حبل الله
هل هناك علاقة بين سورة الفيل وقوم لوط عليه السلام؟

هل هناك علاقة بين سورة الفيل وقوم لوط عليه السلام؟

السؤال:

السلام عليكم تحياتي لكم أنا أثق بكم وبتدبركم لكتاب الله تعالى..

بالنسبة لحادثه الفيل هناك من يقول أن المقصود في الآيات هم قوم لوط لأنه بمقارنة الآيات التي ذكر فيها عذابهم فهناك تشابه كبير وأن كلمة الفيل لا تعني الحيوان المعروف، بل الفيل هو التستر على الحق …فما رأيكم خصوصا أنه كيف للفيل أن يعبر كل هذه المسافة في الصحراء !!

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله.. نسأل الله تعالى أن نكون عند حسن ظنك..

الفكرة الرئيسة في السؤال، هي محاولة قراءة سورة الفيل بشكل غير تقليدي، لكن دعنا نفصل المسألة لنرى هل هذا الطرح صحيح أم لا.

المعنى المتبادر من ظاهر القرآن وتاريخ الحادثة

قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ ‌تَرَ ‌كَيْفَ ‌فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ [الفيل: 1-5]

جمهور المفسرين، منذ عصر الصحابة والتابعين، قالوا أن “أصحاب الفيل” هم جيش أبرهة الحبشي الذي جاء من اليمن لهدم الكعبة، وكان معه فيل ضخم أو عدة فيلة، وهو حدث وقع في العام الذي وُلد فيه النبي ﷺ.

وهذه القصة معروفة في المصادر التاريخية والسير، مثل سيرة ابن إسحاق وتفسير الطبري، وتناقلها العرب قبل الإسلام كحادثة مشهورة. حتى إنهم سموا السنة التي وقت بها الحادثة (عام الفيل) فصار كعلامة تاريخية فارقة عندهم.

إن المسافة الطويلة التي قطعتها الفيلة ليست مستحيلة؛ فجيش أبرهة تحرك على مراحل، وكان له دعم وافر، والفيلة كانت تُستعمل في الحروب في اليمن والحبشة آنذاك، وكان لها القدرة على قطع مسافات إذا تم تجهيزها.

الآيات الأخرى التي أشارت إلى حادثة الفيل:

﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا ‌قَبْلَهُمْ ‌مِنَ ‌الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه: 128] 

﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ ‌قَبْلِهِمْ ‌مِنَ ‌الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ﴾ [السجدة: 26] 

هذه الآيات تذكر أهل مكة بما حل بمن قبلهم من المنكرين من العذاب، ولا شك أن أصحاب الفيل من ضمن أولئك المشار إليهم.

معنى كلمة “الفيل

الفيل في اللغة العربية هو الحيوان المعروف، ولا يوجد في المعاجم المعتبرة ما يشير إلى أن “الفيل” كان يُستعمل مجازًا بمعنى “التستر على الحق”.

إن التأويلات الرمزية (مثل القول بأن الفيل يعني التستر على الحق) هي قراءات حديثة من خارج سياق لغة العرب التي نزل القرآن بها، والتأويلات البعيدة عن ظاهر النص تحتاج إلى دليل قوي من القرآن نفسه أو لغة العرب حتى تُقبل.

التشابه مع آيات عذاب قوم لوط

صحيح أن هناك تشابها في وصف العذاب لقوم لوط ولأصحاب الفيل، مثل ذكر “حجارة من سجيل”، لكن هذا لا يعني أن القصة هي نفسها؛ فقوم لوط جاءهم العذاب بسبب الفاحشة، وقُلبت قراهم، وكان زمنهم بعيدًا جدًا عن زمن ولادة النبي ﷺ. أما أصحاب الفيل فجاءت العقوبة لجيش معتدٍ في زمن قريب من النبي ﷺ ودون أن يكون له تأثير على المكان، وقد حصل أمام أعين العرب، لتكون آية وعبرة معاصرة لهم.

