حبل الله
تراجع الإيمان بسبب الأفكار المزعجة والوسواس

تراجع الإيمان بسبب الأفكار المزعجة والوسواس

السؤال:

آخر عامٍ تطوّرت علاقتي بربي كثيرًا؛ أصبحت علاقتي أكثر روحانيةً، وأشعر بحضور الله في كل لحظات حياتي. أصبحت أتحمّس للصلاة، وأقبل إلى رّبي بشوق، وأحسُّ قلبي مملوءًا حبًّا ولهفةً لله. لكن مؤخرًا بدأ يطاردني وسواس ظهر فجأةً بدون سابق إنذار. كنتُ أدعو ربي فسمعتُ صوتًا في ذهني يسألني: «أنتِ تدعين لمن أصلاً؟ هل الله حقيقي؟ أم أنَّ الله اختراعٌ في عقلكِ تريحين به نفسك؟ من هو الله الذي تدعينه؟» هذه الأصوات أخافتني، فتوقفتُ في منتصف دعائي ولم أستطع الاستمرار. عقلي الواعي يقول إن هذا صوت الشيطان—إنها وساوس يريد بها إبعادك عن ربك—لكن لا أخفي أن قلبي يرتجف، وقلبي ليس مطمئناً. بدأتُ أسأل نفسي بصدق: هل الله اختراعٌ في عقلي بتأثير المجتمع والبيئة لأريح نفسي؟ هذه الفكرة أشعرتني بتأنيب ضمير عظيم وذنب كبير، ومع ذلك لم أستطع السيطرة عليها. تأثرت عبادتي؛ صرت أشعر أني لست مخلِصة فيها، ودخل الشك إلى قلبي. حتى حين أؤدي العبادات أجدني غير حاضرة القلب كما كنتُ من قبل. أشتاق إلى ربي. عقلي يعرف أن هذه وساوس، لكن الشك دخل قلبي وطمأنينته اهتزت. أشتاق إلى علاقتي السابقة مع الله؛ أشعر أن عبادتي مجرد تمثيل لأن قلبي ليس مطمئنًا مئة بالمئة كما في السابق. لا أتحمّل أن أفقد ربي؛ لا أعرف حياةً بدونه. الله بالنسبة لي كل شيء؛ هو الأساس الذي بنيت عليه حياتي، وهو قوتي وأمَني. والآن أحس أن عالمي كله ينهار، وأن أمَنيَّتي تهتز، وأساسِي يتهاوى. تمسكت بالقرآن أكثر؛ كلما كثرت الأفكار والشكوك في ذهني، تمسكتُ بكتاب ربي أكثر. أقضي ساعات في تلاوته؛ وأشعر بتحسّنٍ لمدّةٍ قصيرةٍ، ثم تعود الأصوات من حين لآخر. أخشى أن يكون هذا حالي للأبد؛ أخشى أن تداهمني هذه الأفكار طوال حياتي. في كل مرة أشعر فيها أن إيماني يرتفع وتعود علاقتي بربي كما كانت، تعودني هذه الأصوات—أحيانًا في وسط سجدتي، وأحيانًا في منتصف دعائي—فتؤرقني. أشعر أنني منافقة: ما أفعله شيء وما أشعر به قلبي شيء آخر؛ أشعر بالذنب وتأنيب الضمير. أرجوكم ساعدوني.

الجواب:

بارك الله فيك، وجعل هذا الجواب سببًا في طمأنينة قلبك. سأكتب لك ردًا علميًّا وشرعيًّا وبسيطًا مع خطوات عملية يمكنك تطبيقها فورًا.

أولًا: هذه الوساوس شائعة جدًا بين الناس الصادقين في إيمانهم؛ فكثير من أهل الذكر يتعرضون لها. إن وجود الأفكار الغريبة لا يعني ضياع الإيمان، ولا يعني أنها رغبة حقيقية منك، بل فكرة عابرة أو وسوسة. وما يدخل القلب من أفكار لم يطمئن بها الشخص أو يُؤثّر بها على أفعاله فإنه لا يُحاسَب عليها كما لو عمل بها.

إن إدراك السائلة أن هذه أفكار مزعجة ورفضها — وأن عقلها الواعي يقول إنها وسوسة — علامة على سلامة إيمانها وليست دليلا على فقدانه.

ثانيا: كيف تتعاملين لحظة حدوث الوساوس:

1_ الاستعاذة عند الحاجة، أي القول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).

