السؤال:
السلام عليكم. ذكرتم في باب الصلاة أن تفصيل الصلاة يؤخذ من السنة، وهذا أدى بي إلى التساؤل الآتي: لماذا فصَّل الله الوضوء تفصيلا كاملا في القرآن بينما لم يفصل الصلاة؟ لماذا فصل الله أحكام الحج بالنسبة لحلق الرأس والفدية؟ لماذا فصل الله أحكام الطلاق؟ لماذا فصل الله أحكام الورث؟ لماذا فصل الله أحكام الدية والكفارات؟ لماذا فصل الله أحكام الوصية والدَّين؟ لماذا فصل الله حكم اليمين وغيرها؟
أرجو أن تلتزموا بما قد طرحتموه، ولا يمكن القول أن أحاديث الصلاة متطابقة مع القرآن، كلا فقد وقع فيها الاختلاف بين المسلمين إلى حد التكفير.
فهل الأحكام الآنفة المفصلة أهم من الصلاة؟ ولماذا يفصل القرآن أمورا أقل أهمية من الصلاة؟ مع تقديري واحترامي لجهودكم الجبارة الرائعة لفهم كتاب الله تعالى.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله، ونحييك على سؤالك النقدي العميق ، والذي يعبّر عن رغبة صادقة لفهم حكمة الله في تشريعه، وهذا من التأمل المحمود. سأجيبك بإذن الله تعالى بشكل مفصّل كما يلي:
أولًا: لا تلازم بين أهمية الحكم وتفصيله في القرآن، فليس كل ما هو أعظم شأنًا يجب أن يُفصل أكثر في القرآن، فالله عز وجل لا يربط دائمًا أهمية الموضوع بمقدار تفصيله في القرآن، بل بحسب مقصده التشريعي، وحاجة المخاطبين للتفصيل.
ثانيًا: الصلاة كانت تؤدى قبل نزول الأمر بها في القرآن، فكانت تُؤدى منذ البعثة، وقد علّمها النبي ﷺ للمسلمين عمليًا قبل أن تُجمع تفاصيلها في كتاب الله تعالى، لأنها من شريعة الأنبياء السابقين، فالصلاة التي صلاها نبينا الكريم هي تلك التي صلاها الأنبياء قبله وكذلك أتباعهم، حتى أن بعض العرب الذين كانوا على دين إبراهيم كانوا يصلون في مكة قبل البعثة كورقة بن نوفل وغيره. بل إن اليهود صلوا خلف النبي في المدينة سبعة عشر شهرا في مسجده حتى جاء الأمر بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة. وهذا يعني أن اليهود كانوا يصلون نفس الصلاة.
وحين نزلت آية: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: 78] كان الصحابة يعرفون معناها ويُطبقونها لأنهم تعلموها مباشرة من رسول الله ﷺ قبل نزولها.
لذلك لم تكن هناك حاجة لتكرار كل التفاصيل في الكتاب لأنهم كانوا يرونها يوميًا ويطبقونها جماعة. ومع ذلك فقد فصل الله كثيرا من أحكام الصلاة في القرآن، بالإضافة إلى أن الأمين جبريل علّمها للنبي ﷺ عمليًا، ونُقلت عبر العصور بالتواتر العملي.
ثالثا: ما فُصّل في القرآن هو ما يحتاج إلى “ضبط كتابي” لحسم الخلاف، مثلاً:
الطلاق، الدية، المواريث، الوصية… فيها حقوق مالية واجتماعية معقّدة، وهي قضايا لا تتكرر كل يوم مع المكلفين ليحفظوها، فكان يُخشى فيها التحريف والادعاء، لذلك نُص عليها بالتفصيل في القرآن لمنع الخلاف.
أما الصلاة، فهي عبادة عملية، والناس كانوا يصلون يوميًا خلف النبي ﷺ، فحُسم الخلاف فيها عبر العمل الجماعي.
رابعا: سبب اختلاف الناس في الصلاة ليس غياب تفصيلها في القرآن، بل بسبب غلبة التقليد المذهبي على الدليل. أو تأويلات مختلفة للنص القرآني وما روي عن النبي أو مخالفة فعلية لهما.
لكن رغم ذلك، يظل جوهر الصلاة (القيام، الذكر، الركوع، السجود، الفاتحة، الجلوس…) متفقًا عليه بين كل المسلمين. أما الخلاف فيقع في الهيئات التي تبطل الصلاة بنقصانها.
مثال للتوضيح:
الوضوء ذُكر في آية واحدة: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6]
لكن المسلمين يختلفون: هل المسح على الرأس كله أم بعضه؟ هل ترتيب الأعضاء فرض أم مندوب؟ هذا رغم وجوده في القرآن!
إذًا، وجود الحكم في القرآن لا يمنع من الاختلاف حول بعض التفاصيل.
وينبغي التنويه هنا أن هذا الاختلاف لا يبطل جوهر العمل، لأن كل تطبيق يحتمله النص القرآني هو صحيح بالجملة.
ملخّص الإجابة:
_ الصلاة عبادة معروفة من لدن آدم عليه السلام وكان نبينا الكريم يؤديها منذ بعثه وقبل نزول الأمر بها في القرآن جريا على هدي الأنبياء من قبله.
_ فصل الله كثيرا من أحكام الصلاة في القرآن، ومع ذلك علّمها جبريلُ للنبي ﷺ عمليًا، ونُقلت عبر التواتر العملي.
_ فصّل الله أحكام الطلاق والدية… لأنها حقوق مادية يُخشى التلاعب بها ولأن حدوثها لا يتكرر مع المكلفين.
_ النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة في تطبيق القرآن الكريم.
_ لا تلازم بين عظمة الموضوع ومقدار تفصيله في القرآن الكريم، بل المعيار هو الحاجة للتفصيل من عدمه.
_ الصلاة هي أكثر عبادة نُقلت تواترًا عمليا عبر التاريخ.
*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات التالية:


اعتقد ايضا ان التفصيل جاء لتغيير احكام الديانات السابقة مثل الوضوء. فالوضوء موجود في الديانة اليهودية ولكن بشكل مختلف وكذلك الطلاق
والله الواحد أصبح في حيره ودائما اسأل نفسي ماذا لو لم يكتب شئ غير القرآن هل كنا سنعرف الصلاه او وماذا عن عدد الركعات؟ وماذا عن مقدار الزكاه أين هو في القرآن وليس معنى أن الصلاه وكذلك الحج كانوا معروفين من عهد ابراهيم عليه السلام فلم يذكره الله تفاصيل الحج من عدد الطواف او الصلاه عدد الركعات لانه بعد انقضاء عهد الأنبياء سوف يختلط على الناس الأمر مالم يكن موثق!
ولو كان هناك نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام لذكر الله على لسانه كيف حرفوا المسلمين دينهم كما فعل الاقوام قبلنا وضرب الله لنا الأمثال بهم ولكن الفرق انه لا نبي بعده فلا احد اكتشف حجم التحريف
الموضوع معقد هل القرآن وحده غير كافي !! هل لابد من كتب التراث بجانبه !!