حبل الله
لماذا لم يُعد النبيُّ الكريم بناء الكعبة على أسس إبراهيم بعد فتح مكة؟

لماذا لم يُعد النبيُّ الكريم بناء الكعبة على أسس إبراهيم بعد فتح مكة؟

السؤال:

بخصوص حِجر إسماعيل الذي هو بجانب الكعبة، وهو في الأصل جزء منها، فإنه في عصر الجاهلية قبل الإسلام لم يجدوا مالًا حلالًا مئة بالمئة ليُكملوا بناء الكعبة، فقاموا بتحويط الجزء المتبقي بالشكل الذي هو عليه الآن، لأنه جزء من الكعبة، حتى يطوف الناس حوله وليس من خلاله.
هذه هي القصة القديمة.
والسؤال الآن: لماذا بعد الإسلام، وبالأخص في عهد النبي ﷺ، لم يُكمَل البناء بعد فتح مكة مثلًا، ومع انتشار الإسلام، ليتم ذلك تحت إشراف النبي عليه الصلاة والسلام؟
أَلَم يجدوا مالًا حلالًا لاستكمال البناء؟
بالمناسبة، هذا سؤال ابنتي التي تبلغ من العمر خمس عشرة سنة، ولم أستطع أن أجيبها إجابة منطقية.
في انتظار التوضيح، وشكرًا مقدمًا.

الجواب:

هذا السؤال يتداخل فيه الديني مع التاريخي، ويبرز دور ولي الأمر في اتخاذ القرار الذي يقدم استقرار المجتمع على تحقيق مصلحة شكلية غير أساسية.

أولا: أصل القصة:

عندما أرادت قريش إعادة بناء الكعبة قبل الإسلام، انهدم جزء منها بفعل السيول. فأرادوا ترميمها، لكنهم اشترطوا أن لا يدخل في بنائها مال فيه شبهة أو حرام، مثل مال الرِّبا أو الظلم أو البغاء.

ولأن المال الحلال لم يكفِ، نقصوا من طول الجدار الأصلي الذي بناه إبراهيم عليه السلام، وتركوا جزءًا من الكعبة خارج البناء، وهو ما يُعرف اليوم بـ حِجر إسماعيل. ثم بنوا الجدار المقوّس ليُعلِم الناس أن هذا الجزء من الكعبة الأصلية، وليس من خارجها.

ثانيا: لماذا لم يُكمِل النبي ﷺ البناء بعد الفتح؟

في حديث صحيح رواه الإمامان البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:

قال رسول الله ﷺ: “يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لهدمت الكعبة ولجعلت لها بابين: بابًا يدخل الناس منه، وبابًا يخرجون منه، ولألصقتها بالأرض، ولأدخلت فيها الحِجْر” (رواه البخاري ومسلم).

بناء على هذه الرواية فإن النبي ﷺ كان يعلم أن البناء الحالي ليس مطابقًا لما بناه إبراهيم عليه السلام، وكان يريد أن يُعيدها على أصلها، لكنّه خشي الفتنة؛ لأن أهل مكة كانوا حديثي عهد بالإسلام، وقد يرون في هذا التغيير نوعًا من العبث ببيت الله الذي تعظّمه قلوبهم، مما قد يثير الشكوك والاضطراب بينهم.

فقدّم نبينا الكريم المصلحة العامة ووحدة الناس على تنفيذ ما هو أكمل من حيث الشكل. وهذا من حكمته ورحمته، إذ راعى حال الناس ومشاعرهم حتى لا يُفتنوا.

ومن الجدير ذكره في هذا الصدد أنه لو كانت إعادة بناء الكعبة على هيئتها القديمة واجبا شرعا لفعله النبي حتى لو لم يعجب الناس، فهو لم يكن يترك واجبا لإرضاء الناس، بل تركه لأن المسألة فيها سعة واختيار.

ثالثا: هل بُنيت الكعبة على قواعد إبراهيم بعد ذلك؟

نعم، ففي عهد عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، أعاد بناءها على قواعد إبراهيم كما تمنّى النبي ﷺ، وأدخل فيها حِجر إسماعيل، وذلك بعدما هُدمت الكعبة أثناء حصار مكة. لكن بعد مقتله، أعادها الحجاج بن يوسف إلى الشكل الذي نراه اليوم بأمر من عبد الملك بن مروان (صحيح مسلم 402 – (1333)) ، ومنذ ذلك الوقت بقيت كما هي.

وقد ذكر ابن حجر أن عبد الملك بن مروان قد ندم على ما فعل بعد أن بلغه الحديث وقال: “وددت أني تركته وما تولى ابن الزبير من شأنه.” (فتح الباري ج 3، ص 548–550)

الخلاصة:

_ حِجر إسماعيل جزء من الكعبة الأصلية.

