حبل الله
هل هناك تقليل من شأن المرأة في الخطاب الديني؟

هل هناك تقليل من شأن المرأة في الخطاب الديني؟

السؤال: 

لماذا عندما ذكر الله تعالى امرأة نوح وامرأة لوط، قال (كانتا تحت عبدين من عبادنا) أليس هذا إجلال وتعظيم لعباده الرجال؟ أليست امتهاناً واضحاً للنساء؟ هل هن تحت عباد الله؟ ألسن مِن خلقه وعباده أيضاً؟
وعندما قال (وألفيا سيدها لدا الباب) جعل الرجل في القرآن سيداً، ولو قصد أنه عزيز مصر فلذلك سيد لقال سيدهما، فما المعنى؟ أين رأى أهل الإسلام العدل؟

من الذي ألَّه الرجل على المرأة؟ هل المجتمع؟ بالطبع لا، نحن ألصقنا كل عقدنا من الدين بالمجتمع إنكاراً منا لتمييز الإله وكرهه لنا، هذا المجتمع لم يأتِ بشيءٍ من عنده، فلا دخان بلا نار، كل شيءٍ له سبب، وبالتأكيد الأنثى ليست السبب فهي مخلوق ضعيف مظلوم، إنما هناك قوة كبيرة إلهية أرادت هذا، أرادت أن تعز الرجل وتذل المرأة.

في سورة التحريم في قصتها المعروفة واسى الله رسوله بآيات: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾ التحريم (4)

قال أنه هو مولاه وناصره ومعه جبريل وصالح المؤمنين والملائكة، وفيما بعد يقول أن لو طلقهن سيبدله خيراً، أليس هو مولى النساء أيضاً؟ من مع النساء إذا لم يكن؟
أليست هذه الحادثة (كما في رواية ماريا والعسل) وتشبيهه لزوجته بصواحب يوسف بسبب أحكام الله وبسبب تحليله للتعدد وملك اليمين وغيرها للمتعة كأنه لا يعلم شعور المرأة والثقل الذي سيصيبها من كونها مجرد جسد؟ أليس هو من جعل غيرتها أشبه بكفر؟
وقد ذكروا في التفاسير أن عليهن التوبة لأن قلوبهن مالت لمحبة ما كرهه الرسول؟ ماذا عن قلوبهن؟ أليس الرسول بزواجه من أكثر من واحدة وتسريه بما ملك من ملك اليمين قد مال قلبه لما تكره المرأة (زوجته)؟ إن لم يرحمنا الله في الدنيا والآخرة فمن سيفعل؟

وأيضاً أمر العدة بعد الطلاق وبعد وفاة الزوج، والزوج يستطيع الزواج حتى وزوجته حية وحتى لو كانت تُدفن بلا أي عائق شرعي؟ لماذا عليها أن تجلس في بيتها تختنق ٤ شهور و١٠ أيام بعد وفاة زوجها؟ ما هذا الفضل؟ وبعد الطلاق يذهب يتزوج مباشرة وهي تبقى شهور في عدة ظالمة؟

وحين أرى تساؤلات كثيرة من بنات على مواقع مثل (الإسلام سؤال وجواب) و (إسلام ويب) وأرى إجابات أهل السنة يقشعر بدني من كلامهم، وحين أقرأ فتاوى وتفاسير لمثل ابن باز وابن عثيمين والشعراوي وتفسيرات ابن كثير وغيرهم وفيديوهات عثمان الخميس وغيره من الشيوخ، تنتابني رغبة أن يا ليتني مت قبل هذا، يا ليتني لم أكن في هذا الوجود. فكيف يمكن تبرير كل هذا؟

الجواب:

لقد ذكرنا من قبل في كثير من المقالات والفتاوى أنه إذا استشكل علينا فهم آية من كتاب الله تعالى أن نعود لبيانها وفهمها لمتشابهاتها من الآيات – أي من داخل الكتاب وليس من خارجه – امتثالًا لقوله ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ القيامة (19) ﴿وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يونس (37)

وكل من ذكرتهم السائلة الكريمة واستشهدت بهم في تفسير القرآن بشكل عام أو تفسيرهم هنا للآيات سواء أكان من المواقع الدينية أو كتب المفسرين السابقين والمحدثين فلا تعبر ولا تنسب إلا إلى أصحابها مادامت لا تستند إلى دليل من كتاب الله تعالى، وكل منهم مسؤول عما يصدر منه:

﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ الإسراء (13)

فليس أولئك وهؤلاء ﴿وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ أن يكون حجة على كتاب الله تعالى وإنما ﴿فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾.

