حبل الله
دعوى جهاد الطلب

دعوى جهاد الطلب

السؤال:

هل جهاد الطلب من الإسلام؟ بعبارة أخرى: هل يجوز للمسلمين فتح البلدان المسالمة بالقوة العسكرية بهدف نشر الإسلام؟

الجواب:

“جهاد الطلب” كما فُهم تقليديًا (هو غزو بلاد الكفار لنشر الإسلام) ، وهو _بهذا المعنى_ كان جزءًا من الفقه التقليدي، بالرغم من أن القرآن الكريم لا يأمر بجهاد الطلب من أجل إدخال الناس في الإسلام على اعتباره ضربا من الإكراه، وقد قرر القرآن الكريم أنه:

﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]

وقد أورد القرآن تحذيرا لنبيَّنا الكريم من إكراه الناس على الإيمان أو نشر الإسلام بالقوة:

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، أَفَأَنْتَ ‌تُكْرِهُ ‌النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 99] 

والسؤال في الآية إنكاري، ويفهم منه المبالغة في النهي عن إكراه الناس على الإسلام.

وقد اعتبر الفقهاء أن جهاد الدفع (الدفاع عن المسلمين) مشروع ومجمع عليه، لقيام الدليل عليه من القرآن الكريم، وللحاجة إليه لدفع الظالمين، وقد فعله نبينا الكريم، حيث كانت كل غزواته وسراياه تخدم هدف الدفاع عن المسلمين.

أما جهاد الطلب (غزو أراضٍ جديدة لنشر الإسلام) فهو على خلاف ما قرره القرآن في هذا الشأن، فالأصل هو السلم والدعوة بالحكمة، وأنه لا يجوز القتال إلا ضد المعتدين الذين يقاتلون المسلمين في دينهم أو يناصرون الذين يخرجون المسلمين من ديارهم، قال الله تعالى:

﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ‌وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 8-9] 

وقد أمر بقاتلة المقاتلين دون غيرهم، ثم عدَّ قتال غيرهم اعتداء لا يحبه الله تعالى:

﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ البقرة (190)

وحتى لا تستمر الحرب طويلا أمر نبيه إلى الجنوح للسلم عندما يجنح له العدو:

﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ الأنفال (61)

فالمسلمون لا يبدؤون الحرب ولا يسعون إليها إلا أن تفرض عليهم:

﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ التوبة (13).

وقد أنكر علماء معاصرون مثل الإمام محمد عبده والشيخ رشيد رضا والشيخ محمد الغزالي وغيرهم، أنكروا جهاد الطلب بمعناه التقليدي، وعدّوه مخالفًا لروح الإسلام.

ويمكننا القول بأن جهاد الطلب ليس من الإسلام في شيء، بل يُعد من الاجتهادات التاريخية لا النصوص القطعية، ولا ينسجم مع مقاصد القرآن في الدعوة السلمية.

الخلاصة:

القرآن الكريم يقرر مبدأ السلم، وعصمة الدماء، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
أما القول بمشروعية “جهاد الطلب”، فهو اجتهاد تاريخي لا يمثل جوهر الرسالة القرآنية.

*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات والفتاوى ذات العلاقة من الروابط التالية:

مفهوم الجهاد في القرآن الكريم

الفتوحات الإسلامية زمن الراشدين ومن بعدهم

هل أمر الله تعالى بمقاتلة أهل الكتاب في الآية 29 من سورة التوبة؟

هل منع الدعاة المسلمين من تبليغ الإسلام يعتبر سببا مشروعا لإعلان الحرب؟

قتال المخالفين في الدين

سنة التدافع في القرآن الكريم

إظهار العداوة للمشركين

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.