لماذا تبقى رواية الحدث التاريخي أقوى؟

  1. لأن السورة نزلت تخاطب قريشًا بأمر يعرفونه جيدًا: ﴿أَلَمْ ‌تَرَ ‌كَيْفَ ‌فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ [الفيل: 1]  أي ألم تعلموا وتسمعوا عنه. وهذا النوع من الخطاب لا يستعمل إلا لمن يعرف مضمون الخطاب معرفة تامة.
  2. حادثة الفيل كانت حديثة نسبيًا، مما يجعلها حجة مباشرة على أهل مكة.
  3. حذف الحدث أو قلب معناه إلى قوم لوط يُفقد السورة أثرها البلاغي المرتبط بالزمان والمكان.

هل يمكن للفيل قطع هذه المسافة في الصحراء؟

المسافة بين صنعاء (اليمن) ومكة تقارب 970 كم عبر الطريق البري القديم (طريق القوافل). وهذه المسافة لم يكن يتم قطعها في يوم أو أسبوع، بل على مراحل، غالبًا شهرين إلى ثلاثة أشهر مع جيش كبير. وكانت الطريق ليست قاحلة كما يتصور البعض بل مليئة بالمحطات والواحات مما يوفر الطعام والماء اللازمين للفيل.

وكانت تلك الطريق يستخدمها تجار قريش في رحلة الشتاء، والعرب وقوافلهم كانوا يقطعون هذه الطرق قديمًا مع الإبل والبضائع بانتظام، فما بالك بجيش منظم يحظى بدعم متواصل.

الخلاصة:

الربط بين سورة الفيل وعذاب قوم لوط ضعيف من حيث السياق التاريخي واللغوي، وأقوى القرائن تدل على أن “الفيل” هو الحيوان المعروف، وأن السورة تتحدث عن جيش أبرهة. أما التشابه في الألفاظ مثل “حجارة من سجيل” فهو أمر طبيعي لأن العذاب من عند الله، وقد تتشابه أوصافه في حوادث مختلفة.

التعليقات

  • بارك الله لكم وبارك في مجهودكم فأنتم تسبحون ضد التيار بالحق
    سؤال آخر بخصوص الايه التي تتحدث عن ان الله سيخرج دابه من الأرض..قديما عندما كنت أصدق في علامات الساعه كما يقال .كانت هذه الدابه دليلا على قيام الساعه تكلم الناس ولكن بعد ان تبين لي بفضل الله وبفضل أبحاثكم القيمه اكتشفت ان علامات الساعه هذه كذبه موجوده فقط في التلمود اليهودي وتسللت إلينا. ولكن يبقى السؤال ما معني “دابه تكلمهم” ؟ قرأت على موقعكم مقالا يوضح انه على الأرجح هو ملك الموت !! ولكني كنت في مناقشة مع احد من يؤمنون ويقدسون كتب التراث وعندما ذكرت له هذا التفسير قال لي كيف ملك الموت؟ الآية تقول ان الله يخرج للناس دابه من الأرض فهل ملك الموت يعيش في الأرض حتى يخرجه الله من الأرض للناس ؟ فلم أستطع الرد برغم اقتناعي التام أنها ليست حيوان يكلم الناس كما يزعمون ولكن قي نفس الوقت رأيت أن سؤاله هذا منطقي فهل من توضيح.
    وشكرا جزيلا

    • بحسب القرآن الكريم فإن لفظ الدابة يشمل كل ما خلق الله تعالى في السماء والأرض، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ ‌دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 29]

      ولا شك أن ملك الموت المختص بقبض أراوح البشر يتواجد بشكل متكرر في الأرض للقيام بعمله، فناسب أن تصفه الآية أنه يخرج من الأرض لا أنه ينزل من السماء.

      ويعضض هذا التفسير الآيات التي تذكر حديث ملائكة الموت مع الإنسان المحتضر وندم الإنسان حينها على ما فرط في طاعة الله تعالى:

      ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ ‌وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ. ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الأنفال: 50-51]

      ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ‌قَالَ ‌رَبِّ ‌ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا، وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99-100]

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.