حبل الله
هل ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل؟

هل ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل؟

السؤال:

يوجد حديث عن نزول الله إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ليسأل هل من داعي فاستجيب له …..إلى آخر الحديث. فهل هذا الكلام يعقل؟

ثم أي ليل؟ فنحن نعرف أن الليل في بلد ربما هو نهار في بلد آخر ..

وقد وجدت كثيرا من الخلاف على هذا الحديث، لأن منهم من يجسم الله ويحده بمكان وزمان.

برجاء التوضيح وشكرا.

الجواب:

لو نظرنا في كتاب الله تعالى في مسألة قرب الله تعالى من عباده، لوجدنا أنه أقرب إليهم من حبل الوريد، وهو معهم أين ما كانوا، وأنه وليهم، والولي هو الأقرب إلى المولى.

نص الحديث كما يلي:

“ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟” (رواه البخاري ومسلم وغيرهما).

وقد اختلفت أقوال المذاهب الكلامية حول هذا الحديث إلى ثلاثة أقوال رئيسية:

الأول: أهل الحديث

يرون أن هذا الحديث لا يُفهم بالعقل المجرد وحده، بل يُفهم في ضوء ما يليق بجلال الله تعالى. فالله تعالى لا يشبه خلقه، ولا يلزمه زمان ولا مكان. والنزول هنا نزول يليق بعظمته وجلاله، وليس كنزول المخلوق.

لما سئل الإمام مالك رحمه الله فقيل له: يا إمام: ﴿الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى﴾ [طه: 5] كيف استوى؟ قال رحمه الله: “الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ‌والإيمان ‌به ‌واجب، والسؤال عنه بدعة”. وهذا يقال في سائر الصفات[1].

والمعنى أن العقل لا يُدرك كل شيء عن الله تعالى، وقد قال سبحانه:

﴿لَيْسَ ‌كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]

أي ليل يُقصد؟ وهل يُعقل أن يكون ثلث الليل في كل بلد؟

يلخص العلماء الذين يقبلون هذا الرأي كما يلي.

  1. نعم، الليل يختلف من بلد إلى آخر، فحين يكون الليل في مكة، يكون نهارًا في نيويورك مثلًا.
  2. نزول الله لا يُقاس بنزول المخلوق، ولا يُحد بزمن أو مكان.
  3. قال بعض العلماء: نزول الله يكون مستمرًا في كل ثلث أخير من الليل بالنسبة لكل قوم في بلدهم، والله على كل شيء قدير، لا يُعجزه تعدد الأماكن أو اختلاف الأوقات.

إذن فالله يتفضل على عباده بالنزول في كل ثلث أخير من الليل لكل بلد بحسب توقيتهم، وهذا من كمال رحمته وسعة قدرته، ولا يُقال: كيف؟ لأن الله ليس كمثله شيء.

فأهل الحديث يثبتون ما أثبته الله لنفسه أو أثبته النبي ﷺ، من غير تشبيه (كأن تقول: الله ينزل مثلنا)، ومن غير تعطيل (كأن تقول: هذا لا يمكن أن يحدث).

الثاني: قول المعتزلة

المعتزلة هم فرقة عقلانية تُعلي من شأن العقل، وتُنكر ما لا يتوافق مع العقل – بحسب فهمهم – حتى لو ورد في الأحاديث صحيحة السند، فهم يضعفون الحديث الذي لا يتوافق مع منطق الأشياء.

موقفهم من حديث النزول:

  • ينكرون ظاهر الحديث، ويرون أن إثباته كما جاء يستلزم التجسيم والتشبيه، وهو مرفوض عندهم.
  • يقولون: “النزول يستلزم الحركة والانتقال، والله منزه عن ذلك”، لأنه ليس بجسم ولا يحويه مكان.
  • لذا، يؤولون الحديث تأويلًا مجازيًا، فيقولون مثلاً: “ينزل” بمعنى “تنزل رحمته”. أو “ينزل أمره”. أو “ينزل ملك من عنده لينادي بهذا النداء”.

وتأويلهم ينبع من أصولهم الخمسة، خاصة أصل تنزيه الله عن صفات الأجسام.

الثالث: قول الماتريدية

الماتريدية هم من أهل السنة. وموقفهم متوسط بين رأي المعتزلة وأهل الحديث، ويميلون للتأويل في بعض الصفات.

موقفهم من حديث النزول:

  • يُقرّون بثبوت الحديث من حيث السند، ولا ينكرونه كما تفعل المعتزلة.
  • لكنهم يقولون إن أخذ الحديث على ظاهره يُفضي إلى التشبيه، لذلك يميلون إلى التأويل أو التفويض.

في التأويل:

  • بعض الماتريدية يقولون مثل المعتزلة: النزول” أي نزول رحمة الله أو نزول أمره.
  • لكنهم لا ينكرون الحديث ولا يردونه، بل يؤولوه.

في التفويض:

  • بعضهم يُفوض المعنى إلى الله، فيقول:

“نؤمن بأن الله ينزل كما أخبر، لكن لا نعرف الكيفية، ونُنزّهه عن مشابهة المخلوقين”.

وهذا القول يقترب من قول جملة أهل الحديث.

الخلاصة:

  • أهل الحديث يقولون: نؤمن بالنزول كما جاء في الحديث، بلا كيف، ولا نشبهه سبحانه بالمخلوقين.
  • المعتزلة يردّون ظاهر الحديث لأنه عندهم لا يليق بجلال الله تعالى أو يؤولونه.
  • الماتريدية يثبتون الحديث، ويفوضون أو يؤولون “النزول” تنزيهًا لله عن صفات الأجسام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  شرح العقيدة الأصفهانية (ص 41)

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.