ونحن هنا لا نسيء إلى موقع أو مُفسر، فكلٌ له ما له، وعليه ما عليه، ولا نستطيع أن ننكر فضل بعض من الأولين وما استفاد منه المحدثون من فكرهم وتدبرهم، ولكننا في الوقت نفسه لا نعصم أكثرهم من الوقوع في الأخطاء الفادحة التي وصلت إلى الشرك وتصديق الافتراءات مصداقًا لقوله: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ يوسف (106) ولذا ندعو المؤمن لإعمال العقل بالتدبر والتفكر في كل قول يُنسب إلى الله تعالى وإلى رسوله – بما في ذلك موقعنا – وكما قيل على لسان نبي الله سليمان: ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ النّمل (27) وذلك بوضع كل ما يتلقاه المؤمن في الميزان الصحيح، ألا وهو ميزان القرآن نفسه الذي أنزل قيامًا لحياة الناس:

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ الحديد (25)

ولا ننجرف وراء فلان عن فلان مما افتري على الكتاب من تفسيرات واهية وتأويلات باطلة لئلا يلحقه الحسرة والندم قائلًا:

﴿يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ الفرقان (28: 29)

مقولة: لا دخان بلا نار

أما عن استشهادها بالمقولة الشهيرة أنه (لا دخان بلا نار) فالحق أن هذه المقولة في حد ذاتها ليست على إطلاقها؛ إذ أنه بالفعل هناك دخان بلا نار! فمن الناحية العلمية فإن التفاعلات الكيميائية وقنابل الغاز كلاهما دخان بلا نار، ومن الناحية العملية التي تقصدها السائلة الكريمة للتصديق على وجهة نظرها – بأن كل ما قيل عن المرأة من إساءة لم يأت من فراغ وبالتالي لا بد أن يكون له أساس صحيح من الدين – ولو سلمنا بصحة هذا القول فعلينا أن نحذف من معاجمنا واستخدامنا كل كلمات الكذب والتلفيق والتدليس والإفك والبهتان وتشويه السمعة والشائعات التي تشعل نار الفتن وتوقد الحروب وتُفسد العلاقات، فكم من بيوت خربت وأرحام قطعت بظنون حُملت! تحت شعار (لا دخان بلا نار).

وعند تصديق هذه المقولة فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا:

  • أين النار التي انبعث منها دخان قول الكافرين: ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾؟! ومن أين ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾؟! ومن أين انبعث دخان اتهام الرسل والأنبياء بالسحر والجنون والكذب؟! ﴿كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ الذاريات (52).

ومن هنا فالمؤمن لا ينبغي أن ينساق وراء كل ما يُقال ولا يصدر أحكامه على الظنون دون تبيُّن، فقد يرى الإنسان غيومًا أو سحبًا أو غبارًا يشبه الدخان فيظن أن وراءها نارًا مشتعلة وهي سراب: ﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاه حِسَابَهُ﴾ ، وقد أولى القرآن عناية كبيرة بهذا الأمر في كثير من آياته حين قال:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ…. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ الحجرات (6: 12)

فما بالنا إن كان هذا الفاسق يفتري الكذب على من أمرنا بالتبيُن وعدم اتباع الظن، وقد أخبرنا تعالى بسمات هذا الفاسق: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْل﴾ محمد (30) وبحكمه البعيد عن حكم ربه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ المائدة (47)

فالإثم هنا لا يقع فقط على الواضعين والمدلسين وإنما يأثم كذلك المتلقي الذي ألقى السمع إليهم: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ دون تبين مصداقًا لقوله تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ التوبة (47).

