حبل الله
العمل في تجارة الألبسة النسائية المتكشفة الخاصة في الأعراس والحفلات

العمل في تجارة الألبسة النسائية المتكشفة الخاصة في الأعراس والحفلات

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتاة أعمل في بيع فساتين السهرات (أعراس وحفلات وجلسات) أونلاين، وأقوم بعرضها على صفحات عامة في الفيسبوك وتيك توك، فما الحكم الشرعي في هذه الأمور:

– هل يجوز بيع فساتين ضيقة أو لاصقة على الجسم، خاصة بين السرة والركبة؟ (مع علم أن الفساتين التي أبيعها طويلة وبها تفاصيل عدة لكن بحكم أن تجارتي من جملة فأنا احتار في اختيار موديلات)

– ما حكم بيع الفساتين الشفافة أو مفتوحة من الذراعين أو الأكتاف أو فيها فتحة صدر أو ظهر، أو مطرزة بشكل ملفت؟

– هل يلزم الفستان أن لا يكون منفوخًا أو فيه زينة تطريز لامع أو أي زينة تلفت النظر أو قصير إلى الركبة؟

– ما حدود عورة المرأة مع المرأة؟ خاصة أن الحفلات في ليبيا مفصولة بين نساء ورجال.

– وماذا لو اشترته الزبونة وارتدته في عرس مختلط، هل نتحمل ذنبًا؟

– هل يجوز عرض فساتين على مانيكان بدون رأس؟

– نستخدم الذكاء الاصطناعي أحيانا لعرض الفساتين، بأن أطلب منه أخذ فستان من موديل ووضعه على مليكان، لكن أحيانا يبين تفاصيل جسم الموديل كأنها حقيقية، فهل فيه حرج؟

– معظم الفساتين نأخذها جاهزة من جملة، وفيها عدة موديلات ضيقة وشفافة ومفتوحة… فما حكم بيعها؟

أنا حريصة أن يكون عملي حلالًا، بارك الله فيكم؟

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:

إن السؤال يحتوي على عدة نقاط، ولنبدأ بمسألة حدود العورة بين النساء التي بيَّنها تعالى في قوله:

﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ النّور (31)

وبما أن النساء والأطفال معطوفين على الأزواج والآباء والأبناء وآباء الأزواج وأبنائهم فينبغي فهم حد الزينة هنا على أنها التخفيف من الملابس فقط ولا يُقصد بها العورة الخاصة بين الزوجين ما بين الثديين إلى الركبة، وإنما المقصود بها تلك الملابس التي ترتديها المرأة عادة في بيتها أمام أبيها وإخوتها التي تكشف شعرها وفتحة أعلى الصدر وذراعيها ورجليها دون الركبتين، وهو ذاته ما يظهر بين النساء في حفلاتهن وجلساتهن الخاصة بعيدًا عن الرجال، وبالتالي فلا حرج فيها.

ليأخذنا الحديث عن شكل هذه الملابس من شفافيتها وتطريزها اللامع وفتحاتها وسواء أكانت ضيقة أو منفوشة، وبالطبع هي ملفتة للأنظار، وهذه وظيفتها التي صنعت من أجلها؛ إذ تحب الفتيات إبراز زينتهن وسماع عبارات الإطراء والمديح من أهلهن وصديقاتهن، وقد نُشئت البنات على حب الحلي والزينة وارتدائها واقتنائها مصداقًا لقوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ…﴾ الزخرف (18) وخاصة أن كثيرا من الفتيات يُخطبن في الحفلات إذا شوهدن من بعض الأمهات اللاتي يردن تزويج أبنائهن، ومن هنا فلا يستطيع أحد أن يُحرمها على النساء امتثالًا لأمره تعالى:

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ الأعراف (32).

أما بالنسبة لعرضها على صفحات مواقع التوصل الاجتماعي فينبغي أن يكون بحدودٍ بيّنها تعالى في كتابه حين قال:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النّور (19).

وعرضها بطريقة الذكاء الاصطناعي ربما ينطبق عليه إشاعة الفاحشة؛ ذلك لأن المجسمات التي يقوم بعملها – وكما جاء في السؤال –  تكاد تخيل إلى الناظرين إليها _من شدة تشابهها بجسم المرأة_ أنها حقيقة، ومن ثَم يجب اجتنابه، وذلك يكون عن طريق نشر صورها خالية من الموديل أو عرضها على مليكان سواء أكان برأس أو بغيره.

وإن قالت في نفسها أن ذلك ربما يقلل من فرص بيعها فلتتذكر وعد ربها سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بتوسيع الرزق لمن يتقيه:

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ الطلاق (3).

ويبقى السؤال عن حكم بيعها وشرائها والعمل فيها، فالسائلة الكريمة قد ذكرت نقطة هامة ينبغي الانطلاق منها في الحكم على هذه المسألة، وذلك حين قالت أن الحفلات في بلدها تكون مفصولة بين الرجال والنساء.

  • فإن كان العرف القائم حسب هذه البلاد أن تلك الملابس تباع بهدف محدد ألا وهو ارتداؤها بمعزل عن الرجال وليس بهدف إشاعة الفاحشة، مما يترتب عليه أن القائمين على تفصيل هذه الملابس وضبط مقاساتها على الفتيات هن نساء مثلهن فلا يستطيع أحد أن يُحرم بيعها: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ البقرة (275).

ولو اشترته بعض الفتيات وارتدينه في جمع مختلط مع الرجال فالإثم يقع عليهن وليس على البائع، مصداقًا لقوله تعالى:

﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ، ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ الأنعام (164).

  • أما إن كان العرف السائد في بلاد أخرى هو الاختلاط بين الرجال والنساء في الأعراس والحفلات، فهنا ينبغي أخذ الحذر والحيطة بأن ينظر الإنسان إلى نيته: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ القيامة (14) فإن كانت النية إشاعة الفاحشة والعُري تحت ستار الحريات ومواكبة العصر فهنا يقع المصممون في الإثم مصداقًا لقوله تعالى:

﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ النحل (25)

وإن كانت النية بيعها للنساء والفتيات لارتدائها في الحفلات الخاصة فينبغي أن يُعلَن ذلك، بأن يكتب على المحل أنه يوجد به قسم للمحجبات مخصص لبيع ملابس الحفلات والأعراس غير المختلطة وأن المحل غير مسؤول إذا أُخذ بهدف آخر، وأن يتم تذكير الزبائن أن الملابس لا تصلح لارتدائها علانية، بالإضافة إلى وجود الشرط نفسه بأن تكون النساء هن القائمات على هذا العمل.

وإن كان لا يستطيع تجنب الشبهات فالأولى له ترك العمل في تلك الملابس والاكتفاء بملابس أخرى تجنبًا للوقوع في الحرام امتثالًا لنهيه تعالى:

﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ… وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ الأنعام (151)

الباحثة: شيماء أبو زيد

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.