حبل الله
صلة الرحم

صلة الرحم

صلة الرحم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين، أما بعد:_
فقد دعت آيات القرآن الكريم إلى صلة الرحم باعتباره عماد استقرار المجتمع المسلم، يعتمد على هذا الاستقرار وجود البيئة السليمة لإقامة حياة المسلمين حسب الشرع وتعاليم الإسلام، لذلك ليس من الغريب أن تذكر الآيات الكريمة صلة الرحم باعتباره صمام أمان للمجتمع المسلم، وبفقد هذه السلوك تبدأ مؤشرات انفلات الأمن الاجتماعي متمثلا بصور الفساد في هذه الأرض. قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }(محمد،22).
معنى صلة الرحم
يقول الراغب الأصفهاني: الرحم: رحم المرأة. ومنه استعير الرحم للقرابة؛ لكونهم خارجين من رحم واحدة، يقال: رحم ورحم قال تعالى: {وأقرب رحما} (الكهف،81)، والرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة، نحو: رحم الله فلانا. وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة، وعلى هذا روي أن الرحمة من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة وتعطف[1].
صلة الأرحام ميثاق الله إلى الناس يجب الوفاء به
قال الله تعالى:
 1_ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} (البقرة،83)
2_ {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ ُمخْتَالًا فَخُورًا} (النساء ،36) {وَبِذِى القربى} أي بصاحب القرابة من أخ وعم وخال وأولاد كل ونحو ذلك[2].
والمعنى أن يصل المسلم قرابته وأن يسأل مودتهم، وقد عطفت على ما سبقها من وجوب عبادة الله وحده والإحسان للوالدين، وذلك للدلالة على أهمية صلة الرحم. 
3_ {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة،177) ذكرت الآية الكريمة أن صلة الرحم عن طريق المساعدة بالمال من صور البر، وقد قرن ذلك بأركان الإيمان، وذكر صلة الرحم معطوفا على أركان الإيمان للدلالة على أهميته وعدم جواز الاستهانة به.
4_ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} (الأحزاب،6)
5_ {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الانفال،75)
{ وَأُوْلُو الأرحام } في الآيتين السابقتين هم أولو القرابات وهم أولىبالتوارث، وقد نسخت هذه الآية التوارث بالهجرة والنصرة[3].
6_ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل،90) {وإِيتاءِ ذي القربي} المراد به: صلة الأرحام[4] .
7_ {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (الإسراء،26)
{ وَءَاتِ } أَعْطِ { ذَا القربى } القرابة { حَقَّهُ } من البرّ والصلة بالإِنفاق[5].
8_ { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الروم،38)
يقول تعالى آمرًا بإعطاء ذي {الْقُرْبَى حَقَّهُ} أي: من البر والصلة، {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّه} أي: النظر إليه يوم القيامة، وهو الغاية القصوى، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي: في الدنيا وفي الآخرة[6].
8_ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ)[7]
سوء الأقارب لا يبرر قطع صلتهم
قال الله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور،22).
يخاطب الله تعالى في هذه الآية جموع المقتدرين على الصدقة أن لا تحلفوا ألا تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين. وهذه في غاية الترفق والعطف على صلة الأرحام؛ وقد أمر الله تعالى أولو الطول والمال أن يتجاوزا عما تقدم من أقاربهم الفقراء من الإساءة والأذى، وهذا من حلمه تعالى وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لأنفسهم[8].
 وعن عقبة بن عامر ، رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عقبة، ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة . تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ألا ومن أراد أن يمد في عمره ويبسط في رزقه فليصل ذا رحمه)[9]
  وعن ابن أبي حسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ، أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك)[10]
قطيعة الرحم علامة على الفساد
قال الله تعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }(محمد،22)
{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ } بكسر السين وفتحها وفيه التفات عن الغيبة إلى الخطاب أي لعلكم { إِن تَوَلَّيْتُمْ } أعرضتم عن الإِيمان { أَن تُفْسِدُواْ فِى الأرض وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ } أي تعودوا إلى أمر الجاهلية من البغي والقتال[11].
