السؤال:
بخصوص الإشهاد على الطلاق ورد في القرآن فقط على الطلاق للعدة أي الرجعي فهل الطلاق البائن بينونة كبرى لا يحتاج إلى إشهاد؟ وما الدليل لو كان يحتاج؟ وبخصوص أثر عمران بن حصين: “طلقت لغير سنة” ألا يحتمل أنه يقصد منهج القرآن الكريم لا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن السنة تأتي بمعنى الطريق والمنهج فما جوابكم؟
الجواب:
الإشهاد على الطلاق لم يأتِ في كتاب الله تعالى خاصًا بالطلاق الرجعي كما يعتقد السائل الكريم، وذلك بدليل قوله تعالى:
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ الطلاق (2)
فقوله تعالى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ يدل على وجوب الإشهاد بعد بلوغ العدة، ثم بيَّن تعالى وجوبه في حالتي الرجعة المتمثلة في الإمساك (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أو الفراق المتمثل في الطلاق البائن (أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) فسواء أكان فراقًا مؤقتًا كالطلاق الرجعي أم فراقًا مؤبدًا بالطلاق البائن بينونة كبرى – إلا إذا نكحت زوجًا غيره – فلا فرق بينهما في شرط الإشهاد.
وبالنسبة للأثر عن عمران بن حصين، فلو صحّ فهو بلا شك يعني بقوله (طلقت لغير سنة) أي بغير سنته تعالى المتعلقة بكيفية الطلاق وشروطه الذي أنزله في كتابه في سورة سميت باسمه (الطلاق) ليبين فيها تعالى كيفية الطلاق وشروطه وما يترتب عليه من عدة ونفقة ورعاية للأطفال، ومن أهم شروطه إقامة الشهادة التي تُعد حماية لكلا الزوجين من التلاعب بأمر النكاح والطلاق.
فقصد عمران أن السائل الذي طلق زوجته ثم راجعها بغير إشهاد أنه خالف سنة الطلاق، ولا يعني بأي حال من الأحوال بقوله (طلقت لغير سنة) أن للقرآن منهجًا وأن لرسوله منهجًا آخر؛ فالمنهاج والتشريع هو شأن خاص برب العالمين الذي أُمر رسوله أن يحكم بحكمه ومنهاجه الذي أنزله عليه مصداقًا لقوله:
﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ، لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ المائدة (48).
فالسنة التي تشمل (التشريع والمنهاج) هي سنة الله تعالى، والنبي الكريم هو أول الناس اتباعًا لها مصداقًا لقوله:
﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ الأحزاب (38)
ولن يقضي الله تعالى أمرًا سواء فيما يخص الطلاق أو غيره من التشريعات الإلهية ثم يأتي رسولُه بما يخالف هذا القضاء أو يشرع تشريعًا مغايرًا له، ولم يرد في الكتاب أن النبي والأنبياء قبله غيَّروا أو بدَّلوا سنته تعالى، بل أكدت كل الآيات التزامهم جميعًا عليهم صلوات الله وسلامه بحكم الله وتشريعه، كقوله تعالى:
﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ الأحزاب (62)
﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾ الإسراء (77).
*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات التالية:


أضف تعليقا