السؤال:
هل الزوج يحاسب عن زوجته إذا لم يأمرها بإتيان الفعل الصحيح، أم يحاسب فقط على نصحه وعدم نصحه لها؟
الجواب:
يحاسب الإنسان على فعله وما يدخل تحت استطاعته فقط ، واستطاعة الحاكم والقاضي في تنفيذ الأوامر والقواعد تختلف عن استطاعة أحد الزوجين أو الوالدين وكذلك الأبناء والأخلاء… إلخ تجاه بعضهم البعض والتي تقف عند النصح والتبليغ وليس لأحدهم على الآخر حق الأمر بالجبر والسيطرة؛ إذ وهب تعالى لكل إنسان القدرة على التفكير والتفريق بين الهدى والضلال:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ الشمس (7: 8)
ولا يملك أحد حق الضرر أو الرشد لغيره إلا بالتبليغ، فقال تعالى في حق رسوله:
﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا. إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ…﴾ الجن (23)
على أن يكون البلاغ مشروطًا بآداب الدعوة التي بينها تعالى في كتابه، ومن ذلك:
1_ القول اللين القريب من المخاطب:
﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ طه (44)
2_ التواضع للمدعو، فلا يتكبر الناصح ولا يتباهى بإيمانه ويتفاخر على المذنب بأنه أفضل منه، بل عليه أن يتأسى بصاحب الخلق العظيم الذي تحلى بالرحمة واللين والدعاء والاستغفار لمن حوله ومشاورتهم:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران (159).
3_ اختيار المقام والأسلوب المناسب:
﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل (125)
4_ تكرار النصح في وقته وأوانه والتحلي بالصبر:
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ نوح (5)
فلا ينبغي للإنسان المؤمن أن ييأس من التواصي بالحق والصبر لآخر لحظة في حياته أسوة بالأنبياء والمرسلين:
﴿وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ البقرة (132)
فلم يتوانوا عن القيام بالنصح حتى وهم على فراش الموت:
﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي، قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ البقرة (133)
فإن فعل المؤمن ما في استطاعته وقضي الأمر بوفاة الداعي أو المدعو فليس عليه من حسابهم من شيء، وقد ضرب تعالى لنا المثل على ذلك بالخليل أبي الأنبياء حين ألح في دعوة أبيه حتى لاقى الاضطهاد والعذاب والاضطرار للهجرة، ورغم ذلك لم يسئ إليه بل: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ، سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي، إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ مريم (47)
ومن قبله النبي الكريم نوح الذي ظل يدعو قومه طيلة حياته حتى حال الطوفان بينه وبين ابنه:
﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ… وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ هود (43)
وكذلك امرأته وامرأت لوط عليه السلام:
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ، كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ التحريم (10)
وكذلك ضرب المثل بامرأة آمنت ربها رغم ضلال وطغيان الزوج وبطشه:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ التحريم (11)
فالإنسان لا يُحاسب على أخطاء غيره إلا في حالتين:
- إن كان سببًا في إضلاله فقَالَ تَعَالَىٰ:
﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ النحل (25).
- أو كان مشجعًا للمخطئ، سواء أكان بمدح ما يفعله من المنكر والثناء عليه وإظهار الرضا، أو حتى سكوته وتقصيره عن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:
﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ المائدة (79).
وقد حسم لنا سبحانه وتعالى الجدل في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خطابه لرسولنا الكريم:
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ … إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ الغاشية (21: 26)
وبيَّن تعالى أن القرآن هو سلاح الدعوة الوحيد دون جبر أو إكراه حين قال له:
﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ، وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ ق (45)
وختامًا:
إن قلنا أن مسؤولية الزوج تقف عند النصح والإرشاد الذي بينه تعالى في كتابه، فلا يتسنى لنا أن ننسى طبيعة المرأة ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ﴾ إذ أنها تحتاج في استجابتها إلى مزيد من التلطف والتودد بالكلمة الطيبة واللمسة الحانية والهدية وإظهار الحب والخوف عليها من العذاب وتذكيرها بأن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا معبر لحياة أبدية تجمع بين الزوجين الصالحين وذرياتهم مصداقًا لقوله تعالى:
﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ… جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ﴾ الرعد (22: 23).
الباحثة: شيماء أبو زيد


أضف تعليقا