_ النبي ﷺ لم يُكمِل البناء لأنه خاف من الفتنة والاضطراب بين الناس حديثي العهد بالإسلام.

_ تصرّفه ﷺ كان من أعظم صور الحكمة السياسية والدينية، إذ قدّم وحدة المسلمين على مصلحة فرعية في البناء.

_ أعاد عبد الله بن الزبير بناءها كما تمنى النبي الكريم

_ هدم الحجاج ما بناه ابن الزبير ثم أعاد بناءها كما كانت بأمر من عبد الملك بن مروان.

التعليقات

  • شكرا جزيلا على التوضيح برغم اني لم اقتنع تماما بالحديث المذكور كدليل !! حيث أن مقاصد الاسلام اصلا جاءت وابطلت اشياء وفعلت اشياء و أقرت اشياء هى اشد تاثيرا على الناس وهم حديثو عهد بالجاهليه من مجرد بناء الكعبه او بالأدق إعادتها لشكلها الاصلي..
    فايهما اشد على الناس بناء الكعبه بالشكل الصحيح ! ام الأوامر والنواهي والتي جاءت ضد ما اعتادوا عليها في حياتهم لسنين طوله ؟؟
    ثم ان الشريعه مقصدها الأساس هو الحق المطلق دون الانسياق لاراء الناس (حديثو عهد بجاهليه) فالاسلام جاء لقب معايير الجاهليه سواء ماديه او معنويه ..تغير القبله مثلا كمثال لهدم ثوابت ما قبل وغيرها من أمور اكثر تاثيرا من مجرد [ استكمال بناء الكعبه ]!!
    ثم ان حضرتكم استشهدتم بروايات وأحاديث ظنيه !! أين الديل من القرآن ؟ وهو اسلوبكم في البحث والاثبات ..

    اظن والله اعلم ان هناك حلقه مفقوده في هذه القصه ..

    ملحوظه مهمه : رأيي هذا لا يتنافى أبدا مع تقديري واحترامي الشديد لشخصكم الكريم ولموقعكم الرائع والمتميز
    وانا لست عالمه في الدين بل مجرد باحثه تعلمت منكم الكثير فأصبحت اتدبر بدقه اكثر من ذي قبل وابحث اكثر عن الادله من القرآن و الفضل في هذا يرجع الى موقعكم المتميز بعد فضل الله طبعا.
    فهل من تعقيب ؟
    شكرا جزيلا

    • لا يوجد أمر في القرآن الكريم بإكمال بناء الكعبة، ولو كان هناك أمر لفعله النبي حتى لو غضب الناس..
      فمن الواضح أن إكمال البناء كان رغبة النبي دون أمر إلهي، فلم يرد عليه السلام أن يجعل من رغبته الشخصية مبررا كافيا لمواجهة الناس
      انظري مثلا: كان نبينا يرغب بتغيير القبلة إلى البيت الحرام، لكنه لم يفعل حتى نزل الأمر الإلهي بالتغيير (البقرة 144)
      نفهم من ذلك أن نبينا الكريم لم يكن يقوم بالتغيير المتعلق بالمجتمع بمجرد رغبته الشخصية.

      • نعم فهمت .. كان لا بد من وحي إلهي لأي فعل يقوم به النبي عليه الصلاة والسلام خصوصا اذا كان له تأثير على الشريعه .
        شكرا على التوضيح

        بالمناسبه .. كنت سمعت احد المفكرين يقول انه لا يوجد شئ اسمه صيغة الصلاة على النبي وان الصلاه التي أمرنا الله ان نصليها عليه ونسلم له تسليما فسرها كالأتي :
        ان الاية جاءت اولا ان الله يصلي على النبي وهنا أشار ان هناك فرقا بين النبي والرسول في دلاله المعنى المقصود..
        ثم يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وهو أمر مباشر من الله لنا للصلاة عليه فكيف نرد الأمر الي الله ونقول اللهم صل عليه !! وان الصلاه المقصوده ليست كما هو يشاع بين المسلمين بأن نردد عبارات الصلاه على النبي المعروفه بل المعنى هو الإتصال بالنبي عن طريق تطبيق ما جاء به وهو القرآن وباقي الايه تقول وسلموا تسليما اي سلموا لما جاء به تسليما لله تعالى.
        هذا اختصار ما قاله و أكد على اختيار الله في الايه لكلمه النبي ولم يقول الرسول .
        فهل من توضيح لهذه المسألة لاني أرى أن هذا الكلام منطقي .
        في انتظار التوضيح وشكرا مقدما

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.