وفي الآية نهي عن الإفساد في الأرض عموما، وعن قطع الأرحام خصوصا، بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال[12].
فجعل قطع الأرحام من الإفساد في الأرض ، ثم أتبع ذلك الإخبار بأن ذلك من فعل من حقت عليه لعنته فسلبه الانتفاع بسمعه وبصره ، فهو يسمع دعوة الله ، ويبصر آياته وبيناته ، فلا يجيب الدعوة ، ولا ينقاد للحق ، كأنه لم يسمع النداء ، ولم يقع له من الله البيان ، وجعله كالبهيمة أو أسوء حالا منها ، فقال : ( أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)[13].
وفي هذا السياق ورد قوله عليه الصلاة والسلام عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ)[14].
صلة الرحم لا تبرر ارتكاب المعصية
ومن المسلَّمات التي يعرفها كل مؤمن أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإن كانت الصلة مشروطة بمعصية الله تعالى فالواجب أن نمتنع عما يوقع في المعصية وإن أدى ذلك إلى غضب أولي القربى، وهذا يتضح من النصوص التالية:
1_ {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان15)، فطاعة الوالدين فيما يؤدي إلى معصية الله غير جائز، فالمسلم لا يقدِّم بين يدي الله ورسوله؛ أي لا يقدِّم على أمر الله وسوله أحدا من خلقه.
2_ {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الممتحنة،3) والمقصود بأرحامكم أي قراباتكم الذين توالون الكفار من أجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم ، فما لكم ترفضون حق الله مراعاة لحق من يفرّ منكم غداً: خطأ رأيهم في موالاة الكفار بما يرجع إلى حال من والوه أوّلاً ، ثم بما يرجع إلى حال من اقتضى تلك الموالاة ثانياً؛ ليريهم أن ما أقدموا عليه من أي جهة نظرت فيه وجدته باطلاً[15]
للقريب على قريبه حق النصح والتوجيه
من حق الإنسان على قريبه أن يرشده للحق ويبصره بما يصلحه في دنياه وآخرته، وليس غريبا أن يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته في أقاربه وذلك لحقهم عليه. ونفهم هذا من توجيه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من أن ينذر عشيرته الأقربين بقوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء، 214) ولذلك شرع النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة قومه الأقرب فالأقرب حتى إذا ظهر منهم التكذيب أرشده ربه سبحانه أن يقول لهم إن دعوتي إليكم لا لأجر أرتجيه منكم أو منصب أطمح إليه، وإنما هو حق القربى أن أبدأ بدعوتكم. فتنصروني بدلا من أن تؤذوني. قال الله تعالى{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} (الشورى،23)
أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش: لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم ما لا تعطونيه، وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات ربي، إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة.
وإذا ما استقام الإنسان ملتزما أمر ربه داعيا إلى سبيله بالطريقة التي ترضيه المتمثلة بالحكمة والموعظة الحسنة فإنه بذلك يقي نفسه وأهله النار التي وعدها الله للذين يتنكبون صراطه ويتخذون كتابه وراءهم ظهريا. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم، 6)
المسلم يصل رحمه حتى وإن اختلفوا معه في الدين
اختلاف دين الأقارب ليس مانعا من مودتهم والعطف عليهم، بل في ذلك تقريب لقلوبهم إلى الإسلام بخلاف إظهار العدواة لهم بسبب عدم اسلامهم فهذا مما يزيد نفورهم ويبعدهم عن الإصغاء للحق. وذلك يتضح من النصوص التالية.
  1_ قال الله تعالى{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة، 8
 2_ وقال أيضا{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان، 15)
 3_ عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أتتني أمي وهي راغبة أفأعطيها ؟ قال: (نعم ، صليها بكذا)[16].
من صور بر الوالدين بعد وفاتهما صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما
حرص الإسلام على أن يكون المسلم بارا بوالديه أحياء وأمواتا لما لهم من حق عظيم عليه، وقد جعل صلة أرحام الأبوين من صور برهما بعد وفاتهما.
 فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا (قَالَ نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا)[17].
