حبل الله
زيارة المقابر

زيارة المقابر

السؤال: ما حكم زيارة المقابر؟
الجواب:زيارة القبور مشروعة، ندب إليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ للإتعاظ وتذكُّر الآخرة؛ وفي زيارتها تذكير بمصير الإنسان، حيث لا ينفعه بعد موته إلا ما عمل من الصالحات، ويتحقق في زيارتها الإعتبار بمن سبق. وقد أمرنا الله تعالى في كثير من الآيات إلى  النظر والإعتبار بمن قبلنا من الأمم التي قضت والمآل الذي وصلوا إليه. قال تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (غافر، 82). وينبغي لمن يزور المقابر أن لا يقول عندها ما يُغْضِبُْ الله سبحانه وتعالى- كدعاء الميت والإستغاثة به من دون الله -تعالى- أو تزكيته والقطع له بالجنّة، ونحو ذلك.
1 – عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)[1] وفي زيادة: “فمن أراد أن يزور؛ فليزُر ولا تقولوا هُجْراً )[2] أي: فُحْشاً، يُقال: أهَجر في مَنطِقه يُهْجِرُ إِهجاراً: إِذا أفحش، وليس أفحش أن يدعى غير الله تعالى فهو أعظم الشرك، والنياحة وشق الجيوب من الفحش كذلك، وزيارة قبور الصالحين لتعظيمهم والتوسل إليهم هو شرك يجب الحذر منه.
يقول الصنعاني “كل الأحاديث تدلّ على مشروعية زيارة القبور، وبيان الحكمة فيها، وأنّها للاعتبار، فإِذا خلت من هذه؛ لم تكن مُرادةً شرعاً)[3].
2 – عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنّي نهيتكم عن زيارة القُبور؛ فزوروها، فإِنّ فيها عبرة) [4]  
زيارةِ النساءِ للقبور
قال قوم بحرمة زيارة القبور للنساء محتجين بحديث أبي هريرة: “أنّ رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لعن زوّارات القبور)[5] وهذا اللفظ: “زوّارات” إِنما يدلُّ على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة؛ بخلاف غيرهنّ؛ فلا يشملُهنّ اللعن، ولا شك أن الإكثار من الزيارة يضيع الحكمة منها. والحديث يشير إلى من اتخذت زيارة القبور ديدنها وشغلها، ولا شك أن المبالغة مذمومة في مثل هذه الحالات، وربما حصل من كثرة الترداد على القبور اعتبارها مزارات يتقرب بها الى الله تعالى فتكون الزيارة عندئذ شركا يجب الحذر منه.
أما الزيارة المشروعة فالنّساء كالرجال في استحبابها ؛ لوجوه: [6]
1 – عُموم قوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” .. فزوروا القبور”؛ فيدخل فيه النساء، وبيانه: أنّ النّبيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لما نهى عن زيارة القبور في أوّل الأمر؛ فلا شك أنّ النهي كان شاملاً للرجال والنساء معاً، فلمّا قال: “كُنتُ نهيتكم عن زيارة القبور”؛ كان مفهوماً أنّه كان يعني الجنسين؛ ضرورةَ أنّه يخبرهم عمّا كان في أول الأمر من نهي الجنسين.
فإِذا كان الأمر كذلك؛ كان لزاماً أنّ الخطاب في الجملة الثانية من الحديث – وهو قوله: “فزوروها”-؛ إِنّما أراد به الجنسين أيضاً.
ويؤيده أنّ الخطاب في بقية الأفعال المذكورة في زيادة مسلم في حديث بُريدة المتقدّم آنفاً: (ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث؛ فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النّبيذ إِلا في سقاءٍ؛ فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً).
فالخطاب في جميع هذه الأفعال موجّه إِلى الجنسين قطعاً، كما هو الشأن في الخطاب الأوّل: “كنت نهيتكم”؛ فإِذا قيل بأنّ الخطاب في قوله: “فزوروها” خاصٌّ بالرجال؛ اختل نظام الكلام وذهبت طراوته! الأمر الذي لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم. ويزيده تأييداً الوجوه الآتية:
2 – مُشاركتهنّ الرجالَ في العلّة التي من أجلها شُرعت زيارة القبور: “فإِنها تُرِقُّ القلبِ وتدمع العين، وتُذكّر الآخرة)[7]
3 – أنّ النّبيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قد رخص لهن في زيارة القبور في حديثين حَفِظْتهما لناأُمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: عن عبد الله بن أبي مُليكة: (أنّ عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقُلت لها: يا أمَّ المؤمنين! من أين أقبلتِ؟ قالت: مِنْ قَبْرِ عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نهى عن زيارة القبور؟! قالت: نعم، ثمّ أمر بزيارتها)[8]  
عن محمد بن قيس بن مَخْرَمَةَ بن المطلب أنّه قال يوماً: ألا أحدثكم عني وعن أمّي؟! قال: فظننا أنه يريد أمّه التي ولدته، قال: قالت عائشة: ألا أُحدّثكمَ عنيّ وعن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟! قلنا: بلى. قال: قالت: لمّا كانت ليلتي التي كان النّبيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فيها عندى؛ انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إِزاره على فراشه، فاضطجع -فذكرت الحديث إِلى أن قالت-: فقال [أي: جبريل لرسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]: إنّ ربّك يأمُرك أنْ تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم. قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟! قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المُستقدمين منّا والمُستأخرين، وإنا إِن شاء الله بكم للاحقون)[9]  
4 – إِقرار النّبيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – المرأة التي رآها عند القبور في حديث أنس -رضي الله عنه-: (مرّ النّبيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بامرأةٍ تبكي عند قبرٍ، فقال: اتّقي الله واصبري …)[10]  
 
