حبل الله
النفاثات في العقد

النفاثات في العقد

ومما يستندون إليه في أن السحرَ تغييرٌ لطبائع الأشياء واستخدامٌ للجن في الإضرار بالآخرين قوله تعالى في سورة الفلق ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: ٤]. حيث فسرها كثير من المفسّرين بأن «النفاثات» هن النساء الساحرات، وأن اللفظ صيغة جمع للمؤنث ومبالغة من نَفثَ، وأن النسوة الساحرات كن يقرأن الأوراد وينفخن في عقد، وبذلك يعملن السحر.

لا يوجد في الآية ما يصرح تماماً بأنهن ساحرات، ولكن هناك نفاثات يقمن بعمل معين هو النفث، ولكن هذا لا يعني أن تمتماتهن ونفثهن يضر أو يسحر، والآيات تنقل ما كان يجري، وأن هناك من يحترف هذا العمل سواء سموه كهانة أو سحراً، ولكن قد يتسببن للناس بضرر مما ينفثنه من سموم قد تضر الشخص بعلمه أو بدون علمه، ومن هنا جاء طلب الاستعاذة منهن.

والآية لا تقرر مقدرتهن على الأذية، ولذا اختلف المفسرون قديمًا في نوعية الشر المنسوب إليهن.

يقول محمد عبده:

العقد ما تعرفه في الخيط والحبل جمع عقدة، ثم تستعمل العقدة في كل ما ربط وأحكم ربطه، ولذلك سمى الله الارتباط الشرعي بين الزوجين “عقدة النكاح” وسمى الإيجاب والقبول ونحوه عقدًا ونسميه عقدة أيضًا.

والنفث النفخ الخفيف أو النفخ مع شيء من الريق، والنفاثة من صيغ المبالغة كالعلامة والفهامة يستعمل كذلك للذكر والأنثى والنفاثات جمعه، والمراد بهم هنا النمامون المقطعون لروابط الألفة، والنميمة تشبه أن تكون ضربًا من السحر لأنها تحول بين الصديقين من محبة وعداوة بوسيلة خفية كاذبة، والنميمة تضلل وجدان الصديقين كما يضلل الليل من يسير فيه بظلمته، ولهذا ذكرها عقب الغاسق إذا وقب، ولا يسهل على أحد أن يحتاط للتحفظ من النمام فإنه يذكر عنك ما يذكر لصاحبك، وأنت لا تعلم ماذا يقول ولا ما يمكن أن يقول، وإذا جاءك فربما دخل عليك بما يشبه الصدق حتى لا يكاد يمكنك تكذيبه، فلا بد من قوة أعظم من قوتك تستعين بها عليه وهي قوة الله[1] .

وتابعه في ذلك الرأي الشيخ المراغي بقوله:

﴿ومن شر النفاثات في العقد﴾ أي ومن شر النمامين الذين يقطعون روابط المحبة، ويبددون شمل المودة، وقد شبه عملهم بالنفث، وشبهت رابطة الوداد بالعقدة، والعرب تسمى الارتباط الوثيق بين شيئين عقدة، كما سمى الارتباط بين الزوجين: عقدة النكاح.

فالنميمة تحول ما بين الصديقين من محبة إلى عداوة بالوسائل الخفية التي تشبه أن تكون ضربا من السحر، ويصعب الاحتياط والتحفظ منها فالنمام يأتي لك بكلام يشبه الصدق، فيصعب عليك تكذيبه، كما يفعل الساحر المشعوذ إذا أراد أن يحل عقدة المحبة بين المرء وزوجه، إذ يقول كلامًا ويعقد عقدة وينفث فيها، ثم يحلها إيهامًا للعامة أن هذا حل للعقدة التي بين الزوجين[2] .

ويمكن أن تحتمل الآية أن النفاثات هي نوائب وأحداث الدهر، فيكون معنى الآية: ومن شر نوائب وأحداث الدهر التي تفكك روابط الألفة وأواصر القربى (الروابط الأسرية والاجتماعية). وهذين الرأيين الأخيرين هما أكثر الآراء اتساقًا من بين الآراء التي أوردها المفسرون في كتبهم.

كان هذا هو آخر دليل من القرآنِ استدل به أولئك الذين يرون للسحرِ حقيقة وأنه استخدام للجن في الإضرار بالإنس، ولأن الآية لم تذكر السحرَ أو طريقتَه صراحةً فقد رأينا كيف اختلفت التفسيرات والتأويلات حولها، ومن ثم فقد سقط استدلالهم بها..

*من مقالة د. عبدالله القيسي: أوهام الناس في السحر والاتصال بالجن ، ولقراءة المقالة كاملة يرجى الضغط على العنوان.

ــــــــــــــــــــــــــــ

[1] تفسير جزء عم محمد عبده ص208 -209.

[2] تفسير المراغي ج30ص267.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.