حبل الله
حكم الأكل من الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها

حكم الأكل من الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها

السؤال:

نعلم أن الله تعالى قد أحل لنا طعام أهل الكتاب بقوله تعالى: ‌

﴿الْيَوْمَ ‌أُحِلَّ ‌لَكُمُ ‌الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾ [المائدة 5] 

فكيف نوفق بين الآية والآية التي تقول:

﴿وَلَا تَأْكُلُوا ‌مِمَّا ‌لَمْ ‌يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ، وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام 121] 

فما المقصود بذكر اسم الله عليه؟ هل هو كما نعلم التسمية والتكبير على الذبائح لأن الآيات لا توحي بالذبح حيث يقول الله تعالى قبلها:

﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام 119] 

حيث ذكر الله تعالى أنه فصل لنا ما حرم علينا، ونحن نعلم أن أهل الكتاب لا يذكرون اسم الله عندما يذبحون. أرجو توضيح الصورة ولكم مني جزيل الشكر.

الجواب:

لا يوجد دليل يُثبت حرمة أكل لحم الحيوان المذبوح دون التسمية، ما لم يُذبح لغير الله، أي الحيوان الذي ذكر اسم غير الله عليه عند ذبحه.

ففي الآيات الأربع التي ورد فيها بيان المحرّمات من الأطعمة الحيوانية [البقرة 173، المائدة 3، الأنعام 145، النحل 115] لم يُذكر فيها “الذبيحة التي لم يُذكر اسم الله عليها”.

ولو كانت التسمية شرطًا واجبًا، لذُكرت بوضوح في هذه الآيات التي كررت نفس المحرّمات. إنما التسمية شرط خاص في أضاحي عيد الأضحى فقط، كما في الآيات: [الحج 28، 34–3].

ورغم وضوح الآيات، فقد فُهمت هذه الآية [الأنعام 121] بشكل خاطئ في كثير من كتب التفسير والفقه، فاعتُبر أن الحيوان المذبوح دون تسمية حرام، مع أن هذا الاستنتاج قائم على خطأ كبير في قواعد اللغة العربية.

فقد ظنّ بعضهم أن جملة ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ مرتبطة بما قبلها، لكن الحقيقة أن الجملة الأولى ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ هي جملة إنشائية فعلية، أما جملة ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ فهي اسمية خبرية، وبحسب قواعد النحو، لا يمكن عطف الجملتين على بعضهما. لذلك، تكون جملة ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ في محل الحال من الجملة الأولى، أي: النهي عن الأكل مشروط بأن تكون الذبيحة فسقًا، أي قد ذُبحت لغير الله.

وتؤكد ذلك آية الأنعام 145، التي فسّرت الفسق بأنه: “ما ذُبح لغير الله”، ولم يذكر فيها الذبائح التي تُذبح دون تسمية.

كذلك، فإن قوله في الآية: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ يوضح أن المسألة ليست في ترك التسمية، بل في ذبح الحيوان لغير الله، وهو شرك، أي إعطاء حق الألوهية لغير الله.

كما أن هناك حديثًا نبويا مشهورًا في هذا السياق، رواه جماعة من الصحابة: حيث قالوا: “يا رسول الله، إن قومًا يأتوننا باللحم، لا ندري أذُكر اسم الله عليه أم لا؟ أفنأكله؟” فقال النبي ﷺ: “سمّوا أنتم، وكلوا.[1]

لا يوجد طعام كان حلالًا للأمم السابقة ثم حرّمه القرآن، لأن القرآن نسخ ما قبله بمثله أو بما هو خير منه [البقرة 106]

وقد حرّم الله تعالى على اليهود بعض الأطعمة التي كانت في الأصل حلالًا، كعقوبة على بعض ذنوبهم [النساء 160-161، الأنعام 146]. وعلاوة على ذلك، حُرّم عليهم صيد الأسماك يوم السبت [الأعراف 163، البقرة 65-66]

ومع بعثة عيسى عليه السلام كنبي، أُحلّت لليهود بعض الأطعمة الطيبة التي كانت محرّمة عليهم عقوبةً [آل عمران 50].

ثم مع بعثة خاتم الأنبياء محمد ﷺ، أُعلن أن جميع الأطعمة الطيبة التي كانت مُحرّمة كعقوبة قد أُحلّت [الأعراف 157]، وحُصرت المحرّمات في أربعة آيات [البقرة 173، المائدة 3، الأنعام 145، النحل 115]

وهكذا، لم يبقَ فرق في الحلّ والحرمة بين طعامنا وطعام من أُوتوا الكتاب قبلنا، فأصبح طعامهم حلالًا لنا، وطعامنا حلالًا لهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  رواه البخاري في كتاب الذبائح، باب 21، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

التعليقات

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.