حبل الله
المسجد الأقصى المبارك

المسجد الأقصى المبارك

أين المسجد الأقصى؟

قال الله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الاسراء، 1)

لنقف أولا على قوله تعالى (أسرى) وهي بمعنى سيَّر؛ أي جعله يسير .قال أبو إسحاق في قوله: {سبحان الذى أسرى بعبده} قال: معناه: سير عبده، يقال: أسريت وسريت: إذا سرت ليلا[1].. والسير لا يستعمل سوى في الانتقال في الأرض كما في قوله تعالى {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} (الأنعام،11 والنمل، 69 والعنكبوت، 20 والروم، 42)

أما الانتقال إلى السماء فيستخدم القرآن عدة ألفاظ منها؛ لفظ العروج كما في قوله تعالى {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعرج، 4).

كما يستخدم لفظ الصعود كما في قوله تعالى {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (الأنعام، 125) {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر، 10). ولفظ الرفع كما في قوله تعالى  {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر، 10). {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}

نفهم من ذلك أن الاسراء كان من الأرض إلى الأرض.

وقوله تعالى {الذي باركنا حوله} تعريف بالمكان المحيط بالمسجد الأقصى، وقد ورد توضيح المكان المبارك في 3 آيات جاءت في سور متفرقة.

1_ {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (الانبياء،71) الآية تتحدث عن إبراهيم وابن أخيه لوط عليهما السلام، فقد نجاهما الله تعالى من مدينة قديمة من أرض العراق يقال لها كوثى إلى بلاد بيت المقدس وما حوله ، وقد وصف الله تعالى هذه البلاد بقوله {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}[2]

2_ {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} (الانبياء،81) الآية تتحدث أن الريح تجري بأمر سليمان إلى الأرض التي باركنا فيها، وذلك أنها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم تعود به إلى منزله ، فلذلك قيل:(إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)[3]. ومنزله كان في القدس.

3_ {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} (سبأ، 18)

وقد روى الطبري عن ابن عباس  قال: الأرض التي باركنا فيها: هي الأرض المقدسة[4]. والأرض المقدسة مصطلح يطلقه العلماء القدماء على بيت المقدس وما حوله من أرض فلسطين خاصة وبلاد الشام عامة.

وفي ذلك إشارة واضحة أن الضمير في كلمة (حوله) يعود الى الأرض المباركة. ونفهم من ذلك أن المقصود بيت المقدس وما حوله من القرى والمدن.

ولننظر أيضا إلى كلمة المسجد في هذه الآية 7 من سورة الإسراء حيث الحديث ما زال مستمرا عن بني إسرائيل: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} (الإسراء، 7)، وقد وردت كلمة المسجد محلاة بالألف واللام وهي لام العهد، وهذا يعني أن المسجد المراد قد ذكر سابقا، وهو بلا شك المسجد الأقصى لأنه المذكور الأقرب في بداية السورة، كما أن إفساد بني إسرائيل مرتبط بأرض فلسطين لا بأرض الحجاز. ولا يمكن أن يكون المسجد في السماء وإلا كيف سيدخله القوم مطهرين له من فساد بني إسرائيل المذكور في الآيات التي سبقتها. كما أنّ ذكر إفساد بني إسرائيل في أرض فلسطين بعد ذكر حادثة الإسراء يؤكد ما ذكرت لما يلي:

1_ إن أحداث الإفساد الذي سيظهر من بني إسرائيل سيكون في الأرض التي يقع فيها المسجد الأقصى وأحداث التاريخ تؤيد ذلك.

2_ تؤكد الآيات على تلك الرابطة التي تجمع بين المقدسات في الإسلام، وتمثل هذا الجمع بذكر المسجد الحرام كأول بيت وضع لله على هذه الأرض والمسجد الأقصى ثاني المسجدين.

3_ هذه الآيات تؤكد أن رسالة الله إلى الناس واحدة لا تتجزأ، فلا غرابة إذن أن يكون كلا المسجدين مقدسا؛ فإبراهيم أبو الأنبياء هاجر بإسماعيل وأمه من بيت المقدس إلى مكة المكرمة حيث رفعا القواعد من البيت، بينما كان له في الأرض المقدسة زوجُه سارة وولدُه اسحاق حيث قام بالبناء الأول للمسجد الأقصى. وأمام هذه الحالة فلا غرابة أن تربط آيات الإسراء بين المسجدين بذكر إسراء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو سليل أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام. فالمعادلة إذن واضحة: إبراهيم وبنوه أقاما المسجدين، وحفيدُهم النبي الخاتم يؤكد تلك الرابطة بالإسراء به بين المسجدين، الحرام في مكة والأقصى في بيت المقدس.



[1]  تهذيب اللغة باب السين والراء

[2]  انظر تفسير البحر، 8/157

[3]  تفسير الطبري، 18/481

[4]  الطبري، 20/386

التعليقات

  • سلام الله عليكم…
    إخوتي سؤال يدور حول المسجد الأقصى :ـ

    هل لا زالت الصخرة تحت قبةالمسجد الأقصى معلقة الى يومن هذا وإذا ما أٌزيل الجدار الذي بٌني تحتها فإنها ستبقى معلقة ؟؟

    وإن كان الجواب بنعم فلماذا نخفي معجزة من الله خالف حاجزِ من الحجارة والطين ؟

  • وعليكم السلام ورحمة الله. الصخرة الموجودة تحت القبة غير معلقة كما يشاع وما نسمعه من كونها معجزة ليس له أصل شرعي يدل عليه.