2_ لا تجادلي الفكرة داخليا، أي الدخول في نقاش ذهني مع الفكرة. لا تتفاعلي معها ولا تحاولي إثباتها أو نفيها بل تجاهليها، لأن مجرد الجدل يقوّيها بينما التجاهل يضعفها.

3_ حوّلي الانتباه فورًا، وذلك بفعل نافع مثل: قراءة ما تيسر من القرآن، التسبيح لوقت معين، القيام بواجب بيتي أو شخصي مثل (تحضير الطعام أو الشراب، تنظيف البيت، الاستعداد لزيارة قريب أو صلة رحم). ذلك أن التحويل الفوري يضعف تكرار الوسوسة.

4_ أكدي لنفسك أن الفكرة ليست اختيارك بل دخيلة، علّمي قلبك أن يرد: «هذه وسوسة، لا أعمل بها» وارجعي لما كنت بصدده من عمل أو ذكر أو صلاة أو غير ذلك.

ثالثا: تمرينات يومية لتقليل تكرار الوساوس (تناولها كعادة)

1_ المداومة على المعوذتين وآية الكرسي بعد الصلوات أو قبل النوم.

2_ تنظيم وقت للقراءة والذكر، خصصي أوقاتًا يومية قصيرة (مثلاً 10–20 دقيقة) للذكر أو القرآن دون محاولة محاربة الفكرة التي تراودك. الهدف بناء علاقة لطيفة مع الله تعالى، لا طلب إثبات للحقيقة.

3_ تمارين التنفّس عند القلق: 4 ثواني شهيق — 6 ثواني زفير، ويكرر 5 مرات. هذا التمرين يهدئ الأعصاب ويحدُّ من الوساوس.

4_ كتابة الوسواس: إذا تكرّرت ذات الفكرة، اكتبيها على ورقة ثم امسحيها. أحيانًا مسحها عن الورقة يساعد على محوها من العقل أو الحد من قوة حضورها.

رباعا: تناول المفيد من الأطعمة والأشربة، فتناول العسل مثلا له دور كبير الشفا من الأمراض العضوية والنفسية لا سيما الوسوسة، وكذلك ما ذكره القرىن الكريم من أنواع الطعام والشراب، كالعنب والتمر والرمان ولحوم الطير والأنعام والأسماك إلخ.

وللمزيد حول الموضوع يمكن الاطلاع على مقالة الأطعمة والأشربة في القرآن الكريم

رابعا: متى تحتاج لاستشارة نفسية/طبية؟

إذا كانت الوساوس مستمرة كثيرًا وتؤثر على النوم أو الدراسة أو على أداء الصلاة لدرجة الانقطاع أو الانهيار، وفي حال لم تجد الوسائل السابقة نفعا فالأفضل استشارة مختص (طبيب نفسي أو أخصائي سلوكي معرفي).

هناك حالات تُسمى ( OCD — intrusive thoughts  أفكار متسلطة/قهرية) تُعالج علاجًا سلوكيًا (CBT/ERP) وفي بعض الحالات بأدوية. هذا لا يقلل من الإيمان ولا يصف الشخص بأنه ضعيف الإيمان، بل علاج لعرض مزعج ومُقَاوَم.

رسالة أخيرة:

السائلة الكريمة: أنتِ لستِ خاطئة ولا منافقة لأنك تعرضتِ للوسوسة أو لأفكار مزعجة، لأن العبرة بما تقررين أن تفعليه. نسأل الله القدير أن يعينك على التخلص من الأفكار المزعجة وأن يبدلك طمأنينة وسكينة، إنه سميع مجيب.

تعليق واحد

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    انا فتاة بعمر الثامنة عشرة، ولدي عقبات كثيرة في التقرب ٳلى الله ، فترة انتظم في صلاتي وقراءة القرآن ومحافظة على أذكاري وعلى صلاة الوتر . وفترة أقطع الصلاة وبعض اوقات اصلي بعض الفروض بتكاسل واصلي فرض وفرض لا، وما اقرأ لا اذكار ولا ورد واحس نفسي تتقرب للمحرمات والعياذ بالله
    فوالله اني احب القرب من الله والدوام على عبادته لكن تأتي فترة كذا انتكاسة وفي هذه الفترة ابتعد عن الله كثيرا وبدأت اشوف الذنب عادي ولا اخاف
    فأنزعجت من نفسي وكل ما انتظم في الصلاة ارجع اتكاسل واصلي بعض الفروض وبتكاسل بشدة
    لذلك اود حل لهذا الوضع الي انا فيه، والله ضميري يأنبني كثيراً، اريد ان اكون صادقة مع الله،

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.