عندما رأى الله تعالى مواقف المسلمين المتردِّدة، نسخ _سبحانه_ الآية 65 من سورة الأنفال القاضية بإلزامهم محاربة العدو ولو كان أكثر منهم بعشر مرات، إلى ضعفين:
﴿الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا، فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ، وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ، وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال 8/ 66)
الامتحان هو اختبار الجهاد والصَّبر، وقد قال الله تعالى قبل ذلك:
﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ (الأنفال 8/ 65).
عندما لم ير الله تعالى من المسلمين الصَّبر والثَّبات اللَّازمين أمام جيش المشركين أنزل الآية المخفِّفة ليتحقَّق وعده الذي وعدهم إياه وهم في مكَّة.
لقد خفَّف الله تعالى التَّكليف على المسلمين، لكنَّ جيش مكَّة كان يفوقهم عددا وعدَّة بأكثر من مرتين، لذا أرى الله تعالى تعالى نبيَّنا في المنام أنَّهم أقلُّ من حقيقتهم. يقول الله تعالى تعالى:
﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ (يا محمد) اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً، وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ، وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (الأنفال 8/ 43)
أن يُريَ الله تعالى المسلمينَ قلةَ عددِ المشركين، والمشركينَ قلةَ عددِ المسلمين متعلٌّق بقرار فتح مكَّة الذي من المفترض أنَّه سيتحقَّق في معركة بدر. يقول الله تعالى:
﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا (فتح مكَّة) كَانَ مَفْعُولًا، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ (الأنفال 8/ 44)
نتعلَّم من الآية التَّالية مقدارَ ما أظهر الله تعالى للمسلمين من عديد جيش المشركين:
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ﴾ (آل عمران 3/ 13)
السبب الذي جعل الله تعالى المسلمين يرون جيش مكَّة ضِعفَي عددهم أنَّه كلَّفهم بقتال العدو ولو كانوا مثل عددهم مرَّتين. ولأنَّه بهذه الطريقة فقط يمكن أن يجرؤوا على الدُّخول في اختبار الصَّبر والجهاد. وربما كان ذلك السَّبب في قوله تعالى: (وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال 8/ 66). أمَّا تقليل المسلمين بأعْيُن الكافرين فقد كان لقطع المبرِّر لهروبهم من المواجهة (الأنفال 8/ 44). وهكذا يتم الله تعالى وعده بنصر المؤمنين.
*ما سبق جزء من مقالة أ.د عبد العزيز بايندر ( معركة بدر والقدر ) ولقراءة المقالة كاملة يرجى الضغط على العنوان.