حبل الله
الدولة والتعليم الديني

الدولة والتعليم الديني

الدولة والتعليم الديني
الحرية الدينية تعني أن يكون الإنسان حرا في دينه فلا يكره على تغييره، والحرية الدينية تشمل حرية التعليم الديني أيضا. والتعليم الدينيي ينقسم إلى ثلاثة انواع: العقيدة، والعبادة، والأخلاق.
أ‌.                       العقيدة
لا يلزم من الإنسان الذي يدين بدين أن يكون ذا مستوى تعليمي معين، كما لا يلزمه أن يكون من طبقة اجتماعية معينة، فهو مؤمن بعقيدته بغض النظر عن حاله الإجتماعي ومستواه الفكري والعلمي، فكل الفوارق الإجتماعية والعلمية وغيرها لا تقف أمام الإعتقاد، والإنسان في كل الحالات والمواقف يحاول أن يحيا ويصرّف أموره حسب اعتقاده.
ووعاء الإيمان لا بد أن يُملأ بالعلم النافع الذي يعزز الإيمان، وإلا سيكون الفراغ الناشئ عن عدم التعليم الدينيي، والبديل الحتمي هو الخرافة والأساطير. نجد اليوم كثيرا من العلماء، وكبار الموظفين والتجار، والصناعيين، ورجال الأعمال بدأوا يبذلون جهودا ليعودوا إلى دينهم من جديد، ولكن بعد فترة من الزمان ربما يقعون في الخرافة لعدم معرفتهم الكافية في دينهم عقيدة وعبادة وأخلاقا.
فأول ما يجب على المسلم أن يتعلم عقيدتهمن مصدر صحيح بعيدا عن الخرافات والشوائب، والطريق الأمثل في ذلك هو القرآن الكريم. وهو كتاب الله الخالق للبشبرية جميعا. والعقيدة التي استقيت من القرآن تجعل صاحبها مفتوح الآفاق ذا ملكة يمكنه من أن يتسع لجميع البشر على اختلاف مشاربهم ويتفاهم مع جميع المجتمعات على اختلاف أجناسها. قال الله تعالى: «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ ..» (الكهف، 18 / 29). « مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» (الاسراء، 17 / 15). ولكي يتم تعليم الإسلام صحيحا فلا بد من أن تُدرس معاني القرآن الكريم كمادة مقررة في المدارس بجميع البلدان الإسلامية. كما أنه السلاح الأمثل في القضاء على الخرافة.
ب‌.                  العبادة
ينبغي معرفة الأحكام المتعلقة بالصلاة والصوم والحج والزكاة على شكل صحيح. وعلى كل من يصلي أن يحفظ الفاتحة وقصار السور من القرآن الكريم وآية الكرسي والأدعية المخصوصة للصلاة على شكل صحيح. كما يجب عليه أن يتعلم الآيات المتعلقة بالمعاملات والنصائح التي تلزم المسلم في الحياة اليومية. وتعلُّمها على شكل صحيح ليس بالأمر الصعب؛ لأنها قليلة وسهلة. وعلى المسلمين من غير العرب أن يتعلموها بالعربية وفقا للقواعد العربية والتجويد على وجه الخصوص. وهناك كثير من المسلمين من غير العرب – الأتراك مثلا- لا يستطيعون قراءة القرآن على وجه صحيح إلا الذين تخرجوا من ثانويات الأئمة والخطباء، ومن تعلم في مدارس خاصة بتحفيظ القرآن. وقليل ما هم، لا سيما في العصر الحديث وذلك بسبب إغلاق مدارس تحفيظ القرآن والحد من انتشار ثانويات الأئمة والخطباء. وقد أدت هذه الحالة إلى أن الكثير ممن هم في مستوى عالٍ في العلوم الأخرى، ومعروفون بالأخلاق الفاضلة والمكانة المروقة في المجتمع، يخجلون من أنفسهم ويحسون بالقصور نتيجة قلة علمهم الديني.
