حبل الله
هل الاكتئاب يعني البعد عن الله تعالى؟

هل الاكتئاب يعني البعد عن الله تعالى؟

السؤال:

أعاني مؤخراً من نوبات اكتئاب شديدة جداً، لدرجة أتمنى الموت اليوم قبل الغد سؤالي: هل الاكتئاب وهمٌ أم حقيقة؟ وهل هو ابتلاء مثله مثل الأمراض الجسدية؟ وماذا عمّن يقول أنه ابتعاد عن الله وقلة إيمان؟ وأيضًا هل ابتلى الله به أحد الأنبياء من قبل؟ وما الحل من وجهة نظركم؟ فأنا أواظب على العلاج ورغم هذا أعاني منه، أرشدوني من فضلكم، وجزاكم الله خير الجزاء

الجواب:

من الطبيعي أن يمرّ الإنسان بمشاعر حزن أو ضيق، لأن الدنيا دار إبلاء ومحن وليست دار نعيم مقيم، فالاكتئاب ليس وهمًا أبدًا، بل هو حالة مرضية حقيقية مثل أي مرض في الجسم، يحدث بسبب عوامل مختلفة: تغيّر في كيمياء الدماغ، ضغوط نفسية، أحداث مؤلمة، الإرهاق، أو حتى أسباب وراثية. لذلك فوجوده لا يعني أن الإنسان ضعيف أو قليل الإيمان.

هل هو ابتلاء مثل الأمراض الجسدية؟

نعم، هو نوع من الابتلاء مثل باقي الأمراض. فالله تعالى يبتلي الناس بالأمراض الجسدية كالصداع والحمّى، ويبتلي بعضهم بأمراض نفسية مثل القلق والاكتئاب. وكلاهما يحتاج إلى علاج واهتمام.

هل الاكتئاب ينتج عن الابتعاد عن الله تعالى أو قلة الإيمان؟

كلا. هذا الكلام غير صحيح علميًا ولا دينيًا. هناك أناس قلوبهم مليئة بالإيمان، ويصلّون ويقرأون القرآن، ومع ذلك يصابون بالاكتئاب. المرض النفسي لا علاقة له بقوة الإيمان، تمامًا مثلما لا يُقال أن مريض السكري أو الربو “إيمانه ضعيف”.

نبينا الكريم لم يربط المرض النفسي بقلة الإيمان، بل كان يقول: “تداووا عباد الله”[1]
أي اطلبوا العلاج، لأن المرض جزء من طبيعة الحياة.

هل ابتُلي به الأنبياء؟

الأنبياء عانوا من الحزن الشديد والضيق، وهذا يطمئن الإنسان أن المشاعر الصعبة ليست خطيئة.
فقد جاء في حق يعقوب عليه السلام:

﴿وَابْيَضَّتْ ‌عَيْنَاهُ ‌مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84]

وعن أيوب عليه السلام :

﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي ‌مَسَّنِيَ ‌الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83] 

هذا يدل أن القلب الحزين ليس بعيدًا عن الله، بل هو أقرب إليه.

وعن مريم عليها السلام:

﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي ‌مِتُّ ‌قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: 23] 

وماذا عن قول السائلة “أتمنى الموت”؟

هذه الجملة تدل أنها متألمة جدًا، وليست تريد أذى لنفسها، بل تريد أن تتوقف المعاناة. كما كان الحال مع مريم عليها السلام. وهذا شيء يحتاج عطفًا واحتواءً وليس لومًا. لكن من المهم أن تعرف أن هذه المشاعر لا يجب أن تبقى صامتة، بل تتحدث عنها مع شخص تثق به كالأم أو الأخت أو الطبيب.

الحلول التي تطمئنها

  1. الاستمرار في العلاج: أحيانًا يحتاج العلاج وقتًا حتى يظهر تحسّن واضح.
  2. عدم لوم نفسها: كونها تشعر بالاكتئاب لا يعني أنها ضعيفة أو مقصّرة.
  3. الحديث مع الآخرين: مشاركة الألم _مع من تثق بهم_ تُخفّف كثيرًا.
  4. الراحة والتنظيم: النوم الجيد، والغذاء الصحي، وتنظيم الوقت بما يخدم الانجاز، كلها تساعد الدماغ على التحسّن والتغلب على القلق والتوتر والخروج من الاكتئاب.
  5. الدعاء والصلاة: يعطيان قوة روحية تُطمئن القلب وتساعد في الشفاء.
  6. التعامل مع النوبات كأمواج: تأتي وتمضي، ولا تبقى على نفس القوة.

رسالة أخيرة للسائلة

الاكتئاب لا يعني أنك أقل من غيرك إيمانا، ولا أنه خطأ منك، ولا أنه عقوبة. بل هو مرض يمكن علاجه، ومع الوقت والدعم سترجعين أقوى مما كنتِ.
والشيء الجميل أنك تأخذين بالأسباب وتعالجين نفسك، وهذا يدل على قوة وليس ضعف.

الخلاصة:

  • الاكتئاب حالة مرضية، له أساس طبي.
  • الاكتئاب ليس مرتبطًا بقلة الإيمان.
  • يشبه الابتلاءات التي أصابت الأنبياء من حزن وضيق.
  • الطفل أو المراهق عندما يقول “أتمنى الموت” فهو متألم، لا يريد أذى نفسه.
  • المكتئب يحتاج من محيطه التهدئة والتفهّم والدعم الصحيح.

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على الفتوى التالية:

الخوف والحزن الناتجان عن الخيال والتفكير السلبي وعلاج ذلك

 ــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] رواه أبو داود في الطب برقم 3376

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.