حبل الله
الخطأ الذي ارتكبه المسلمون يوم بدر

الخطأ الذي ارتكبه المسلمون يوم بدر

بعد كلِّ هذا الدَّعم دخل المسلمون في المعركة ضد جيش مكَّة، وقد أسفرت المعركة عن مقتل أبي جهل الذي كان يقود جيش مكَّة وسبعين آخرين، بينما قضى من المسلمين 14 شهيدا. في تلك الأثناء كان على المسلمين أن لا يفقدوا الصَّبر، وأن يتصرَّفوا بشكلٍ سليم بحسب ما تقتضيه الآيات، فيواصلوا ملاحقة الفارِّين باتجاه مكَّة حتَّى يدخلوها فاتحين. لكنَّهم فضَّلوا القبض على العديد من المُنهزمين واقتيادهم أسرى إلى المدينة طمعا في الفداء، وقد فعلوا ذلك بالرُّغم من نزول قوله تعالى قبل واقعة بدر:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (الأنفال 8/ 15- 16)

﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ (الأنفال 8/ 57)

بالرُّغم ممَّا تلقَّاه المسلمون من عون وتأييد من الله تعالى في بدر إلا أنَّهم فشلوا في امتحان الصَّبر. علمنا ذلك من قوله تعالى:

﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا، وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ، وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال 8/ 67)

من المعلوم أنَّ الله تعالى لا يكلِّف نفسا إلا وسعها (البقرة 2/ 286). وقد كان تحميل المسلمين وعلى رأسهم النَّبيّ المسؤوليَّة عن أخذ الأسرى قبل الإثخان دليلٌ على أنَّ الآية 4 من سورة محمَّد قد نزلت قبل معركة بدر، تلك الآية التي لم يلتزمْها المسلمون مفضِّلين أخذ الأسرى، بينما كان الله تعالى يريد منهم القضاء على قوة الكافرين تماما. وقد بيَّن الله تعالى إرادته تلك بقوله:

﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ[1] أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ (الأنفال 8/ 7)

لهذا قد وضع الله من قبلُ القاعدةَ التَّالية للحرب:

﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ…﴾ (محمد 47/ 4)

لقد ارتكب المسلمون الذين شاركوا في معركة بدر، وعلى رأسهم نبيُّنا ، خطيئتين عظيمتين من خلال العمل بما لا يتوافق مع هذه الآيات. أوَّلُها عدم تتبُّع فلول المشركين حتى دخول مكَّة، وثانيها أخذهم الأسرى قبل الإثخان. لهذا السَّبب لم يُصدر الله تعالى أمرَه لفتح مكَّة لعدم تحقيق المسلمين شروط الفتح. ولو تحقَّقت إرادةُ الله تعالى لانتهت شأفة مشركي مكَّة يومها. ولـمَّا كان هناك معارك كأُحُد والخندق، ولم يكن ليتبقَّى أيُّ حاجة لصلح الحُديبية.

وهنا لا بدَّ من عرض التّحريف الذي لحق بمصطلح إرادة الله تعالى، وفيما يتعلَّق بهذا الموضوع يقول عمر نصوحي بيلمان:

إرادة الله تعالى أزلية. يخلق الله ما أراده بهذه القدرة من الإرادة وفقًا لحكمته، وكلُّ ما يريده يحصل[2].

وهذا الفهم مخالف للقرآن؛ لأنَّ إرادة الله لا تتحقَّق إلا إذا أصدر الأمر بقوله “كن”. يقول الله تعالى:

﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (يس 36/ 82)

إرادة الله تتحقَّ عند تحقُّق المقادير اللازمة، فإن اكتملت صورة المقادير تنفذْ إرادة الله، وإن لم تتحقَّق لا تنفذ. وهذا هو القانون الذي أنشأه الله بعلمه وحكمته.

بالرُّغم من الخطأ الجسيم الذي ارتكبه المسلمون في معركة بدر، إلا أنَّ الله تعالى أوفى بوعده الذي قطعه في الآيات الأُوَل من سورة الرُّوم، فنصرهم على عدوِّهم. علمْنا ذلك من الآية التَّالية:

﴿لَّوْلاَ كِتَابٌ[3] مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (الأنفال 8/ 68)

يرِد التَّعبير “عَذَابٌ عَظِيمٌ” في 14 آية قرآنيَّة، وقد جاء سبعةٌ منها بحقِّ الكافرين، واثنتان بحقِّ المنافقين، وخمسٌ بحقِّ مرتكبي الذُّنوب الكبيرة من المؤمنين[4]. والآية السَّابقة هي واحدة من الخمس الأخيرة.

وقد أنزل الله تعالى ما يُفْرح المسلمين بعد طول العتاب لهم، وتمثَّل بإذنه في أخذ الفدية من الأسرى، وذلك في الآية التَّالية:

﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأنفال 8/ 69)

كما يُرى فإنَّ كسب الحرب لا يعني بالضَّرورة النَّجاح في الامتحان. والشيء الذي يضمن النَّجاح في امتحان الدُّنيا هو الثَّبات على الحقِّ وبذل كامل الوسع في تنفيذ أوامر الله تعالى.

*ما سبق جزء من مقالة أ.د عبد العزيز بايندر ( معركة بدر والقدر ) ولقراءة المقالة كاملة يرجى الضغط على العنوان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] انظر (الإسراء 17/ 16- 17)

[2] عمر نصوحي بيلمان، Büyük İslam İlmihali، صفات الله تعالى.

[3] هو الوعد المكتوب في الآيات الأُول من سورة الرُّوم القاضي بنصر الله للمؤمنين في التزامن مع هزيمة الرُّوم للفرس.

[4] انظر الأنفال 8/ 68، النحل 16/ 94، النور 24/ 11 و 14 و 23

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.