ولذا فإن هذه المقولة وغيرها تستلزم التفكر وليس التعجل وتدعو للبحث عن مصدر النار ومن أوقدها؟ وقد أنعم الله تعالى علينا بالفطرة والفهم كي نفرق بين نار توقد للخير والدفء يأتي المؤمن منها بشهاب قبس أو يجد عليها هدى، وبين نار توقد للشر دخانها يعمي القلب ويُذهب البصيرة، وإن لم يستطع المؤمن إخماد النار فعلى الأقل أن ينأى بنفسه بعيدًا عن دخانها امتثالًا لقوله:

﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ القصص (55)

فإن فعل فقد فتح نافذة الحق وأخرج الأدخنة السامة التي تضيق صدره وتعيق جهوده مصداقًا لقوله:

﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ، كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ الأنعام (125)

ورفض السائلة الكريمة لهذا الدخان السام هو من أكبر الأدلة على أن فطرتها تأبى الظلم – فما ظنها بمن فطرها وأمرها بأن تقيم فطرتها:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا، فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ الرّوم (30).

وألفيا سيدها لدى الباب

والآن لنتدبر في الآيات موطن الشاهد حتى يتبين لنا حقيقة الأمر:

  • فما يتعلق بتسمية الزوج بالسيد في سورة يوسف وقد تحدثنا في سؤال سابق عن الفرق بين الخطاب بلفظ البعل والزوج والسيد يرجى الاطلاع عليه.

أما عن سؤالها لماذا جاء التعبير بقوله ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا…﴾ يوسف (25) ولم يأتِ بـ (سيدهما) ليعود الضمير كذلك على يوسف الذي كان معها؟ وهل المقصود هنا احتقار الزوجة؟

  • فالجواب يكمن في الموقف نفسه الذي وضعت فيه المرأة نفسها، إذ أن الحوار هنا لا يتعلق بخطاب فيه ندية بين مجرد زوجين، وإنما يتعلق بامرأة متزوجة خائنة تراود فتاها عن نفسه، وشتان ما بين الاثنين!
  • ولو نظرنا إلى قول هذا الفتى عندما راودته فسوف نرى أنه عبر بلفظ أكبر وأعظم من لفظ السيد حين قال (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) ولقب الرب أعلى من السيد، فلم ينسَ معروفه حين اشتراه غلامًا وقال ﴿لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ يوسف (21) فحفظ له الإكرام وقابل البنوة بالإحسان ولم يقابله بالخيانة والنكران.
  • ولا ننسى أن هذه المرأة في الأساس هي أيضًا سيدة هذا الفتى الذي بيع أسيرًا ولكنها بخيانتها هذا السيد وتغلب الشيطان عليها قد استعبدت نفسها له ولرغباتها وهي من جعلت نفسها في موضع تنأى عنه امرأة في مكانتها فضلا عن قبح الفعل لبقية النساء فاستحقت نزع لقب السيادة منها فقيل عنها (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) ولم يقل (راودته سيدته)!
  • كما أن دقة التعبير بلفظ (سيدها) لإبراز مكانة الزوج كسيد لتسلط الضوء على مدى قبح وشناعة التجرؤ على أهله:

﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يوسف (25)

  • كما أن هذا السيد وعلى الرغم من وضوح الدلائل على براءة الفتى وصدقه وأمانته وثبوت التهمة عليها بشهادة الشاهد الذي هو (من أهلها) قد تجاهل الأمر وذلك (لضعف موقف الفتى وسطوة وكيد المرأة ومكانة هذا السيد) فقال له ولها: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ يوسف (29) ولكنها أبت الاستغفار وأصرت على الاستكبار حتى تنال ما ابتغت وله قد تهيأت، فاستمرت في كيدها بدعوة النسوة اللاتي سمعت بمكرهن حتى تبرر لنفسها فعلتها – وكأن جمال الفتى يصح دافعًا أو عذرًا للخيانة وارتكاب الفواحش – ولمّا حصل لها ما أرادات وشهدت النسوة بما لاقى هواها هددته إما بالخضوع للذنب أو غيابات السجن: ﴿قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ يوسف (32)
  • ولكن الفتى الطاهر المخلص لرب العالمين ولربه/سيده الذي رباه في بيته قد فضَّل السجن على أن ينجرف وراء الشهوات لها ولمن برر لها فعلتها فــ ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ يوسف (33).
  • وأطاع السيد امرأته وألقى به في السجن: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ﴾ يوسف (35).

