأنه متعلق بالتوحيد، ولا يُغفر إذا مات صاحبه قبل التوبة. وثانيها ظلم الإنسان لنفسه. وثالثها ظلم الإنسان للإنسان، وفيما يلي نتناولها بشيء من التفصيل.
أولا: الشرك بالله سبحانه.
وهو أشد الظلم وأخطره لأنه تجاوز للحد مع الله تعالى إذ أمر بتوحيده لكن المشرك يتخذ معه شريكا، وفي ذلك إرجاع للفضل لغير صاحبه، ولأنه يؤدي بصاحبه إلى الخلود في جهنم إن مات على الشرك، فيكون قد ظلم نفسه وأوردها المهالك، لذلك ابتدأ لقمان الحكيم وصاياه لأبنه بعدم الشرك لأنه رأس كل فتنة. قال الله تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان،13).
يقوم الشرك على مجرد التعصب للهوى وتغليب المصلحة الفانية على الأخرى الباقية، ولا يقوم الشرك على أي دليل مقنع، وهو ظلم للنفس وللآخرين على حد سواء، كما أنه انتقاص لحق الله في التوحيد، وعدم تنزيهه عن مشابهة الخلق في حاجتهم إلى الشريك والمعين، لذا توعد الله تعالى هؤلاء بشديد العقاب في الدنيا والآخرة، فقال سبحانه {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (آل عمران،151)
ولَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ})[1]
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك)[2]. فالشرك أعظم أنواع الظلم، ولهذا كان جزاء صاحبه أن يخلد في النار يوم القيامة، كما قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة، 72) .
وكل ذنب قد يغفره الله تعالى إلا الشرك فإنه لا يُغفر لصاحبه، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء، 48) .
ومن الشرك التقرب إلى الموتى وأصحاب القبور من الأولياء والصالحين وغيرهم، وذلك بدعائهم والإستغاثة بهم، والذبح والنذر لهم، والطواف بقبورهم، والحلف بهم تعظيماً لهم، واعتقاد النفع والضر فيهم، وأنّ لهم تصرفاً في هذا الكون، وقدرة على الدفع والرفع، والضر والنفع، والعطاء والمنع، كما هو الواقع في بعض بلاد الإسلام مع الأسف الشديد[3]. قال الله تعالى {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (الرعد، 16)
النوع الثاني: ظلم الانسان لنفسه بارتكاب المعاصي
كما أنّ الطاعة سببٌ في رضى الله عن العبد فإن المعصية سبب في غضب الله تعالى عليه كذلك، وليس غريبا أن أول تكليف لآدم هو تحذيره من معصية الله تعالى وتعريض نفسه للظلم بما يسببه لها من عقوبة. قال الله تعالى {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} (البقرة، 35)
( من الظالمين ) أي الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعصية أو نقصوا حظوظهم بمباشرة ما يخل بالكرامة والنعيم أو تعدوا حدود الله تعالى[4]. لأن حق الله تعالى على عباده أن يعبدوه ويوحدوه، ويطيعوه ولا يعصوه، ويشكروه ولا يكفروه، فإذا خالفوا ذلك كانوا من الظالمين. قال الله تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (البقرة: 229) ، وقال: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه} (الطلاق، 1) ؛ أي: أساء إليها، وذلك بتعريضها لسخط الله تعالى ومقته، وأخذه وسطوته. قال ميمون بن مهران: «إن الرجل يقرأ القرآن، وهو يلعن نفسه، قيل له: وكيف يلعن نفسه؟ قال: يقرأ: {أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ، وهو ظالم»[5] .
ومن تنكب الصراط رافضا الإنسجام مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وسعى في الحرام رغم معرفته حق الله عليه، ولا ينفك من اظهار ولائه للشيطان وتجافيه عن جنب الله سبحانه، فهو ظالم لنفسه مبين. قال الله تعالى { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}  (آل عمران، 57).
ومن استجاب لداعي الإيمان واستقام على أمر الله تعالى كما أمر فإنّه يستحق التوفيق والإعانة، أما أولئك الذين أصموا آذانهم عن سماع كلمة الحق، وقعدوا بكل طريق يصدون عن سبيله، فلا يستحقون الإعانة ولا التثبيت، وقد تكرر قوله تعالى في كتابه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة، 51) (الأنعام، 144) (القصص، 50) (الأحقاف، 10).
حتى لا يغتر الظالمون بظلمهم
 يحذر الله تعالى الظالمين أنهم تحت مراقبته ولن يفلتوا من عقابه مهما طال عليهم العمر، قال تعالى {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (إبراهيم،42) إن من سنة الله تعالى الإمهال، وتلك السنة يفهما الظالمون خطئا ويظنون بأنهم في مأمن من العقوبة، لكن القرآن الكريم يقيم عليهم الحجة ويفهم إياها بقوله تعالى {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} (الأعراف:182).
وقد توعد الله تعالى من عمّ ظلمهم أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا ولكن بأيدي المؤمنين الصادقين. قال تعالى {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} (ابراهيم، 45) {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (النحل، 41)
النوع الثالث: ظلم الانسانُ غيرَه
لا ينبغي للمسلم أن يظلم أخاه المسلم، بل عليه نصره سواء كان ظالما بنهيه عن الظلم أو مظلوما بالوقوف إلى جانبه، ويوضح النبي الكريم العلاقة التي بين المسلم وأخيه بقوله (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ)[6]
ولا يكفي أن لا تكون ظالما لأخيك بل عليك نصره إن وقع منه أو عليه ظلم. قال عليه الصلاة والسلام (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا، كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ)[7]
وأولى حالات الإنتصار للمسلم هو الوقوف إلى جانبه إذا تعرض للغزو والإضهاد في دينه. قال تعالى {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الأنفال، 72) كما يجب الإنتصار للمظلومين وإن كانوا غير مسلمين لعموم قوله تعالى {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (النساء، 75)

[1] صحيح البخاري، باب ما جاء في المتأولين، رقم الحديث 6937 . ومسلم، رقم الحديث (124) (197) . وصحيح ابن حبان،باب ذكر اطلاق الظلم على الشرك، رقم الحديث 253

[2]رواه البخاري، رقم الحديث 4207، ومسلم، رقم الحديث 86

[3] مجلة البيان، حقيقة الظلم، 197/16

[4] الالوسي، 1/278

[5] تنبيه الغافلين، 1/407.

[6]صحيح البخاري، رقم الحديث 6437

[7] صحيح البخاري، رقم الحديث 6438

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.