السؤال:
أنا فتاة في الثالثة والعشرين من عمري، أمرُّ بتخبطات كثيرة على الصعيد الصحي والاجتماعي والمهني. أحيانًا أشعر أنني بلا نصيب من هذه الدنيا، ومع ذلك فأنا شاكرةٌ لنعم الله عليّ، لكن لا أنكر أنني أشعر أحيانًا بأن ما لديّ من النعم أقلّ مقارنةً بمن هم في مثل سني. لقد حظيتُ بتعليم ممتاز، ودائمًا أحب تطوير نفسي ومهاراتي وشخصيتي، لكنني مع ذلك أواجه باستمرار عقبات ومشكلات في طريقي.
أحاول تكوين صداقات مع فتيات صالحات، لكن غالبًا ما ينتهي الأمر بحسدهن لي أو عدم تمنيهن الخير لي، بل وإنكار ما أقدمه لهن من معروف. كما أن مشاكلي العائلية كثيرة، فلا أجد راحتي التامة في المنزل، ومعظم إخوتي غير متزوجين ولا موظفين، وبعضهم يعاني من مشكلات نفسية أو صحية. ولأبي دور كبير في ما وصلنا إليه من ضعف مادي وفشلٍ لدى إخوتي، وأعلم أن الله سيحاسبه، لكنني أتساءل: ماذا بوسعي أن أفعل الآن؟
لقد سعيت منذ فترة للبحث عن وظيفة ولم تتيسر لي رغم أخذي بكل الأسباب. كما وضعت خطة بديلة وعملت عليها، لكنها فشلت أيضًا ولم أحقق منها المال المطلوب رغم استمراري وعدم استسلامي. مشاعري متقلبة؛ فأحيانًا أطمئن نفسي بأنها فترة مؤقتة وستتغير الأحوال، وأحيانًا أخرى أصطدم بالواقع فأشعر أنه لا نصيب لي في عائلة تكون سندًا حقيقيًا لي، ولا في صديقات يدعمنني ولو معنويًا، ولا في تقديمات وظيفية تنتهي بتوظيف، ولا حتى في خطط بديلة تُغنيني عن الوظيفة ولو مؤقتًا.
أعلم أنني ما زلت صغيرة في العمر، وأن الخير والرزق قد يأتيانني مستقبلًا بإذن الله، لكنني أتساءل: كيف أتحمل كل هذا؟ أشعر يوميًا بالضغط رغم أنني أصلي وأتصدق وأحاول مساعدة الآخرين، مع أنهم لا يمدون لي يد العون عند حاجتي، وأدعو الله دائمًا.
الجواب:
شكرًا لمشاركتك هذا السؤال، فهذا النوع من التجربة يعبّر عن حال كثير من الفتيات والشباب في سنّك، لذلك من المفيد أن تكون الإجابة عامة ومختصرة وفي الوقت نفسه واقعية وداعمة كما يلي.
أولًا: ما تمرّين به من عقبات نفسية واجتماعية ومهنية يدخل في باب الابتلاء، وهو سنّة إلهية في حياة المؤمنين، قال تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].
فالمؤمن يُختبر ليتبيّن صدقه وثباته، لا ليُحرم الخير.
إن شعورك بالضغط وكثرة العقبات لا يعني أن حياتك بلا نصيب من الخير، بل يعني أنك في مرحلة ابتلاء وصقل لشخصيتك وإيمانك. وهذا يتطلب المزيد من العمل والصبر والتوكل.
ثانيًا: الشعور بقلة النعم مقارنة بالآخرين يُعالَج بالتذكّر أن النعم مقسومة وليست متساوية، قال تعالى:
﴿نَّحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: 32].
فربما يكون لديك من النعم ما يتمناه الآخرون لأنفسهم. فالمهم أن يرضى الإنسان بما آتاه الله تعالى:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: 32]
وهذا لا يعني توقفه عند ما في يديه، بل يسعى للأفضل مستعينا بالله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]
ثالثًا: بخصوص تقلّب الخطط وفشل المحاولات: هذا لا يعني انعدام الرزق، بل هو صورة من صور تأخير الإجابة لحكمة يعلمها الله تعالى، فواجبك هو الاستمرار في الأخذ بالأسباب مع اليقين أن النتيجة بيد الله تعالى.
رابعًا: معاناة الأسرة أو قلّة السند البشري ليست حرمانًا، بل هي فرصة للاتكال الحقيقي على الله، قال تعالى:
﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾ [آل عمران: 160]
فالاعتماد على البشر قد يخذل، لكن الاعتماد على الله لا يخذل أبدًا. فلا تجعلي إحباطك من الناس سببًا في فقدان الأمل أو حسن الظن بالله تعالى.
ولا تنسي واجبك تجاه أسرتك، لأنه يمكن لأصغر أفراد العائلة أن يشيع جوا من المودة والرحمة فيها بابتسامته الصادقة وهدوئه وعطفه، فلتكوني الأمل للعائلة بالتغيير إلى الأفضل، فقد أصبحتِ في عمر يمكنك من تقديم العون والمساعدة النفسية لعائلتك التي قد تمر بظروف اقتصادية واجتماعية تجعلها غير قادرة على توفير الحياة التي تطمحين إليها، وهنا يأتي دورك لتخفيف العبء عن عائلتك بإظهار التعاطف والمودة تجاههم. قال الله تعالى:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23-24]
خامسًا: من الناحية النفسية والشرعية، ما يخفف الضغط هو الجمع بين الصبر والعمل:
الصبر ليس الانتظار، وإنما التصميم ومواصلة العمل: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [النحل: 127].
وهذا يقتي الاستمرار في السعي، وتطوير المهارات، والبحث عن أبواب بديلة للرزق. أهم ما يساعدك على التحمل هو إعادة ضبط التفكير فكل يوم هو فرصة جديدة لبداية مختلفة ولو بخطوة صغيرة، وذكّري نفسك أن الله قد يدخر لك خيرًا أعظم مما تطلبين الآن. قال تعالى:
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132]
الخلاصة:
أنتِ على الطريق الصحيح بالصلاة والدعاء والأخذ بالأسباب، فذلك هو زاد المؤمن في طريق الابتلاء. اجعلي يقينك أن ما عند الله أعظم من كل ما فاتك، وتذكري قول النبي عليه السلام:
«واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا» (رواه أحمد).


أضف تعليقا