وقراءة القرآن الكريم بشكل صحيح هو ما يرغب فيه كل مسلم. فلا بد من توفير البيئة المناسبة الصحيحة لتحقيق رغبة المسلمين في تعلم القرآن الكريم بشكل صحيح، وإلا سيتم بطريق خطأ. لذا ينبغي أن يبدأ تعليم قراءة القرآن الكريم من المدارس الإبتدائية. فمدارس تحفيظ القرآن الكريم وثانويات الأئمة والخطباء ليست كافية في أداء هذه المهمة. وبسبب عدم إعطاء التعليم الديني حقه في المدارس الحكومية، قد أدّى إلى زيادة مفرطة في عدد الطلاب في مدارس الأئمة والخطباء، لا سيما قبل إغلاق الأقسام الإعدادية منها. كما أن نقص المعلومات الدينية عند طلاب المدارس الحكومية أدّى إلى إنحراف سلوكي لكثير منهم.
ج. التعليم الأخلاقي
 على كل إنسان حقوق وواجبات تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه وبني جنسه من البشر جميعا. وعلى المسلم أن يتعلم الواجبات والحلال والحرام بشكل صحيح. وإلا لا يمكن أن يعتبر نفسه مسلما حقا، فضلا عن أن يكون قدوة للآخرين.
د. ثانويات الأئمة والخطباء 
وبقبول قانون توحيد التدريس عام 1924م فقد دخلت جميع المؤسسات العلمية تحت سلطة وزارة التربية والتعليم. وبناء على ذلك القرار فإن المدارس التابعة لوزارة الأوقاف والوزارة الشرعية، والمدارس العسكرية الرشدية والإعدادية التابعة لوزارة الدفاع، والمدراس المسماة بدور الأيتام التابعة لوزارة الصحة قد دخلت تحت سلطة وزارة التربية والتعليم. كما هو معروف فإن تشريع القوانين يتم حسب الحاجات ثم يتم تغييرها إذا دعت الضرورة ذلك، أو يتم إلغاؤها في حالة عدم الحاجة إليها؛ بناء عليه فقد تم التغيير الأول في قانون توحيد التدريس عام 1925م بجعل الثانويات العسكرية تحت سلطة وزارة الدفاع. ثم بعد ذلك دخلت المدراس التي تؤهل الموظفين في الشؤون الصحية تحت إدارة وزارة الصحة. كما دخلت الجامعات تحت إدارة المجلس الأعلى للشؤون التعليمية. كما أصبح الإشراف على المدارس الخصوصية وفتح الجامعات تحت تصرف وزارة الأوقاف. وثانويات الأئمة والخطاء هي المؤسسة الوحيدة التي تجري نشاطها حسب قانون توحيد التدريس. وذلك بنص الفقرة القانونية التالية: "تتولى وزارة التربية والتعليم مهمة إعداد الموظفين لأداء الخدمات الدينية مثل الإمامة والخطابة، فهي تقوم بفتح مدارس أخرى لتحقيق تلك الأهداف.
وفي هذه الأيام لم تعد ثانويات الأئمة والخطباء مناسبة لإعداد الأئمة والخطباء. لأنها أصبحت تقوم بتدريس التعاليم الدينية المتبناة من قبل الدولة حسب المادة 24 من القانون التركي. ولا يجد الطلاب سبيلا إلّا التلقي وفقا للمنهاج المقرر، أمّا من يرغب منهم في التوسع بتعلم دينه، فبالإضافة إلى انتسابه للثانويات فإنه يلتحق بمدراس لتحفيظ القرآن كذلك. وبعد أن أصبحت المرحلة الإلزامية ثماني سنوات بدلا من خمسة سيصبح من الصعب أن يوجد من يصلى إماما في المحراب، لأنه من المستحيل تخريج من يستطيع أن يقرأ القرآن الكريم بشكل صحيح من المرحلة الثانوية. لأن الطالب يفقد في هذا السن القدرة على تعلم التلفظ الصحيح لحروف القرآن الكريم[1].
يوجد في مدارس تحفيظ القرآن الكريم نوعان من الدورات التعليمية: إحداهما الدورات القصيرة والأخرى الطويلة. ففي الدورات القصيرة يتم تعليم قراءة القرآن الكريم وحفظ بعض السور وبعض الأدعية المختارة. كما يدرس فيها ما يحتاج إليه المسلم في حياته اليومية من العلوم الدينية الضرورية. والعلوم الدينية المقررة في المدارس الإبتدائية والإعدادية يعادل مستوى الدورات القصيرة من غير تعليم القرآن الكريم.