فضل صلة الرحم
لصلة الرحم فضائل لا تحصر، ونستطيع أن تعرف على عظيم فضائلها من تلكم الأهمية التي أولاها القرآن الكريم لها وقد وردت الأحاديث الشريفة ببيان فضائلها تبعا للقرآن الكريم وهكذا فهم المسلمون ذلك، ومن هذه الفضائل:
1_ واصل الرحم يحظى برضى الله سبحانه، وهو الغاية القصوى للمسلم؛ حيث يظهر ذلك من اقتران صلة الرحم بأركان الإيمان في بعض الآيات السابق، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)[18].
 وعن أبي أيوب الأنصاري أن أعرابيا عرض للنبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بزمام ناقته، فقال: يا رسول الله، أخبرني بأمر يدخلني الجنة وينجيني من النار؟ ، قال: فنظر إلى وجوه أصحابه وكف عن ناقته وقال: (لقد وفق ، أو هدي ، لا تشرك بالله شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم)[19].
2_ صلة الرحم سبب في إطالة العمر وزيادة الرزق، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يمد الله في عمره ، ويزيد في رزقه ، فليبر والديه ، وليصل رحمه)[20].
عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن ينسأ له في أجله ، ويبسط له في رزقه ، فليصل رحمه)[21].
3_ صلة الرحم سبب في البركة في الأولاد، وحسن الأثر بعد الموت. قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ }[22]وَحَاصِلُهُ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّوْفِيقِ لِلطَّاعَةِ وَالصِّيَانَةِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَيَبْقَى بَعْدَهُ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ .وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ التَّوْفِيقِ الْعِلْمُ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِتَأْلِيفٍ وَنَحْوِهِ وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ ، وَالْخَلَفُ الصَّالِحُ[23].
عاقبة قطيعة الرحم
عن أبي بكرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من ذنب أجدر أن يجعل الله لصاحبه العقوبة مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)[24]
عن جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ)[25]
وبعد هذا فلن نجد غريبا أن يوصي النبي صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم والتحذير من قطيعتها حتى عندما حضرته الوفاة فقد روى أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال في مرضه : (أرحامكم أرحامكم)[26].
وفقنا الله لما يحب ويرضى وجعل عملنا في رضاه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

[1] مفردات الراغب الأصفهاني، باب الراء، مادة رحم
[2] الألوسي،4/47
[3]الزمخشري، 2/391
[4] زاد المسير، 4/122
[5]الجلالين، 5/54
[6]ابن كثير، 6/318
[7] سنن النسائي، باب الصدقة على الأقارب، 2535 . مصنف عبد الرزاق، 19627 ،10/437
[8] ابن كثير، 6/31
[9]المستدرك، 7395
[10] مسند عبد الرزاق، 20237
[11]الجلالين،10/65
[12]تفسير ابن كثير، 7/318
[13] شعب الإيمان للبيهقي، 16/457
[14]  سنن أبي داوود، باب اصلاح ذات البين، 4273. صحيح ابن حبان، باب ذكر الأخبار عما يجب على المرء، 5183. سنن الترمذي، قال أبو عيسى هذا حديث صحيح ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. 
[15]تفسير الزمخشري ،7/38.
[16]شعب الإيمان للبيهقي،7696، 16/455
[17]سنن أبي داوود ، باب في صلة الرحم، 4476
[18] البخاري، باب اكرام الضيف وخدمته بنفسه،  5673
[19]صحيح ابن حبان،438،2/365
[20] شعب الإيمان للبيهقي،7610 ،16/364
[21]صحيح ابن حبان،439،2/367
[22]صحيح الْبُخَارِيُّ، باب من أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، 1925. صحيح مسلم، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، 4638. أبو داوود، باب في صلة الرحم، 1443
[23]سبل السلام ،7 /54
[24] سنن أبي داوود، باب في النهي عن البغي، 4256، سنن الترمذي، 2435، وقال حديث حسن صحيح. ابن ماجة، باب البغي، 4201 . ،المستدرك على الصحيحين للحاكم،7398، 17/1
[25] صحيح البخاري، 5525
[26]صحيح ابن حبان،437، 2/363

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.