حبل الله
حال النساء من تعدد الزوجات والحجاب والحور العين في الجنة

حال النساء من تعدد الزوجات والحجاب والحور العين في الجنة

السؤال:

السلام عليكم، بداية شكرًا لكم على استقبال الأسئلة وعلى جهودكم القيمة. وصراحة كنت قد أرسلت من قبل أسئلة لكم فوجدت في إجاباتكم ما طمأنني وما يوافق العقل والمنطق والفطرة.

سؤالي: هل هناك تفسير لكلمة (كواعب أترابا) غير التفسير المشهور الذي يتكلم عن ثدي المرأة، خاصة أن الآية تتكلم عن جزاء المؤمنين وليس الرجال منهم فقط؟.

الأمر الآخر قرأت أن (عربًا أترابا) معناه المرأة المتحببة لزوجها والتي تهيم به حبًا، فإذا كان كذلك فما فائدة الحور العين؟

عندما أفكر في الموضوع خاصة الفتاوى التي تتحدث عن كيف أنه سيبقى مع كل حورية سنوات طويلة فأقول ماذا ستفعل الزوجة هل ستبقى تنتظره؟ أعلم أنهم يقولون أن غيرتها ستذهب، ولكن إذا كانت تحبه ألن ترغب أن يقضي الوقت معها ولماذا تذهب غيرتها ولا تهذب شهوته ليكتفي بالزوجة ونحن نشاهد هذا في مملكة الحيوان يعني أنه أمر ممكن.

يؤلمني جدًا أن المسلمات مكتوب عليهن التعدد في الدنيا والآخرة بينما باقي النساء من حقهن أن يكون زوجها لها وحدها، والخائن تنفصل عنه، بينما الخطاب الديني يؤكد حق الرجل في تعدد النساء ولا يحق للمرأة الاعتراض.

وكم شعرت بغصة في حلقي وخطيب الجمعة يسهب في الكلام عن الحور العين.. ولكن لا نقول إلا ما أراد الله كان.

أخيرًا هل قاصرات الطرف يعني أن النساء لا ترى غير زوجها، فهل هذا معناه أننا لن نرى الرسول ولا الصحابة؟ وهل صحيح أن المرأة سترتدي الخمار في الجنة أيضا؟ أليست الجنة دار جزاء وليست دار تكليف؟

الجواب:

نشكر السائلة الكريمة على ثقتها في موقعنا ونسأله تعالى أن يثبتها على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ونحمده سبحانه: ﴿الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾

وقبل الإجابة عن الأسئلة نود تصحيح مفهومها حول التعدد وما أثارته حوله:

  • فما ذكرته عن مملكة الحيوان أنها تكتفي بزوجة واحدة، والحقيقة أنها خلاف ذلك، إذ أن الغالب فيها هو تنقل الذكر بين الإناث ملقحًا ومعشرًا العديد منها، وهو الأصل في مملكتهم، والاكتفاء بواحدة هو الاستثناء وهو شيء نادرٌ، ويمكن للسائلة الكريمة أن تطلع على بعض البرامج الخاصة بالحيوان أو تنظر إلى بعض الحيوانات التي تعيش في الريف كالدجاج والغنم والبقر، فإن أكثر المرببين يكتفون بتربية ذكر واحد مع عدد كبير من الإناث ليقوم بغرض التكاثر.

وعندما قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ الأنعام (38) فهذا يعني تشابهها في الكثرة والطباع والأرزاق، ولكنه لا يعني عقد مقارنة بينها وبين مملكة الإنسان – إن جاز لنا التعبير – خاصة في مسألة التعدد، حيث أن أكثر الرجال يكتفون بزوجة واحدة، وبالنظر إلى الواقع والإحصائيات فإن نسبة المعددين بالنسبة للمكتفين بزوجة واحدة أقل بكثير ربما بلغت 10 بالمئة.

