حبل الله
النسيء والتقويم القمري

النسيء والتقويم القمري

السؤال:

قرأتُ موضوعًا عن التقويم الهجري أو القمري، ولا أعرف أيَّهما أصح في التسمية، لكني لم أفهم الجزء الخاص بالـ«نَسِيء». فما المقصود به؟ وهل صحيح أن التقويم الهجري الحالي خاطئ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من اعتمد هذا التقويم، بعد أن ألغى التقويم القديم الذي كان يُضاف فيه شهر كل ثلاث سنوات حتى تستقيم الشهور – كما فهمتُ – مما أدى إلى أننا لا نصوم رمضان في وقته الحقيقي؟! فهو يدور بين الفصول، حتى الأشهر الحُرُم التي حرَّم الله فيها الحرب والصيد لأنها موسم تكاثر الحيوانات والنبات، أصبحت هي الأخرى غير ثابتة!
وماذا عن عصر النبي ﷺ؟ هل كان يصوم رمضان مرة في الصيف وأخرى في الشتاء؟ وكيف كانوا يحسبون الشهور؟ لأن الله أمرنا أن نحسب الأيام والسنين، فهل هذه العملية الحسابية خاصة بعلم الفلك؟
أرجو توضيح هذا الموضوع، لأنه يُثار كثيرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وشكرًا مقدمًا.

الجواب:

موضوع النَّسِيء والتقويم القمري من الأمور التي تحتاج إلى بيان وتفصيل، وهو ما سأحرص عليه في النقاط التالية:

أولًا: ما هو التقويم الهجري (أو القمري)؟

التقويم الهجري هو تقويم قمري، يعتمد على دورة القمر حول الأرض. كل شهر يبدأ عند ظهور الهلال وينتهي عند اختفائه، وبذلك يتكون العام من 12 شهرًا قمريًا، وعدد أيامه 354  أو 355 يومًا. أي أنه أقصر من السنة الشمسية بـ 11 يومًا تقريبًا، ولهذا تدور الأشهر الهجرية عبر الفصول، فتارة يأتي رمضان في الصيف، وتارة في الشتاء.

ثانيًا: ما هو “النَّسِيء” الذي ورد في القرآن؟

قال الله تعالى:

﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ ‌زِيَادَةٌ ‌فِي ‌الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 37] 

النَّسِيء كان عادة جاهلية قبل الإسلام، حيث كان العرب يُؤخِّرون أو يُقدِّمون الأشهر الحُرُم حسب مصالحهم، فإذا أرادوا القتال في شهر حرام، قالوا: «نُؤَخِّر هذا الشهر ونُقدِّم غيره»، حتى يدور العام القمري مع السنة الشمسية، ويظل موسم الحج ثابتًا في وقت الحصاد والتجارة (أي في الخريف تقريبًا).
بعبارة أخرى: كانوا يُضيفون شهرًا كل ثلاث سنوات تقريبًا ليجعلوا السنة القمرية مساوية تقريبًا للسنة الشمسية، كما يفعل اليهود اليوم في تقويمهم.

ثالثًا: ماذا فعل الإسلام بهذا النظام؟

الإسلام أبطل النَّسِيء تمامًا، واعتبره زيادة في الكفر [التوبة: 37] وقد قال النبي ﷺ في خطبة الوداع:

“إِنَّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا…” (رواه البخاري)

أي أن الأشهر رجعت إلى ترتيبها الأصلي القمري، بلا زيادة ولا تأخير.

رابعًا: هل عمر بن الخطاب رضي الله عنه غيّر التقويم؟

كلا، عمر رضي الله عنه لم يخترع تقويمًا جديدًا، ولم يُلغِ شيئًا من دين الله. بل الذي فعله هو تنظيم بداية التأريخ الإسلامي. ففي عهد عمر احتاج المسلمون إلى تأريخ رسمي للرسائل والعقود، فاختاروا: الهجرة النبوية لتكون بداية للتقويم (سنة 1 هـ)، وقد استمروا على نظام الأشهر القمرية الأصلي الذي أقرّه النبي ﷺ.

إذًا: التقويم الذي نستخدمه اليوم هو نفسه النظام الذي كان في عهد النبي ﷺ، لكن مع تحديد البداية الزمنية له (الهجرة النبوية)

خامسًا: هل نصوم رمضان في وقته الصحيح؟

نحن نصوم رمضان في وقته الشرعي تمامًا، كما كان النبي ﷺ يصومه. وبما أن التقويم القمري أقصر من الشمسي، فإن رمضان يتنقّل بين الفصول، وهذا جزء من حكمة الله تعالى، لأن الصيام يمرّ على الناس في الحر والبرد، فيطهرهم في كل الأحوال. وكذلك الحج ينتقل عبر الفصول للغرض نفسه بالإضافة إلى تنويع التبادل التجاري بتغير فصول السنة.

سادسًا: ما هي “الأشهر الحُرُم” وهل تتغير عبر الفصول؟

الأشهر الحُرُم هي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، رجب. وهي تتغيّر فصولها أيضًا لأننا أشهر قمرية بينما الفصول تحددها الأشهر الشمسية. ومع ذلك فإن حرمة الشهور الأربعة لا تتأثر بتغيّر الفصول، فالله لم يربطها بمواسم النبات أو التكاثر، بل جعلها زمنًا للسلام وترك القتال تعظيمًا لشعائره.

سابعًا: كيف كانوا يحسبون الشهور قديمًا؟

كان العرب قديما يعتمدون على رؤية الهلال بالعين المجردة، لعدم علمهم بالحساب، واستمر الأمر كذلك في صدر الإسلام للسبب نفسه. قال تعالى:

﴿يَسْأَلُونَكَ ‌عَنِ ‌الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189] 

فالهلال هو العلامة الشرعية للحساب، فإن استطاع الناس حسابه فلكيا فبه ونعمت، وإلا فيعتمدون الرؤية المجردة . فعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ” (صحيح البخاري)

والحديث يشير إلى أنّ جماعة العرب في عهده صلى الله عليه وسلم كانوا أمّة أميّة، نسبة إلى الأمِّ أي الحالة التي ولدتهم عليها أمهاتهم من حيث عدم علمهم بالحساب، فلم يكلفهم الله تعالى في مواقيت عباداتهم ما يحتاج فيه إلى معرفة الحساب. إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ولهذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: “صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ” (صحيح البخاري)

فاعتماد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للرُّؤية نابعٌ من عدم معرفة العرب في عصره للحساب، فهو حكمٌ للضَّرورة وليس بأصل،

الخلاصة:

_ التقويم الحالي صحيح تمامًا وموافق للقرآن الكريم.

_ “النَّسِيء” عادة جاهلية أبطلها الإسلام.

_ عمر بن الخطاب لم يبدّل النظام، بل أقر بداية التأريخ بالهجرة النبوية فقط.

_ رمضان الآن في وقته الشرعي، حتى وإن تغيّر الفصل.

_ الأشهر الحرم ثابتة في ترتيبها لا في فصولها.

_ المعتمد في الحساب الديني هو الشهور القمرية، لا الشهور الشمسية.

 

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.