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل مثل هذه المرأة هي موضع افتخار أم احتقار؟ وكيف لفت انتباهنا أنه (سيدها) وهو بالفعل كان كذلك لمكانته كعزيز مصر وغضضنا الطرف عن فعلتها التي فعلت؟! فــأي الفعلين أولى بالملاحظة ؟!

هذا ما يحدث دائمًا عندما نتجاهل النص القرآني ودقته في التعبير وننظر إليه بمنظور الفكر الجاهلي لأكثر الروايات المفتريات التي تُقولت على لسان النبي كرواية (صواحب يوسف) التي تزعم أن عائشة قالت: “لما مرض رسول الله في مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة فأذن فقال: “مروا أبا بكر فليصل بالناس” فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف -حزين خافت الصوت- إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس وأعاد قوله فأعادوا له، فأعاد الثالثة قال: “إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصلي بالناس” (أخرجه البخاري).
والمتفكر للحظة في الرواية وحتى في الأعذار التي ساقها أكثر الفقهاء لتبريرها – حين قالوا أن النبي قصد بهذا التشبيه أن زوجته أظهرت خلاف الباطن – لأدرك افتراءها وتناقضها لوجوه كثيرة:

  • إن العبارة اتهام صريح بتشبيه النبي زوجته بامرأة أرادت ارتكاب فاحشة تحت مبرر (أنها أظهرت خلاف ما في الباطن)! ووالله إن عذرهم أقبح من ذنبهم حين افتروا على رسول بأنه يعمم القول ويشبه زوجته وكل النساء بهذا التشبيه الذي ينأى عنه رجل حكيم وصف بالخلق العظيم.
  • وكان الأولى بالنبي – لو صح ما فعلته زوج النبي وأراد تشبيه فعلها – أن يشبهها بفعل النبي يوسف حين لجأ إلى الكيد الحسن وأظهر خلاف ما أبطن باتهام أخيه بالسرقة للإبقاء عليه عنده: ﴿كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ يوسف (76) بدلًا من التشبيه الذي ينأى عنه أي رجل عاقل فضلا أن يكون نبيًا رسولًا.
  • كذلك إن عبارة (صواحب يوسف) فيها إساءة للنبي يوسف، إذ أنها كما تشير إلى النساء فكذلك تشير إلى من اتخذ الصاحبات، ففيها اتهام له باتخاذهن، والحق أنه لم تكن له صاحبة بالسوء حتى يقول النبي الكريم عنه حاشاه (صواحب يوسف)!
  • فكيف يُعقل أن يُنزل الله تعالى في كتابه: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ… . إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ الأحزاب (32: 33) ثم يأتي هذا النبي والزوج نفسه ويشبه نساءه بصواحب يوسف ويلصق بهن ما يُسيء إلى هذا التطهير وإلى سمعة النبي الأمين يوسف؟! فــــ ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾؟!

وهنا ملاحظة تجدر الإشارة إليها، وهي أن الفكر الجاهلي الذكوري لم يتوقف على الافتراء على النبي الكريم، بل وصل بهم الأمر إلى تحريف الخطاب القرآني الموجّه إلى امرأة العزيز ومن عاونّها في غلق الأبواب إلى خطاب شامل لكل النساء، حين عمموا القول: (إن كيدهن عظيم) وكأن الخطاب موجه لكل نساء الأرض! في حين أن الخطاب القرآني قال ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ يوسف (28) وليس (إن كيدهن عظيم)!

