حبل الله
كيف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه مع أنه لا علم مسبق له بإيمان الأشخاص وكفرهم؟ قبل ولادتهم

كيف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه مع أنه لا علم مسبق له بإيمان الأشخاص وكفرهم؟ قبل ولادتهم

السؤال:

قال الله تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ ‌مِنْكُمْ ‌عَنْ ‌دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54] 

سؤالي: كيف يأتي الله بقوم كامل مؤمن له مع أنه لا علم مسبق له بإيمان الأشخاص قبل ولادتهم. أظن أن الله سيرشد قوما من المؤمنين هم أساساً مؤمنين ولكن أعطاهم المعرفة، أي أنهم يجب عليهم مثلا الجهاد، فالله سبحانه لا يحاسب الجاهل أو الغافل ما لم يأته علم.

وهذا يدفعني لسؤال آخر: هل نسبة المسلمين والكفار في جميع الأرض تقريبا متساوية أي هناك منافقين بين المسلمين ومسلمين بين الكفار ولكن لم تأتهم رسالة الإسلام. فما رأيكم بهذا الاستنتاج والفهم؟

الجواب:

الآية الكريمة تتحدث عن سنة كونية ثابتة، وهي سنة التغيير، فالأقوام التي تخرج عن الفطرة ستندثر ويأتي آخرون بعدهم يصلحوا ما أفسد الذين من قبلهم، فالبقاء في هذه الدنيا لمن يعمل بمقتضى الحق والفطرة، يؤكد هذا المعنى الآية التالية من سورة محمد:

﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ، وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ، ‌وَإِنْ ‌تَتَوَلَّوْا ‌يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38] 

إن الباطل وإن ظهر مدة من الزمن فهو زاهق لا محالة، أما الحق وأهله فالعاقبة لهم وإن ظهر ضعفهم مدة من الزمن.

قال الله تعالى:

﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا ‌الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ، كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ [الرعد: 17]

نسبة المسلمين والكفار في جميع الأرض متساوية؟

يقدّم القرآن الكريم رؤية واضحة حول نسبة المؤمنين في الدنيا، فهو يصرّح بأن أغلب الناس لا يؤمنون، كما في قوله تعالى:

﴿ وَمَا أَكْثَرُ ‌النَّاسِ ‌وَلَوْ ‌حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: 103] 

ويبيّن أن الأكثرية تتبع الظن والهوى وتبتعد عن سبيل الله كما في قوله:

﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي ‌الْأَرْضِ ‌يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: 116] 

ولذلك يظهر في مواضع كثيرة أن الأكثرية لا تشكر ولا تعقل، وأن أهل الإيمان الحقيقي قليلون، كما قال تعالى:

﴿‌وَقَلِيلٌ ‌مِنْ ‌عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13] 

وتأتي قصة نوح عليه السلام مثالًا واضحًا على هذه السنّة، إذ لم يؤمن معه إلا قليل رغم دعوته الطويلة:

﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ ‌إِلَّا ‌قَلِيلٌ﴾ [هود: 40] 

نفهم من مجموع الآيات أن المسلمين الصادقين في الدنيا قِلّة، وأن الكثرة ليست معيارًا للحق ولا للدين، فالهداية عطية من الله وليست مرتبطة بعدد الناس، كما أن عدل الله يقتضي ألا يُحاسَب إلا من عرف الحق وقصّر فيه، في حين أن من لم تبلغه الدعوة أو بلغته مشوّهة فله حكم آخر عند الله تعالى.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.