    • بني المسجد الأقصى بعد المسجد الحرام بأربعين سنة كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وهذه الأحاديث تتوافق مع مهمة الأنبياء بإقامة المساجد لله تعالى، فيرجح أن يكون البناء الأول للمسجد قد تم في عهد إبرهيم وابنه اسحاق عليهما السلام يوؤكد ذلك ما رود في الأحاديث الصحيحة في هذا الشأن. وقيل أول من بناه آدم عليه السلام.

      وقد واصل الأنبياء جميعا من ذرية إبراهيم الاعتناء به وتجديد بنائه. وقد تعرض للهدم عدة مرات عبر التاريخ كان آخرها في القرن الأول للميلاد، وبقي المسجد مهدما حتى تم إعادة بنائه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

      وصفة المسجد لا تزول عن المكان بهدم البناء، وهذا ما يفسر كونه القبلة الأولى للمسلمين بالرغم من عدم وجود البناء؛ فوجود البناء أو عدمه لا يغير من حقيقية المسجدية للأرض التي خصصت لذلك..ف

      مثلا هُدمت الكعبة المشرفة في طوفان نوح وبقيت كذلك حتى أعاد بناءها ابراهيمُ وابنه اسماعيل عليهما السلام، ومع ذلك لم تسقط صفة المسجدية عن المكان.

      وقد دعا إبراهيم عليه السلام ربه قبل بنائه بسنوات طويلة قائلا: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم، 37) قال ذلك بالرغم أنه لم يكون هناك أثر للبيت، لذلك عندما أمره ربه باعادة بناء البيت دعا الله مرة أخرى قائلا {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة، 128)

      لذا يمكننا القول بوجود المسجد عندما أسري بالنبي إليه حتى لو كان البناء مهدما فالعبرة بالأرض لا بالبناء.

      أما القول أين البركة فيه بالرغم مما يحصل فيه من حروب وتخريب وإيذاء؟

      فالجواب أن البركة لا تعني عصمة المكان من الإيذاء، وإنما تعني اختصاص المكان عن غيره بقصده والصلاة فيه.

      فالكعبة مثلا شهدت حروبا عبر التاريخ وقُتل على ثراها المبارك الآلاف، كما تعرضت للهدم والاعتداء مرات ومرات عبر التاريخ، لكن ذلك لم ينزع بركتها، وإنما بركتها تكون سببا لاستحقاق المعتدين عليها المزيد من اللعن والغضب.

      وإن كان المكان مباركا وتعرض للاعتداء من قبل أعداء الدين فهذا يدفع لمزيد من العمل من أجل تخليصه من كيدهم وليس بزعم عدم بركته.

  • ما رايك يادكتور بمن يقول ان الاسراء فى الاية بموسى لانه سار باهله وان سياق الايات فى موسى واسم السورة بنى اسرائيل
    {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ ((( بِعَبْدِهِ لَيْلًا )))مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا ((( مُوسَى ))) الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ ((( عَبْدًا ))) شَكُورًا (3)} [الإسراء : 1-3]
    العبد الذي أسري به بمشيئة الله في الآية 1 هو موسى عليه السلام في الآية 2 و هو العبد الشكور في الآية 3

    سورة الدخان
    {وَأَن لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ (20) وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَٰؤُلَاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ (22) (((فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا ))) إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23)} [الدخان : 19-23]

    وان المعراج يتعارض مع تلك الايات
    سورة الإسراء
    بِسْم الله الرحمان الرحيم
    {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ ((( أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ ))) وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا ((( بَشَرًا رَّسُولًا ))) (93)} [الإسراء : 89-93
    طالبوه بأن يرقى في السماء أي يعرج إلى السماء و كان جوابه أنا بشر و إذا كان قد عرج به في السماء بالفعل لقال لهم لقد عرجت إلى السماء أفلا تؤمنون بل كان جوابه حسب الآيات ((( أنا بشر ))) أي لا أستطيع أن أعرج إلى السماء .
    وان النبى موسى حج الى بيت الحرام باهله وسار باهله كما قال الله فى سورة الاسراء من مدين الى المسجد الحرام للحج الى المسجد الاقصى.. قال الله سبحانه وتعالي
    {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }القصص27

    هل يعقل ان لا يطيع موسى امر ربه ؟
    الذي طلب منه ربه

    {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }الحج27 ان كل مؤمن بالله عليه حج البيت طبعاً ان استطاع اليه سبيلا بعد ابراهيم، فما بالنا بالرسل حجج جمع حِجة، معروف ان الحج مرة كل سنة، اذا ذهبت للحج ٤ مرات فهذه اربع حجج !!لا يمكن لرسول ان يتفادى الحج بعد امر الله لابراهيم))

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.