السؤال:
كيف يمكن لسنوات معدودة أن تحدد مصير أبدي بالكفر أو الإيمان؟ وكيف يُعرف كفرُ الإنسان أو إيمانُه إن مات فجأة قبل أجله؟
الجواب:
هذا السؤال يردده كثير من الناس عندما يفكّرون في العدل الإلهي والآخرة،
وسأحاول الإجابة عليه عبر النقاط التالية:
أولًا: لماذا سنوات قليلة تحدّد مصيرًا أبديًا؟
الميزان ليس “عدد السنوات” بل “نوع الاختيار” فالله تعالى لا يحاسب الإنسان على طول حياته، بل على اتجاه قلبه وما اختاره بإرادته: هل اختار طريق الإيمان والبحث عن الحق؟ أم اختار الإعراض والكبر والظلم؟. فقد يعيش إنسان عمرا قصيرا لكنه مؤمن مخلص، وآخر يعيش عمرا مديدا ويصرّ على التكبّر والظلم والكفر والعناد.
فالله تعالى لا يحاسب على طول العمر أو قصره بل على اتجاه القلب، والميزان عند الله ليس عدد السنوات، بل النية والاختيار. قال تعالى:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 2]
فالامتحان قائم على نوع العمل، لا على كثرة السنوات.
ثانيا: لا عقاب إلا بعد قيام الحجة
لا يُعذَّب إنسانٌ حتى يصل إليه الحق بوضوح ثم يرفضه. قال تعالى:
﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15]
فمن لم يصله الحق أو عاش جاهلًا فهو معذور وليس كافرًا، لأن الكفر الحقيقي هو العناد بعد المعرفة. فالقرآن يفرّق بين الجهل والعناد:
﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: 49]
وقد أطلق القرآن وصف الكفر على فرعون وقومه بعد أن قامت الحجة عليهم وعلموا يقينا أن موسى رسول الله وما جاء به من الكتاب حق:
﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14]
ثالثا: من كان يبحث عن الحق بإخلاص فهو في رحمة الله
البحث الصادق عن الحق هو نوع من الإيمان. وهناك وعد إلهي بتوفيق الباحث عنه. قال الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]
رابعا: الأمر بالمسارعة بالتوبة
كان من رحمة الله بخلقه أن بيَّن لهم سبل السعادة في الدارين، ومن ذلك المسارعة في التوبة والمسابقة في فعل الخيرات وعدم تأجيل ذلك، لأن الإنسان لا يعرف متى يحين أجله:
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]
﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الواقعة: 10-12]
﴿أُولَئِكَ (المؤمنون) يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 61]
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99-100]
الخلاصة:
_ليس العبرة بالزمن الذي يعيشه الإنسان في الدنيا، بل بحقيقة القلب والعمل الصالح:
﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطارق: 9] ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38]
_لا عذاب إلا بعد العلم والاختيار:
﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ﴾ [النساء: 165]
_الله تعالى أعدل وأرحم من أن يظلم إنسانًا مات فجأة أو عاش قليلًا:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾ [يونس: 44]
_ أمر الله تعال عباده بالمسارعة في التوبة والعمل الصالح حتى لا يدركهم الموت وهم مقصرون.


أضف تعليقا