أحوال من يزور القبور:[11]
1 – أن يدعو الله للأموات، ويستغفر لهم، ويعتبر بحال الموتى وتذكر الآخرة فهذه زيارة شرعية.
2 – أن يدعو الله تعالى لنفسه أو لغيره عند القبور معتقداً أن الدعاء عند القبور أفضل من المساجد، فهذه بدعة منكرة.
3 – أن يدعو الله تعالى متوسلاً بجاه أو حق فلان كأن يقول: أسألك يا ربي بجاه فلان، فهذا محرم؛ لأنه وسيلة إلى الشرك.
4 – ألّا يدعو الله تعالى، بل يدعو أصحاب القبور كأن يقول: يا نبي الله، أو يا ولي الله، أو يا فلان أعطني كذا أو اشفني ونحو ذلك فهذا شرك أكبر.
ما يستحب من الأقوال عند زيارة القبور أو المرور بها
عن بريدة -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يُعلّمهم إِذا خرجوا إِلى المقابر، فكان قائلهم يقول: السّلام على أهل الدّيار، السّلام عليكم أهل الديّار؛ من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إِن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية)[12]  
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كان رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج من آخر الليل إِلى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين! وأتاكم ما توعدون؛ غداً مؤجّلون، وإنّا إِن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)[13] 

 


[1]أخرجه مسلم ، رقم الحديث 977.
[2]أخرجه النسائي “صحيح سنن النسائي” ، رقم الحديث (1922).
[3]“سبل السلام” (2/ 162)
[4]أخرجه أحمد في المسند، رقم الحديث 11113، ورواه الحاكم في المسدرك ، رقم الحديث 1318 ثمّ قال: صحيح على شرط مسلم.
[5]أخرجه الترمذي “صحيح سنن الترمذي، رقم الحديث (843)، وابن ماجه “صحيح سنن ابن ماجه، رقم الحديث (1281).
[6]الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة، باب زيارة النساء للقبور، 4/202
[7]أخرجه الحاكم بسند حسن، رقم الحديث 1325
[8]أخرجه الحاكم وغيره، رقم الحديث 1324
[9]أخرجه مسلم، رقم الحديث  974.
[10]أخرجه البخاري، رقم الحديث 1283، ومسلم ، رقم الحديث 626.
[11] مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، التويجري، دار أصداء المجتمع، ط11 ،1/583
[12]أخرجه مسلم، رقم الحديث  975.
[13]أخرجه مسلم ، رقم الحديث 974.

 

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.