السؤال:
موقعكم الكريم أصبح عندي كالماء و الهواء وأخرجني من الظلمات إلى النور، طبعا بفضل الله، ودائمًا أود من وقت لآخر أن أعلق بتعليق شكر واعتزاز وأدعو لكم بالتوفيق.
لي سؤال بخصوص أسماء الله الحسني فقد سمعت من يقول أن لله تعالى اسمين فقط وهما (الله – الرحمن) وليس تسعة وتسعين، وأنها عبارة عن صفات لله لا أسماء، وهذه الصفات يمكن أن تطلق على غير الله مثل أن نقول فلان الكريم مع الضيوف، أو فلان الصبور على العمل، فلان الرحيم مع الضعفاء…. إلخ
وأرى أن هذا الكلام منطقي جدًا ولكن استوقفتني آية: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الأعراف: 180]
فالله تعالى ذكر الأسماء بصيغة الجمع ولا يمكن أن نقول أن الآية تعني الصفات لأنه لا ترادف بين كلمة صفات وأسماء فكلاهما كلمتان مختلفتان في المعنى! فهل يمكن توضيح هذه النقطة. في انتظار الإجابة، تحياتي لكم وشكرًا مقدمًا.
الجواب:
نشكر السائلة الكريمة على ثقتها في موقعنا وبالطبع هذا من فضل الله علينا وعلى الناس، و﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ وما أخرجها من الظلمات إلى النور هو اتباعها للنور الذي أنزله رب العالمين في كتابه مصداقًا لقوله:
﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ المائدة (16).
وبالنسبة للأسماء الحسنى، وكما يبدو من اللفظ أن الله سبحانه وتعالى له أسماء حسنى وليس اسمين فقط، وربما من قال أن لله تعالى اسمين قد نظر في قوله:
﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ، أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ الإسراء (110)
وظن أنه تعالى (الله والرحمن) وبقية الأسماء ما هي إلا صفات. ولكن هذا الكلام ليس صحيحًا بدليل دوام الآية نفسها: ﴿فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ والآيات الأخرى في قوله:
﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ طه (8)
وقوله: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ الحشر (24)
والآية التي استشهدت بها السائلة:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ، سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الأعراف (180)
وسوف نوضح الحكمة من اختصاص هذين الاسمين ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ﴾.
الفرق بين الاسم والصفة
وكما ذكرت السائلة الكريمة فإن هناك فرقًا بين الاسم والصفة، ولو أراد سبحانه وتعالى أنها صفات فقط وليست أسماء لقالها صراحة، وخاصة أن لفظ الوصف ليس غريبًا عن القرآن كقوله تعالى:
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا، فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ الأنبياء (22)
ولكن هذا لا يمنع أن هناك أسماء كثيرة تحمل الصفات في آن واحد وخاصة في جنب الله تعالى.
فعلى سبيل المثال قد يُسمي الشخص ولده بمحمود أو كريم تيمنًا بهذا الاسم، ولعل ولده يكون كثير الحمد أو كريمًا في عطائه، وكمن يُسمي ابنته نعمة تعبيرًا عن شكره لربه أن أنعم بها عليه وتكون نعم البنت. وربما يحدث ذلك بالفعل بأن يتحلى الابن بكثرة الحمد والكرم وتكون البنت نعمة بخصالها الحميدة، وربما لا يحدث فنجد الاسم محمودًا أو كريمًا وفي الحقيقة وصفه جاحدًا أو بخيلًا… إلخ.
وقد يوصف الشخص ببعض أسمائه تعالى التي تحمل الصفات كما جاء في وصف الرسل والأنبياء والمؤمنين بصفة عامة كقوله عن إبراهيم:
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ هود (75)
وقوله عن يوسف: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ يوسف (55)
وقوله عن خاتم النبيين: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة (128) ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ الفتح (29)
أسماء الله الحسنى دائمًا تعكس صفاته
أما إذا جئنا لأسماء الله الحسنى فإنها دائمًا تعكس صفاته جل جلاله؛ لأنه هو من سمى نفسه، وهو أعلم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى. بخلاف الإنسان إذ قد يسميه والداه “كريما” لكنه قد لا يكون كذلك عند بلوغه. وقد وقع أكثر الباحثين في الخطأ الكبير عندما خلطوا بين الأسماء والصفات بل الأشد من ذلك حين جعلوا من الأفعال أسماء لله جل جلاله، كما جعلوا له تعالى اسما خفيًا لم يعلمه أحدًا من خلقه قد استأثر به في علم الغيب عنده! والحق لا نعلم كيف يستأثر تعالى ببعض الأسماء ثم يقول ادعوه بها؟!
