كان على المسلمين أن يتوبوا إلى الله تعالى من ذنبين؛ الأوَّل عدم ملاحقة فلول المشركين، والثَّاني اتِّخاذهم الأسرى قبل الإثخان. والتَّوبة تقتضي ترك الذَّنب، والعزم على عدم العودة إليه، وبذل الوسع في تصحيح ما ترتَّب على ذلك الذَّنب. يقول الله تعالى:
﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأنعام 6/ 54)
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ[1] ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النحل 16/ 119)
وعلى ضوء هذه الآيات التي تفتح بابا للتَّوبة كان لا بدَّ من شعور المسلمين وعلى رأسهم النَّبيُّ بالنَّدم على ما فعلوا، وأن يعزموا على عدم تكرار هذا الفعل، وأن يبدؤوا بالعمل الجادِّ لتصحيح الخطأ؛ وذلك بفعل ما بوسعهم لفتح مكَّة.
لا يمكن تصوُّر أنَّ الآيات التي تُظهر فشل المسلمين في امتحان بدر لم تصل مشركي مكَّة، خاصَّة أنَّ العدو يحاول معرفة كلِّ شيء عن عدوِّه.
*ما سبق جزء من مقالة أ.د عبد العزيز بايندر ( معركة بدر والقدر ) ولقراءة المقالة كاملة يرجى الضغط على العنوان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كلمة “بجهالة” يفسرها البعض بعدم العلم، والصحيح تفسيرها بالتجاهل، ذلك أن من يعصون الله لا يعصونه لنقص في العلم بل تغافلا عما أمر الله تعالى به ونهى عنه، ويؤيد هذا الفهم ما جاء في سورة يوسف (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (يوسف 12/ 33) أي من المتجاهلين لنهيك عن الاقتراب من الزنا، لأنه خاف أن لا يتمالك نفسه تجاه إغراء امرأة العزيز وصديقاتها. ولأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها فإن الجهالة الواردة في الآية أعلاه لا يمكن أن تُفسر بعدم العلم، لأن عدم العلم يخرج عما في وسع الإنسان.