  • إن التعدد ليس شريعة خاصة بالمسلمات؛ حيث كان منتشرًا في العصور السابقة للرسالة الخاتمة، وكما أن هناك رسلا وأنبياء لم يعددوا مثل نبي الله زكريا رغم عُقر زوجه فهناك آخرون عددوا مثل نبي الله إبراهيم ويعقوب كما جاء في التوراة والقرآن.
  • كما أن هناك فرقا بين ما كتبه الله تعالى على عباده كالقصاص والقتال والصيام، وبين ما أحله لهم، والتعدد ليس ضمن المكتوب على الرجل وإلا صار لزامًا عليهم ومن لم يفعله يعد آثمًا، وبالتالي لم يكتبه تعالى على المسلمات ولا على غيرهن وهو اختيار بمحض إرادة كلا الرجل والمرأة.

والقول بأن الرجل فُطر على تعدد العلاقات ليس صحيحًا، فعندما خلق تعالى آدم ﷺ خلق معه زوجه: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ البقرة (35) ولم يخلق معه أزواجًا، ولكن إباحته تعالى للتعدد جاءت لحكمة بالغة.

  • ولذلك فإن الله تعالى قد أعطى للزوجة حق الاعتراض إن لم تقبل التعدد ومنح لها قرار الافتراق في قوله: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ، وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ النساء (130) كما أوجب على الزوج في هذه الحالة أن يؤدي إليها كامل حقوقها كما جاء في الآية (20) من سورة النساء
  • وقد ذكرنا من قبل بالأدلة من كتاب الله تعالى أن التعدد الذي أبيح للرجل هو في صالح النساء من الأرامل أمهات اليتامى والمطلقات اللاتي لا عائل لهن لحمايتهن من طمع المجتمع فيهن ولرعاية أطفالهن بدليل ارتباط التعدد بالشرط في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ…﴾ النساء (3) وكذلك لإغلاق باب المتعة الحرام والزنا، وهذا ما يقع فيه الكثير من غير المنتسبين للإسلام تحت مسمى الخيانة الزوجية والعلاقات الآثمة خارج إطار الزواج كالصداقة والمساكنة وغيرها. يرجى الاطلاع على موضوع تعدد الزوجات
  • وما يفعله أكثر الرجال المعددين من ظلمهم الزوجة الأولى – وهو ما جعل السائلة الكريمة وغيرها من الفتيات تسيء الظن في شريعته تعالى- فهؤلاء من اتخذوا من الإباحة سيفًا على رقاب أزواجهم، وهم لم يظلموا فقط نساءهم وإنما ظلموا أبناءهم من زيجاتهم المتعددة وفرقوا بينهم (إلا من رحم ربي).

فهؤلاء ليسوا حجة على الدين ﴿وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ ولذا فليس لنا أن نحكم على دينه تعالى _الذي يأمر بالعدل والإحسان_ من منظور أفعال كثير من المنتسبين إليه ممن بدلوا نعمت الله تعالى.

  • وأما عن مسألة التعدد في الجنة، فلا يوجد في كتابه تعالى ما يدل على وجوده في الجنة حيث لا يتامى ولا عوز ولا احتياج في الجنة، بل يجتمع فيها الصالحون (رجالًا ونساء):

﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ﴾ الرعد (23).

  • وبالنسبة للسؤال عن الحور والقاصرات والمقصورات (والعُرُب والكواعب الأتراب)[1] فقد ذكرنا من قبل أن كل نعيم الجنة جعله تعالى للمتقين والمؤمنين رجالًا ونساء، وأن تلك الأوصاف لا علاقة لها بالزواج والنكاح لا من قريب ولا من بعيد، ولكن شياطين الإنس والجن ممن حرفوا الكلم عن مواضعه وأعانهم عليه قوم آخرون من كثير من خطباء المساجد عندما وقفوا على المنابر بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير يرددون أحاديث وروايات ما أنزل الله بها من سلطان فجعلوا الحور العين التي خلقها الله تعالى لخدمة أهل الجنة من الرجال والنساء جعلوها لمتعة الرجال جنسيا، وقسموا القسمة الضيزى حين جعلوا الجنة حكرًا على الرجال ومرتعًا لشهواتهم دون الإناث اللاتي جعلوهن أكثر أهل النار، ويقولون على الله تعالى الكذب وهم يعلمون، متجاهلين ومتناسين أنه تعالى لم يخص بالنعيم أحدًا نظرا لجنسه، ونفى تعالى أدنى درجات الظلم في جنته:

﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ النساء (124)

*وللمزيد حول هذه المسألة يرجى الاطلاع على المقالة التالية: سبب الضجة والوساوس حول موضوع الحور العين

كما ينبغي الإشارة إلى أمر هام فُهم من خلال السؤال عن النساء المسلمات؛ حيث أن الجنة ليس حكرًا على طائفة معينة دون غيرها، وإنما هي للمؤمنين من كل الملل والنحل، فقال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ المائدة (69)

أما بالنسبة لرؤية الرسول والصحابة في الجنة، فيجيب علينا رب العالمين:

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ النساء (69)

فالجمع هنا يشمل الجميع من الرجال والنساء على حد سواء.

وأما بالنسبة للحجاب في الجنة، فمثله مثل كل التكاليف الشرعية، حيث إن مكانها دار الابتلاء (الدنيا) التي يحتاج الإنسان فيها إلى الهدى فقَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ البقرة (38)

وذلك الهدى يتمثل في التكاليف والسنن الربانية والأحكام والتعاليم التي أنزلها الله تعالى في كتبه لتكون منارا وعونا للإنسان على اجتياز الامتحان في تلك الدار فقَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ الملك (2)

فتلاوة القرآن والصلاة كتبها تعالى على عباده لتكون أرواحهم متصلة بخالقهم فتنهاهم عن الرذائل وتحثهم على الفضائل:

﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ العنكبوت (45)

وكذلك شرع الصيام للوصول إلى التقوى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة (183)

كما فرض الزكاة تطهيرا للمزكين ولإعانة الفقير والمسكين… إلخ.

وقد بيّن لنا تعالى الحكمة من فرض الحجاب في قوله:

﴿ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ الأحزاب (59)

والجنة ليست مكانًا يُخشى فيه من الفواحش والمنكرات، وليست دار ابتلاء للأمر بالتقوى ولا فقير فيها، وكذلك ليست محلًا لاختلاس النظرات وتتبع العورات، وقد ذكر تعالى لنا أن المؤمنين سيكونون إخوانًا قد نُزع من صدروهم الغل الذي يشمل شتى الأخلاق الخبيثة:

﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ الحجر (47).

ولكن إن كانت الجنة ليست دار تكليف فاليقين أنها دار حمد وشكر على فضله وتقبله أعمال خلقه وتجاوزه عن سيئاتهم:

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ فاطر (34: 35)

وختامًا:

إن سبب الغصة التي تشعر بها السائلة الكريمة لا تنبعث من تعاليمه تعالى التي لو تدبرت وفهمت الحكمة منها لقبلتها بنفس راضية وقلب مطمئن – ولن تقبلها على هُون وفي نفسها تقول أن الله تعالى أراد ذلك – وإنما تنبع الغصة من إلقاء السمع لما يردده كثير من المتحدثين باسم الدين (إلا من رحم ربي ممن وافق كتابه تعالى) ولذا فعليها بالاعتصام بــ ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَۛ فِيهِۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ البقرة (2) وألا نلقي بالًا لمن يتقولون الكذب امتثالًا لقوله تعالى:

﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ، وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ، وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ، اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ، لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ، اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ الشورى (15)

ففي كتابه تعالى الهداية وراحة البال مصداقًا لوعده سبحانه:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ محمد (2).

الباحثة: شيماء أبو زيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] انظر الفتوى: المقصود بقوله تعالى: وكواعب أترابا

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.