كانتا تحت عبدين من عبادنا

  • ويتكرر الأمر بشكل آخر في قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ التحريم (10).

والسائلة الكريمة تظن أن عبارة (تحت عبدين) تحمل معنى المذلة والإهانة بل وتأله الرجل على حساب المرأة!

  • والحق أنه على الرغم من رفعة مكانة المؤمن ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ المجادلة (11) وأن هذين العبدين أعلى مكانة لإيمانهما وليس لأنهما رجلين.

ولكن معنى التحتية في الآية هنا (تَحْتَ عَبْدَيْنِ) ليست مضادًا للفوقية ولا تعني انحطاطًا في مقابل الرفعة، وإنما تعني أن المرأتين كانتا تحت مسؤولية وقوامة هذين العبدين حيث يتوجب عليهما حمايتهما وحفظهما والإنفاق عليهما في الدنيا رغم كفرهما، أما يوم القيامة فستزول تلك الحماية ولن ينفعهما أو يحفظهما من العذاب كون الزوج نبيًا أو عبدًا صالحًا، وذلك بدليل بقية الآية نفسها حين قال: ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ أي أن صلاح العبد لن يكون يغفر كفر من يعولهم.

  • فعندما أراد تعالى وصف التحتية بالمذلة والإهانة ذكرها صراحة حين أعقبها بالأسفلية – بالمناسبة: جاء بلفظ التذكير وليس التأنيث – في قوله ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾ فصّلت (29) فلم تذكر الآية موطن الشاهد أن هاتين المرأتين كانتا تحت أقدام أو تحت نعلين وإنما كانتا (تَحْتَ عَبْدَيْنِ)
  • ولو كان المقصود تكريم الزوجين على حساب المرأتين لكونهما رجلين لما قال (عَبْدَيْنِ) على الرغم من كونهما رسولين كريمين، ولكنه جاء التعبير بصيغة النكرة حتى يكون المعنى أن هاتين المرأتين وعلى الرغم من وجودهما تحت مظلة هذين العبدين الصالحين إلا أنهما خانتاهما بالكفر ليشمل المعنى كل الحالات التي تنطبق عليها نفس الحالة.
  • فلماذا أعطينا كلمة (تحت) أنها عبودية لما أسميناه (الإله الرجل) على الرغم من استخدامنا للقالب نفسه في واقعنا بمعنى تحت المسؤولية وذلك كقولنا (تحت إشراف الطبيب، وتحت التجربة، وتحت الضوء، تحت الحماية، تحت راية الشركة، تحت طائلة القانون، تحت رحمة الله) فلماذا عندما استخدمها القرآن تحت قوامة ورعاية (عبدين) حُملت على معنى تحتية المذلة والإهانة وجعلنا هذين الرجلين آلهة من دون الله يعبدون؟!

وكيف دافعنا عن امرأتين خانتا بالكفر ولفت انتباهنا أنهما كانتا (تَحْتَ عَبْدَيْنِ) ولم يلفت انتباهنا وغضضنا الطرف عن بقية السياق بعده في الحديث بالتكريم والعفة عن امرأتين صالحتين في آيتين منفصلتين؟

  • فالأولى امرأة بنى لها ربها بيتا في الجنة ونزع عن زوجها لقب الملك أو السيد – وهو الذي كان له ملك مصر – فقال فيها ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ التحريم (11)
  • والمرأة الثانية التي ضربت مثالًا للعفة والطهر والنقاء واصطفيت على نساء العالمين: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ التحريم (12)

فلماذا غضننا الطرف عن التكريم وألقينا باللوم على وصف المرأتين بأنهما تحت عبدين!.

  • أليس هذا ما يحدث في الواقع، ألا توصف الخيانة بأبشع الأوصاف أم يُشار إليها بالرفعة والعفاف؟! ألا تُكرم النساء الفضليات وتتوج على رؤوس الأشراف! فهل تستوي المرأة ذات الخُلق والحياء بمن خانت ربها وزوجها بالزنا أو الكفر؟! ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾؟!

