السؤال:
هل الفقه الإسلامي يعتبر أن الإنسان لا يُعصم دمه إلا بعهد أو ذمة أو غيرها؟
الجواب:
ليس صحيحًا أن الأصل في دم الإنسان الإباحة ما لم يكن قد عصم نفسه بذمة أو عهد. فالفقه الإسلامي الذي يستند إلى القرآن الكريم يُقر بأصل عصمة النفس البشرية، مسلماً كان أو غير مسلم، ويعتبر العدوان على النفس بغير حق من أعظم الجرائم.
قال الله تعالى:
﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]
هذه الآية مطلقة، لم تقيد القتل المحرم بكون المقتول مسلمًا أو غير مسلم.
وقد اعتبرت الآية التالية أن الاعتداء على النفس البشرية محرما بصفة عامة:
﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 151]
وقد فصلت الآيات المتشابهة أن العصمة ترتفع بحالتين:
_القصاص، وهو قتل القاتل عمدا:
﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ [الإسراء: 33]
_في الحرب المشروعة، حيث يجوز تعمد قتل العدو فيها حتى رد عدوانه:
﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]
ولا يجوز قتل النفس البشرية في غير هذين الموضعين.
وقد أقر جمهور العلماء أن الأصل في دماء الناس العصمة، وأن الذمي والمعاهد والمستأمن وغير المسلم عمومًا لا يجوز قتلهم إلا في حالة القصاص أو الحرب.
فالفقه الإسلامي لا يقول إن دم غير المسلم مهدور إلا بعهد، بل الأصل هو العصمة، والعهد يزيد في توكيد هذه العصمة، لكنه ليس شرطًا فيها. وهذا لا يمنع أن نجد نقولات عن بعض الفقهاء الذين قالوا بأن الأصل هو استباحة دم الكافر وأنه لا عصمة له إلا بعهد أو ذمة، وهذا الرأي _كما يظهر_ لا يتفق بتاتا مع ما قرره القرآن الكريم وطبقه النبي الكريم والصحابة من بعده.
الخلاصة:
القرآن الكريم يقرر مبدأ السلم، وعصمة الدماء، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.أما القول بأن الأصل هو استباحة دم الكافر فهي اجتهادات تاريخية لا تمثل جوهر الرسالة القرآنية.
*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات والفتاوى التالية:
هل أمر الله تعالى بمقاتلة أهل الكتاب في الآية 29 من سورة التوبة؟