ولو أضيف تعليم القرآن الكريم إلى برنامج الإبتدائية والإعدادية كمادة مقررة لما بقي حاجة إلى مدارس لتحفيظ القرآن الكريم. وهي الطريقة المثلى حيث يتعلم الطلاب قراءة القرآن الكريم بشكل صحيح قبل المرحلة الثانوية.
أما الدورات الطويلة في مدارس تحفيظ القرآن الكريم، فإنها تدعم البرنامج التعليمي في ثانويات الأئمة والخطباء. حيث يتخرج منها القراء الذين تعمقوا في العلوم الشرعية، وإلا لا يمكن تخريج الموظفين الذين يكون لديهم القدرة والصلاحية للإمامة والخطابة. وبهذا تتحقق الأهداف المنصوص عليها في قانون توحيد التدريس. ولا تزال الحاجة إلى مدارس لتحفيظ القرآن الكريم إلا أن يجرى تعديل في برنامج الثانوية الأئمة والخطباء.
وتقوم ثانويات الأئمة والخطباء بدعم من مدارس تحفيظ القرآن الكريم، بتأهيل الكادر الذي سيقوم بأداء الوظائف الدينية، كالإمام والمفتي وغيرهم، هذا من ناحية، من الناحية الأخرى تقوم بالتوعية الدينية للمجتمع، فوجود هؤلاء يعطي ثقة للمجتمع. ولا بد هنا أن ننوه إلى أهم واجبات هذه الثانويات وهي أن تناضل ضد الخرافات وتقف في وجه الأساطير؛ لأن من يريد إشاعة الخرافة يبحث عن من لا يعلم الدين جيدا، حتى لا يظهر جهله، وفي هذه الحالة يستطيع أن يستخف بعقول الناس فيطيعوه.
إنّ ما يُدرس في المدراس الحكومية باسم الثقافة الدينية ليس كافيا فلا بد من تنسيق جديد، يشمل على وجه الخصوص إعادة برنامج ثانويات الأئمة والخطباء حسب ما ينص عليه قانون توحيد التدريس. كما ينبغي إعادة النظر من جديد في مفردات المواد الدينية في ضوء القرآن الكريم. وستكون النتيجة الحتمية لهذه السياسات التجديدية أن تصبح البلد يحكمها العقل والعلم.
وبعد أن اصبح التعليم الإلزامي ثماني سنوات، قد دخل التعليم الديني في حالة من الفوضى بل وصلت المشاكل إلى ذروتها، كما هو الحال في جميع القضايا المتصلة بالتعليم. وهناك من ينتهز الفوضى ويأمل إبعاد الناس عن الدين بهذه الطريقة أو تطويع الدِّين على ما تشتهي وتهوى أنفسهم. ولا يمكن لأحد أن يقف دون توجه الناس إلى الدين الصحيح، فكلما اشتدت العداوة للدين اشتد توجه الناس إليه، وهذه ظاهرة عالمية لا ينكرها إلا جهول. ولا بد أن نذكر أن المتوجهين إلى الدين يسلكون سبيلا واحداً فبعضهم مقلدون يتبعون قادتهم وعلماءهم في المسائل الدينية.
وهناك من يخاف من الدين؛ والحقيقة أنّ الدين لا ينبغي الخوف منه بل هو مرشد للإنسان إلى أقوم الطريق ويدعوه إلى سعادة الدارين. وما ينبغي الخوف منه هو التعليم الديني الخاطئ أو الناقص. وإذا لم يتم التعديل والتنسيق في مفردات المواد الدينية لثانويات الأئمة والخطباء وبالتالي تعليم الدين الصحيح النقي، سيزداد في المجتمع من يزعم أنفسهم أنّهم علماء ربما يتخذهم الناس وسطاء بينهم وبين الله تعالى. وهذه هي الكارثة الحقيقية…


[1] كان التعليم الإلزامي في تركيا خمس سنوات لا غير بحيث يستطيع الطالب الإنتقال إلى مدارس تحفيظ القرآن بعمر مبكرة تمنكه من تعلم القرآن الكريم بسهولة.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.