أما بالنسبة لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ…﴾ التحريم (1) فلا جرم أن من افترى على النبي مقولة السوء (صواحب يوسف) فإنه يفتري عليه رواية العسل والتسري بالجارية وسبب زواجه من مطلقة زيد وغيرها، وقد تم الرد عليها سابقًا بالأدلة من كتاب الله تعالى في فتوى عنوانها: الروايات التي تخوض في علاقة النبي الكريم بأهل بيته

ولاية الله لرسوله وللمؤمنين

وأما عن السؤال عن ولايته تعالى لرسوله وإبداله بأزواج أخر في قوله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا، وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ. عَسَىٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ التحريم (4: 5)

وقبل الرد نتساءل:

  • ما الداعي لتنزيل مثل هذه الآيات التي تتحدث عن شكل العلاقة الأسرية في حياة النبي كرجل؟ ألم ينتهِ عصر النبوة؟ فهل ذُكرت لبيان فضل النبي؟! أليس هذا الفضل معلومًا بالضرورة وهو من البديهيات المترتبة على اصطفائه كنبي ورسول؟ أم أنها ذكرت لحكمة؟
  • إن كان إفشاء السر فعلًا مذمومًا، فهل عندما تُفشي زوجة الملك أو الرئيس سرًا له تتساوى ببقية النساء اللاتي يفشين سر أزواجهن؟! هل سر الحاكم ومسؤولي الدولة كمثل سر فرد من عامة الشعب؟!

ألم تتخذ الدول المواثيق والقوانين لمنع إفشاء أسرارها ؟ وهل تتساوى بغيرها من الأسرار الزوجية وبين الأصدقاء؟! فما بال إن أفشي سرًا للحاكم والقائد والرسول النبي؟!

  • ألا يُعاقب هذا الحاكم والقائد إن أخطأ في حق شعبه وتطبق عليه القوانين ذاتها؟ أم أنه فوق القانون؟
  • وكذلك نتساءل، هل كل النساء يتصفن بقلة الحيلة والضعف أمام أزواجهن؟ ألا يوجد في الواقع المحيط بنا بعض النساء المتجبرات على الرغم من لين أزواجهن؟ مثلهن في ذلك كالرجال تمامًا، فمنهن الصالحات ومنهن دون ذلك.
  • وهل جاء التوعد بالتبديل لكل نساء النبي في هذه الحادثة؟!

كل هذه التساؤلات وأكثر يجيب عليها سبحانه وتعالى في كتابه حين قال: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ، فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَٰذَا، قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ التحريم (3)

  • فالآية تقول أن هناك سرًا ولكنها لم تشر إليه من قريب أو بعيد، وبالتالي فلا يحل لنا بأي حال من الأحوال أن ندخل أيدينا في جيوبنا ونخرج سرًا من عند أنفسنا ونتقوله على الله تعالى وعلى نبيه، وليس لنا الحق في البحث عما سكت عنه كلام الله تعالى لندعي زورًا أن السر أفشي بسبب التعدد وملك اليمين أو أنها غيرة بين النساء بسبب حب للنبي، فالحب والغيرة ليس مبررًا لإفشاء الأسرار والتظاهر ضد ولي الأمر (النبي).

وخاصة أنه تعالى قد فتح لهن بابًا للخلاص بالطلاق والتسريح الجميل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ الأحزاب (28)

فمن اخترن البقاء مع النبي فقد فعلن ذلك بمحض إرادتهن الحرة بلا إكراه أو إجبار.

