السؤال:
هل مساعدة المحتاجين واجبة في الإسلام؟ أم يترك الأمر لقرار الفرد على اعتبار الإنسان حر بماله؟
الجواب:
إن مساعدة الآخرين ودعم المحتاجين هي بلا شك علامة على كون الإنسان صالحًا. إلا أن الإسلام لا يترك الصدقة كخيار للفرد المسلم، إذ يؤكد على أن المساواة الاجتماعية لا تتحقق إلا إذا اهتم الناس ببعضهم البعض.
تُعتبر مساعدة المحتاجين ورعايتهم في الإسلام تعبيرًا عن الإيمان؛ ولذلك لا ينبغي النظر إلى القيام بالأعمال الخيرية على أنه مجرد خيار شخصي. فهناك قيم أساسية قوية للعدالة الاجتماعية في الإسلام مثل الزكاة والصدقة.
الزكاة هي أحد أركان الإسلام المهمة، وهي عبادة أساسية تقوم على إعطاء جزء من المال للمحتاجين، أما الصدقة فهي العطاء التطوعي الذي يُقدَّم بنية مساعدة الآخرين وابتغاء مرضاة الله تعالى. وعلى خلاف الزكاة التي هي واجبة ولها أحكام محددة، فإن الصدقة تطوعية تمامًا ويمكن تقديمها في أي وقت وبأي مقدار. هذه المبادئ الأخلاقية تهدف إلى حفظ كرامة الإنسان المحتاج، والتخفيف من الفقر، وضمان دوران المال داخل المجتمع.
والقرآن الكريم يؤكد بقوة على أهمية مساعدة المحتاجين ويجعلها جانبًا أساسيًا من أخلاقيات الإسلام. ولذلك، فإن إحسان المسلم وكرمه تجاه المحتاجين مرتبط مباشرة ليس فقط بكونه إنسانًا صالحًا، بل أيضًا بامتثال أمر القرآن، الذي يولي عناية خاصة للفئات الضعيفة — مثل الفقراء، والأيتام، والمظلومين، وأصحاب الشدائد — باعتبار رعايتهم واجبًا أساسيًا.
آيات قرآنية حول مساعدة المحتاجين:
_ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة 110)
في هذه الآية، ذُكرت الزكاة — وهي نسبة محددة من المال تُعطى للمحتاجين — مقرونة بالصلاة، مما يوضح أهميتها كركن من أركان الإسلام.
_ ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ، وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة 274)
تبرز هذه الآية قيمة الإنفاق بسخاء، وتشجع المسلمين على إعطاء الزكاة الواجبة والصدقة التطوعية، سواء في السر أو العلن.
_ ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (الماعون 1–3)
تنكر هذه السورة على من يهمل أو يسيء معاملة المحتاجين، وتربط الرحمة بالآخرين بالإيمان بالله تعالى، حيث يُعدّ إهمال الفقراء إنكارًا للمسؤولية أمام الله تعالى.
_ ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾ (النساء 75)
تدعو هذه الآية المؤمنين إلى اتخاذ موقف فعّال في دعم ونصرة المظلومين والمستضعفين، معتبرة ذلك قضية نبيلة وضرورية.
_ ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (التوبة 103)
تبين هذه الآية أن الصدقة تطهّر مال المُعطي وقلبه، مما يبرز البعد الروحي لمساعدة الآخرين.
الخلاصة:
إن التأكيد على الكرم والمسؤولية الاجتماعية والعدالة متجذر بعمق في تعاليم الإسلام، مما يجعل مساعدة المحتاجين واجبًا أخلاقيًا وروحيًا في آن واحد. فالقرآن يربط هذا الواجب بالإيمان والمحاسبة والتزكية الشخصية، ويؤكد أن المؤمن الحق لا يمكن أن يقف مكتوف اليدين أمام معاناة الآخرين.
*وللمزيد حول دور الصدقة في حفظ التوزان الاقتصادي في المجتمع انظر المقالتين التاليتين:


أضف تعليقا