حبل الله
معركة أُحد وتكرار الخطأ

معركة أُحد وتكرار الخطأ

بعد معركة بدر أخلَّت إحدى القبائل اليهوديَّة بالمعاهدة المبرمة مع النَّبيِّ، وقد تفاعلت الأحداث إلى أن تمَّ نفي تلك القبيلة عن المدينة، وقد قام مشركو مكَّة باستغلال تلك الفرصة لإلحاق الأذى بالمسلمين، فالتقوا كعب بن الأشرف وهو زعيم تلك القبيلة، وحصلوا منه على وعدٍ بالمساعدة. بعدها بسنة (7 شوال 3 هـ، الموافق 32/ 3/ 625 م) جاء مشركو مكَّة بثلاثة آلاف مقاتل لغزو المدينة. لكن النَّبيِّ خرج لملاقاتهم في أُحد على بعد 5 كم من المدينة، وقد التقى الجمعان، ودرات رحى الحرب التي انتهت بانتصار المسلمين بتأييد الله تعالى ونصره، وهرب المشركون صوب مكَّة، لكنَّ المسلمين لم يتعلَّموا بعدُ من درس بدر، ووقع الاختلاف بينهم فلم يلحقوا بفلول المشركين، وانشغل فريقٌ منهم بجمع الغنائم. وبسبب الآيات النَّازلة في بدر علم المشركون أنَّهم سوف يتسبَّبون في حلول غضب الله على المسلمين، لذا عادوا من جديد ووجَّهوا ضربة قويَّة للمسلمين. علمْنا ذلك من قوله تعالى:

﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ (بالنَّصر) إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ (ملاحقة فلول المشركين) وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ (النصر)، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ، وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران 3/ 152)

لـمَّا عاد المشركون لأرض المعركة كانت صفوف المسلمين مبعثرة فلم يلبثوا إلى أن فرُّوا باتجاه الجبل وتركوا النَّبيِّ وحيدا في الميدان، لكنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم ثبت ولم ينكص، وبدأ ينادي بالمسلمين أن اتَّبعِوا أمرَ الله تعالى بالثَّبات. يقول الله تعالى:

﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ، فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ، لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ، وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (آل عمران 3/ 153).

لقد نادى الفارِّين بصفته رسولا، بدليل أنَّه قرأ عليهم الآيات التي تدعو إلى الثَّبات، ومعلومٌ أنَّ تبليغ الآيات وظيفة الرَّسول (المائدة 5/ 99). لقد اتبع النَّبيُّ أمرَ الله تعالى، لذا لم يفرّ من الميدان بالرُّغم من بقائه وحيدا، وقد قرأ الآيات التَّالية بصوتٍ عالٍ حاثَّاً القوم على اتِّباع أمر الله تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (الأنفال 8/ 15- 16)

ما أنْ سمع المسلمون هذه الآيات حتى عادوا مرَّة أُخرى، لأنَّ سببَ فوات فرصة دخولهم مكَّة في بدر هو عدم اتِّباع أوامر الله تعالى. وقد علموا أنَّهم إنْ خالفوا هذه المرَّة أيضا فسيضيعُ منهم كلَّ شيء. لـمَّا رأى المكِّيُّون عودتَهم السَّريعة سُرعان ما تشتت جمعهم، وتراجعوا عن القتال. أمَّا العائدون لأمر الله تعالى فقد شعروا بالطَّمأنينة. علمْنا ذلك من خلال الآية التَّالية:

﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ، وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ، قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (آل عمران 3/ 154)

وقوله تعالى “قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ” تُبيِّن القدرَ الحقيقيَّ، لأنَّ الأجل يُكتب للإنسان عندما تُلقَّحُ البُوَيْضةُ في رحم الأمِّ (الأنعام 6/ 2) وإذا جاء الأجل فلا احتمال للتَّأخير (النحل 16/ 61)

المسلمون الذين اتَّبعوا أوامر الله تعالى وأمضوا ليلة هانئة، تابعوا العدوَّ بعد الرَّاحة فانتصروا بعدما هُزموا. نتعلَّم هذا من الآيات التَّالية:

﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ[1] فَاخْشَوْهُمْ، فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ، وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ. إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ، فَلَا تَخَافُوهُمْ، وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران 3/ 172- 175)

في الروايات حول معركة أحد، هناك مزاعم بأنَّ نبيَّنا قد جُرِح بضربة سيف، وانقسمت خُوذته إلى قِسمين، ودَخلت حلقات المغفر في وجهه، وكُسرت ثنيَّتاه، وانقسمت شفَّته السُّفليَّة بحجرٍ أُلقي عليه، وأصيب أيضًا في جبهته وركبته.

ويتم إخفاء الحقائق الواردة في الآيات بإيراد الرِّوايات التي تُفيد بأنَّ مجموعةً من الصَّحابة منهم أبو بكر وعمر وعليّ قد شكَّلت حلقة من حول النَّبيِّ لحمايته. والحقُّ أنَّه لا احتمال لصحَّة هذه المرْويَّات، لأنَّ القرآن ينصُّ على أنَّ نبيَّنا بقي وحيدا في مواجهة العدو (آل عمران 3/ 153)، وأنَّه استمر في اتباع أمر الله دون الإخلال بثباته. ومن الجدير ذكره في هذا الصَّدد أنَّ الله تعالى تكفَّل بعصمته من النَّاس بقوله:

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة 5/ 67)

*ما سبق جزء من مقالة أ.د عبد العزيز بايندر ( معركة بدر والقدر ) ولقراءة المقالة كاملة يرجى الضغط على العنوان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] بعد هزيمتهم في بدر بدأ المشركون يعدون العدة ويستنفرون القبائل الموالية لهم حتى تجمَّع لهم عدد كبير، وقد نقل جماعة خبر هذا الحشد إلى المسلمين في المدينة وخوَّفوهم من تلك الجموع.

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.