  • كذلك فإن قوله تعالى (تتوبا) جاء بصيغة المثنى ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ…﴾ التحريم (4) وهذا يدل على أن الخطاب كان موجها لهما دون غيرهما من أزواج النبي وليس لهن كلهن، فمن أخطأت منهن فعليهن تحمل تبعاته.
  • إن كان قوله تعالى ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾ يدل على ولايته لنبيه – وهو حق لا شبهة فيه – لكنه لا ينفي ولايته تعالى لبقية أزواج النبي المؤمنات بدليل قوله: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ الأعراف (196)
  • كما لا ينفي انتزاع هذه الولاية من النبي نفسه إن خالف أمر ربه وهو الذي توعده في قوله: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ الحاقة (44: 47)
  • فالله تعالى هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين مادام مطيعًا لربه متبعًا أوامره، أما إذا عصى واتبع غير سبيله فقال له في كثير من الآيات:

﴿وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾ الرعد (37)

فنفى تعالى عنه الولاية والوقاية والنصرة إن اتبع أهواء الناس:

﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ البقرة (120)

ولم يفرق الله تعالى بينه وبين بقية عباده أو نسائه بل إن له الضعف في عذاب الدنيا والآخرة إن حاد عن الحق:

﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا. إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ الإسراء (75)

  • ألم يتول الله تعالى النساء حين سمع شكوى امرأة ظلمت حين ظاهر منها زوجها وأساء إليها فأنزل جل جلاله سورة تحمل اسم مجادلتها وشكواها ومحاورتها لتدل على ولايته سبحانه لها ولكل امرأة في مكانها:

﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ المجادلة (1)

فظهار الرجل من زوجته فيه من الاستقواء عليها بمنعها حقها في فراش الزوجية فكان جزاؤه من جنس عمله بأن لا يمسها قبل الكفارة ووصف من يخالفون أمره بالكافرين:

﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا… ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ المجادلة (4)

وشبه من يظلمهن بأنه يحادد الله ورسوله وتوعدهم بالعذاب الأليم والمهين:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ المجادلة (5).

فالتظاهر يعني الاستقواء وقد تظاهرت زوجتا النبي عليه واستقويتا ببعضهما واستغلتا رحمته ولينه ورأفته معهما، فأعطى الله تعالى لهما فرصة للتوبة قبل الطلاق وإبداله تعالى بمن يتصفن بأنهن ﴿مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ فالهدف من الإبدال ليس من تفوق في الحسن والجمال، وإنما بالتقوى والصلاح لتكون نساء النبي عونًا له وليس عونًا عليه بإفشاء السر والتظاهر عليه، ويكفيه ما يلاقيه في سبيل الدعوة من الأذى والظلم والاتهامات والتظاهر عليه بالإثم والعدوان ونار الحروب ونقض العهود.

  • كما أن التبديل في كتاب الله تعالى ليس في النساء فقط وإنما يشمل كل مناحي الحياة، فمن آمن وعمل صالحًا فيبدله بالولد أو الزوج – رجلًا كان أو امرأة – أو العمل أو البيت أو المال أو الصديق، فقال تعالى عن الولد:

﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ الكهف (81)

وقال في الرزق:

﴿عَسَىٰ رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ القلم (32)

وقال في استبدال الأقوام:

﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ محمد (38)

أمر الله تعالى في العدة

أما بالنسبة لأمره تعالى بالعدة على المرأة، ففيه حماية لها من الانسياق وراء مشاعر الفقد سواء بطلاق الزوج أو وفاته، فإن كان الزوج طيبًا أو كان قاسيًا ففي فترة العدة تستعيد المرأة نفسها وتطيب جراحها لأن عاطفتها أقوى من الرجل، ولو لم تكن العدة لصارت فريسة سهلة لكل شارد ووارد يطمع فيها لطلاقها أو لموت زوجها، ولو أرادت الزواج مرة أخرى فتكون عن تروي وتأني، ولا ننسى أن المجتمع الظالم أهله يحكم على المرأة المطلقة بأحكام قاسية فأراد تعالى أن يعصمها من التعجل كي لا تحسب عليها طلاقًا آخر في فترة قصيرة، وهذا ما نراه في واقعنا من الخيبة التي تلحق المتعجلين في أمور الزواج وتضطر المرأة بقبول الاستمرار في حياة لا ترضيها حتى لا تتطلق للمرة الثانية.

