حبل الله
الزعم بأن الله تعالى يتجلى لبعض الشيوخ الصوفية

الزعم بأن الله تعالى يتجلى لبعض الشيوخ الصوفية

27.     الزَّعمُ بأنَّ اللهَ تعالى يتجلَّى لبعض الشُّيوخ الصُّوفيَّة

يأتي التَّجلِّي بمعنى الظُّهور والبروز.

الشَّيخ أفندي : يقولُ مشيراً إلى جبهته: “جبهاتً الشُّيوخ مرآةٌ، فيها يتجلَّى اللهُ تعالى”.

بايندر: وما دليلُ هذا؟

الشَّيخ أفندي : دليلُه قولُه تعالى: «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا (طور سيناء) وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» (الأعراف، 7/143). فإذا تجلَّى اللهُ في جبلٍ، فكيف لا يتجلَّى في بشر؟

بايندر: حين تجلَّى اللهُ للجبل جعله دكَّاً، وسَقَطَ موسى مغشيَّاً عليه.

الشَّيخ أفندي : فالشَّيخُ في مقام الجبل، والمُريدُ في مقام موسى عليه السَّلام.

بايندر: ما هذا الدَّليل؟ وما هذا القياس؟ ثمَّ إنَّ اللهَ تعالى لم يتجلَّ في الجبل، وإنَّما تجلَّى للجبل.

والآيةُ السَّابقة تُبيِّنُ بوضوح أنَّ اللهَ تعالى لا يتجلَّى للإنسان، أي لا يظهر له.

ولنفترضْ رغمَ مخالفة الآية أنَّكم على صوابٍ وأنَّ اللهَ تعالى لم يتجل للجبل، ولكن تجلَّى فيه، فكيف تقيسون أنفسَكم بجبلٍ؟ !

هل يُشبهُ الإنسانُ الجبل؟ هذا قياسٌ مع الفارق، أي لا مُلازمةَ بين المقيس والمقيس عليه، فمن أين لكم التَّشابه بينهما لتحملوا آيةً في جبل على إنسان؟

ولو افترضنا أنَّ تشبيهَك صحيحٌ فقبلناه لوجَبَ أن يندكَّ الشَّيخُ بعد تجلِّي الله تعالى له، لأنَّ الجبلَ جُعِلَ دكَّاً بعد التجلِّي، وليس هذا حالكم، بل إنَّ جبهةَ الشَّيخ تصيرُ كالمرآة لله تعالى بعد تجلِّيه، ثمَّ يرى الجميعُ اللهَ عزَّ وجلَّ في جبهة الشَّيخ.

الشَّيخ أفندي : اللهُ يحفظُ الشُّيوخ، وهو قادرٌ على ذلك. أليسَ كذلك؟

بايندر : اللهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ولا يُعجزُه شيءٌ، لكنَّ حديثَنا ليس عن قدرة الله، وإنَّما هو حكم الآية.

ثمَّ إنَّ تجلِّيَ الله للجبل أمرٌ خاصٌّ وليس مما يُقاسُ عليه، لأنَّ القياس على أمرٍ خارقٍ للعادة لا يُخلَص منه إلى حكم.

ولا يُمكنُ الفهم على أيِّ أصلٍ اعتمدتم في قياسكم الشَّيخ على الجبل، والمريدَ على موسى عليه الصَّلاة والسَّلام؟ ولو أنَّكم شبّهَتم الشَّيخَ بموسى عليه السلام لكان لهذا مخرجٌ ما، فكلاهما بشرٌ يشتركان في صفاتٍ بشريَّة واحدة. أمَّا وجهُ الشَّبه بين الشَّيخ وبين الجبل فلم أفهمْه؟ !

المُريد : لِمَ تُسيءُ تأويل التَّجلِّي؟ ليس هذا إلَّا مثلاً يُضربُ لفهم معاملة الشيخ مريديه.

بايندر: أي أنَّكَ تقصدُ أنَّ اللهَ يحلُّ في بدن الشَّيخ؟

المُريد : ليس هذا ما أعنيه أبداً، أنا أتحدَّثُ عن كون الشَّيخ قدوةً لمريديه.

بايندر: أو لا بُدَّ أن يظهرَ اللهُ في جبهة الشَّيخ ليكونَ قدوةً لمريديه؟

الشَّيخ أفندي : ما بين عيني الشَّيخ مصدرُ فيضٍ، المريدُ ينظرُ أثناء الرَّابطة بخزينة خيال ما بين عينيه إلى وجه روحانيَّة المرشد، بل إلى ما بين عينيه.

بايندر: الآن انكشفَ أمرُكم، وفهمتُ إلى ماذا تحتاجون حتى تثبتوا ادعاءكم أنَّ اللهَ يتجلَّى في جبهة الشَّيخ، فأنتم حين ابتدعتُمُ الرَّابطةَ وأردتُم لها القبول عند النَّاس، أخذتم تحاولون إثبات بدعة أنَّ الله يتجلَّى في جبهة الشَّيخ لحاجتكم إليها، والخطأ يجرُّكم إلى الخطأ.

ذلك أنَّ المريد أثناء الرَّابطة يتخيَّلُ روحانيَّة الشَّيخ، ويُفكِّرُ فيما بين عيني شيخه، أي وسط جبهته، لأنَّ هناك مصدر الفيض كما تزعمون، ثم يتذلل إلى أبعد الحدود بين يديه، ويتضرّع إليه، ويتوسَّل به إلى الله تعالى.

فهناك شعرتُم بالحاجة إلى القول بمرآة جبهة الشَّيخ وظهور الله فيها، وإلا فكيف ستجعلون مريديكم يصدِّقونكم فيه؟

بل وذهبتْ بعضُ كتب التَّصوُّف إلى القول بتجلِّي أسماء الله وصفاته في الشَّيخ. فكيف يمكنُ قبولُ هذا؟ وهذا الرَّأي المُشترك بين جميع الطُّرق الصُّوفيَّة وأنتم منهم، تدعون بهذه الأفكار التافهة.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.