حبل الله
هل بلّغ جميع رسل الله نفس الأمور؟

هل بلّغ جميع رسل الله نفس الأمور؟

السؤال:

هل بلّغ جميع رسل الله نفس الأمور؟ وهل تُعد الوحدة بين الشرائع هي الأصل في هذا السياق؟

الجواب:

الاعتقاد السائد في  التراث التقليدي هو أن كل الممارسات الدينية قد بدأت مع محمد ﷺ، أي منذ أن أوتي النبوة ابتداءً من سنة 610 ميلادية.

وقد أدى هذا القبول إلى ميلٍ داخل الأمة لإعلان ما قبل ذلك التاريخ كفترة مظلمة بالكامل، حيث نُسبت إلى مجتمع مكة العديد من الصفات السيئة والممارسات الخاطئة التي لا تخطر على البال.

لقد ترتب على هذا التصوّر – الذي يعتبر أن ما قبل عام 610م لا قيمة له أو ملوث بالكامل، وأن كل شيء بدأ من جديد منذ ذلك الحين – ترتب عليه آثار سلبية في ميدان “فهم الدين” و”تطبيقه”.

لكن تم التأكيد في العديد من الآيات على وجود الاستمرارية والوحدة في الشريعة. وكما ورد في آيات متعددة، فإن محمداً ﷺ لم يكن أول نبي يُرسل. ففي إحدى الآيات مثلاً، يُذكر أنه ليس أول الرسل:

﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأحقاف: 9] 

وتُعدّ الآية التالية من الآيات المهمّة التي تبرز القواسم المشتركة بين ما شُرّع لرسولنا الكريم وما شُرّع للأنبياء قبله:

﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ‌مَا ‌وَصَّى ‌بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13] 

وكما ورد في آيات أخرى متعددة، فإن هذه الآية تُشير بوضوح إلى الاشتراك بين ما شُرّع لرسول الله في الدين، وما شُرّع للأنبياء قبله.

إن دين الله يحتوي على جوهرٍ لا يتغير بتغيّر الزمان أو المكان، بل يبقى ثابتًا دائمًا. فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هما جزء من هذا الجوهر. وتُظهر العديد من آيات القرآن أن الصلاة والزكاة قد فُرضتا على جميع الأمم.

ورغم أن هذا الأمر قد ورد في المصادر التقليدية بعبارات مختلفة، إلا أن التصور القائل بأن كل شيء بدأ مع آخر شريعة في عام 610 ميلادي، قد ألقى بظلاله على هذه الحقيقة.

إن فكرة أنه لا توجد معلومات عن كيفية أداء العبادات، وعلى رأسها الصلاة في مكة وما حولها خلال تلك الفترة، أصبحت الدليل الوحيد لأولئك الذين يرون أن القرآن وحده غير كافٍ، ويعتقدون بوجود علاقة تخصيص وتقييد ونسخ وتشريع بين القرآن والسنّة.

لا تكاد توجد مناقشة أو دراسة واحدة حول علاقة القرآن بالسنّة، إلا ويتم فيها ترديد الجملة المحفوظة – والبعيدة كل البعد عن الحقائق القرآنية والتاريخية – القائلة: “لولا السنة، كيف كنا سنعرف كيفية أداء الصلاة؟”

كل كتابٍ إلهي صدَّق الكتب الإلهية التي سبقته، مع نسخ الكثير مما فيها بشكل مماثل، ولهذا، كان الأنبياء مكلَّفين باتباع الشريعة التي سبقتهم، ما لم يكن هناك نسخٌ بما هو خير منها. وقد أُمِر رسول الله ﷺ بذلك أيضًا في قوله:

﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ‌اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90] 

وفي الآيات السابقة لهذه الآية، من الآية 83 إلى الآية 86، يتم ذكر أسماء ثمانية عشر نبيًا، وهم: إبراهيم، إسحاق، يعقوب، نوح، داوود، سليمان، أيوب، يوسف، موسى، هارون، زكريا، يحيى، عيسى، إلياس، إسماعيل، اليسع، يونس، لوط.

وفي الآية 87، يتم الإشارة إلى جميع الأنبياء الذين لم تُذكر أسماؤهم، بقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام: 87] ثم في الآية 89، يُخبر أنهم جميعًا قد أوتوا الكتاب والحكمة والنبوة. ثم تأتي الآية 90، حيث يُؤمر رسول الله ﷺ باتباع طريق هؤلاء.

في الآيات التي تتوجّه إلى أهل الكتاب يُشار إلى أن ما أوحي إلى رسول الله ﷺ موجود كذلك في الكتب السابقة، ويُطلب من أهل الكتاب أن يعملوا بما في كتبهم.

كما يتم التأكيد على أن رسول الله ﷺ هو بنفسه “مُصدّق” (أي: مُقِرّ ومُوافق) على ما بين يديه من الكتب السابقة، وأن ما أُنزل عليه كذلك “مُصدّق” لها.

وبالفعل، فإن الكلمة المنسوبة إلى عيسى عليه السلام (التي قالها ردا على من زعم أنه يخالف شريعة التوراة) تتوافق مع هذا المعنى:

«لا تظنوا أني جئتُ لأبطل الشريعة أو أقوال الأنبياء، لم آتِ لأبطل بل لأُكمّل» (متى 5/17)

إن الأمر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بأن يلتزم بأحكام الشريعة السابقة فيما لم يأتِ فيه حكم جديد يُظهر تكامل الشريعة. فقد صدّق القرآن الكريم الكتب السماوية السابقة في معظم أحكامها أي نسخها بمثلها، ونسخ جزءًا يسيرا منها بما هو خير وأفضل. وبناءً على ذلك، فإن محتوى القرآن لم يكن يتكوّن كليًا من أمور جديدة وغير معروفة للناس الذين نزل فيهم، بل كان يذكّرهم بما يعرفونه [المدثر: 54]  ويكشف ويبيّن ما تم إخفاءه وما اختُلف فيه [النحل: 64]  ويُقرّ (يصدق) القسم الأكبر من الأحكام الموجودة في الكتب السماوية السابقة [الأنعام: 92]  ويغيّر (ينسخ) بعضها بما هو أنفع للناس [البقرة: 106].

الباحث: د. فاتح أوروم

الترجمة والتدقيق: د. جمال نجم

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات التالية:

وحدة الأديان السماوية

معنى النسخ في القرآن الكريم

مفهوم التبيين في القرآن الكريم

كيف يصدق القرآن الكتب السابقة

موقف القرآن من الكتب السابقة

تعليق واحد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.