ومسألة أن تحبس المرأة في بيتها خلال فترة العدة، فهذا مما لم ينزل به الله من سلطان، وحكمه تعالى هو التربص بمعنى عدم الزواج لا غير:

﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ البقرة (234)

وللمزيد حول العدة ينصح بالاطلاع الفتوى التالية:

هل يجب على المتوفى عنها زوجها عدم الخروج من بيت الزوجية فترة العدة؟

وختاما:

إن رحمته تعالى وسعت كل شيء، وهذا هو دعاء أبينا آدم وزوجه:

﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الأعراف (23)

ولا ينبغي لأحد أن يقنت من رحمته التي كتبها على نفسه لعباده:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر (53).

الباحثة: شيماء أبو زيد

التعليقات

  • صدق الله وكذب المفترون مقال رائع جزاكم الله عنا كل خير
    للاسف مادام المسلمون يقرؤون كلام الله بفهم المفسرين سيؤدي إلى التشكيك فيه سبحانه آن الأوان ان نقرأه على مهل وان نتبع قرآنه كما امر ربنا

  • روعة روعة. سبحان الله من حكمه كل ايه. شرحك سلس و منطقي و لا يمل منه. الواحد يعرف يستمتع بالمعاني الالهيه الراقيه. ربنا يزيدك من علمه. و أنا لا ألوم السائلة لان فعلا التفسيرات الفاسده هدفها تكفير النساء و تكريها لله و للدين. لان المرأة هي اساس كل بيت و هي تسيطر علي عقل كل الأجيال القادمة. فان فسدت عقيده المرأة فسد العالم بأكمله. و الجزء التاني هي تأييد الرجال علي الاستكبار و الغرور و الظلم و عباده السلطه و التعنيف، النتيجه هي ضمان كامل لكل فرد في المجتمع. عمل الشيطان. ربنا يهدينا جميعاً.

  • ما شاء الله، مقال وإجابات موفَّقة.

    بالنسبة للعدة، سواء في الطلاق أو الوفاة، فإن أغلب المفسرين يقولون إنها لمعرفة ما إذا كانت المرأة حاملاً أم لا.
    غير أن معرفة الحمل من عدمه تظهر عادة بعد مرور شهر واحد، فإذا حاضت المرأة دلّ ذلك على عدم وجود حمل، فلماذا إذًا الانتظار ثلاثة أشهر للمطلقة، وأربعة أشهر وعشرة أيام للأرملة؟

    بحثت كثيرًا عن إجابة منطقية فلم أجد، وربما السبب مجهول.

    لكن في يوم من الأيام كنت أشاهد مقطعًا يتحدث عن بعض الأمراض الخاصة بالنساء والحمل، فخطر في بالي تفسير ربما يكون صحيحًا، وهو أن بعض حالات الحمل قد يصاحبها نزيف أو خروج دم يشبه دم الحيض، فتظن المرأة أنه حيض بينما هو في الحقيقة عرض من أعراض الحمل.

    لذلك كان من الأحوط الانتظار أكثر من شهر حتى يتبين الأمر بوضوح.

    وقد حدث ذلك فعلًا مع صديقة لي، إذ كانت تنزف ثم تفاجأت بأنها حامل.

    وهناك سبب آخر محتمل، وهو أنه لو أن امرأة أخفت حملها وقت الطلاق أو الوفاة، فإن مدة العدة (ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعشرة أيام) كفيلة بكشف كذبها.

    فلو فرضنا أنها علمت بحملها حين الطلاق أو الوفاة وكتمت ذلك، ثم تزوجت من رجل آخر، فسيُحسب عندئذٍ عدد أشهر الحمل التي تتراوح عادة بين تسعة أشهر — وهو الطبيعي — أو سبعة أشهر في أقل تقدير.

    وعندها سيتضح أنها لم تكمل مدة الحمل المعروفة، وهذا من حكمة الله في حفظ الأنساب ومنع اختلاطها.

    هذا تدبّري المتواضع، والله أعلم، لكن أحببت أن أشارككم هذه الفكرة.

    وفقكم الله وسدّد خطاكم

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.