الإلحاد في أسماء الله تعالى
ومن هنا نشأ بما وصفه الله تعالى بالإلحاد في أسمائه وهو ما حذرنا منه في قوله:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ، سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الأعراف (180)
ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك:
- أولها القول الأشهر أن: (لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة) وقيل في معنى الإحصاء حفظها، أو التحلي والعمل بها، أما عن حفظها فسهلة ميسرة يحفظها ويرددها الصغار قبل الكبار، وأما عن العمل بها فكيف السبيل إليها؟ فإن تحلينا بالرحمة والعدل وعملنا بمقتضاتهما، فكيف نتحلى ونعمل بالقدوس والأول والآخر والظاهر والباطن والصمد ومالك الملك وذي الجلال والإكرام؟!
- ومن الأمثلة على إطلاق الأفعال على الأسماء، قولهم أنه تعالى الخافض الرافع والمعز المذل والمقدم والمؤخر والمنتقم! فمن المؤكد أنه تعالى القادر على ذلك:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ، إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ آل عمران (26) ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ البقرة (245) ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ إبراهيم (47)
ولكنه لم يقل عن نفسه أنه المنتقم. أو الضار وهو الذي لا يندرج تحت وصف الحسنى في شيء، ولا يندرج حتى تحت مسمى الصفات فقال تعالى:
﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الأنعام (17)
فلم يقل أنه الضار! فالانتقام والضر كاللعنة والغضب والعذاب التي هي من أفعاله تعالى المترتبة على عصيان عباده، ولا ينبغي أن تنسب إليه كأسماء حسنى، والدليل على ذلك قوله تعالى:
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ الحجر (49: 50)
فعند الرحمة والمغفرة جاء بصيغة الاسم الذي يعكس الصفة، فالغفور والرحيم من أسمائه الحسنى، ولكنه عند العذاب لم يقل أنه (المُعذب) وإنما قال: ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾.
ومن ثم فلا ينبغي أن ننحت من الأفعال المنسوبة لله تعالى أسماء له إلا ما ذكره تعالى كالمصور الذي هو اسم من أسمائه:
﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ الحشر (24)
وقد اشتق منه فعل من أفعاله حين قال: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ، لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ آل عمران (6).
اختصاص اسمي (الله والرحمن) في الدعاء بهما
وإذا جئنا إلى الحكمة من اختصاص اسمي (الله والرحمن) في قوله: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ، أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ فذلك لأن هذين الاسمين يشملان كل الأسماء والصفات والأفعال لرب العالمين. وليس كما يقال بأن اسم الرحمن مشتق من الرحمة وأنه صيغة مبالغة أكثر من الرحيم، أو أن الرحمن لكل الناس والرحيم خاص بالمؤمنين، والحق أنه الرحيم بالمؤمنين: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الأحزاب (43) والرحيم بعباده والناس أجمعين: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ الإسراء (66) ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ الحج (65)
فاسم الرحمن لم يأتِ مقترنا باسم من أسمائه تعالى سوى الرحيم كقوله: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾ الفاتحة (1) وقوله: ﴿وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ، لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ﴾ البقرة (163) ولكن هذا فيما إذا تعلق الأمر بالرحمة، أما ما سوى ذلك فقد جاء في مواطن كثيرة غير متعلق بالرحمة:
- كما في قوله تعالى على لسان الخليل:
﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ مريم (45)
وقوله: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ﴾ يس (23) فالرحمن هنا جاء متعلقًا بالعذاب وإرادة الضر،
وكذلك جاء في الحديث عن أشد العصاة: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا. ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا﴾ مريم (68: 69)
وجاء في عقاب المضلين: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا، حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا﴾ مريم (75)
وهذا يدل على أن الرحمن غير مشتق من الرحمة كالرحيم، وأنه تعالى حين يريد من ذكره الرحمة فلا بد أن يقترن باسمه الرحيم: ﴿الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾ الفاتحة (3).
- والرحمن هو الاسم الوحيد بعد (الله) الذي جاء متعلقًا بالاستواء على العرش: ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ طه (5) ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ، الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ الفرقان (59)
- والذي أضيف إليه الخلق: ﴿هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ لقمان (11) ﴿مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِنْ فُطُورٍ﴾ الملك (3) والنفى هنا بوجود أي خلل في (خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ) دليل على عظمة الاسم حين يتعلق الأمر بالخلق.
- وهو الاسم الذي سُميت به سورة قرآنية، حيث تعددت آلاء ونعم الرحمن فيها سواء في الدنيا أو الآخرة: ﴿الرَّحْمَٰنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ….﴾ الرحمن (1: 5).
- وجاء كذلك كثيرًا في نفي الولد: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدً. وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا﴾ مريم (91: 93) فنفي الولد في سياق ذكر اسم الرحمن يُشعر بمدى قوته تعالى وعظمته واستغنائه عن وجود الولد.
- وهو الاسم الذي يستعاذ به عند الخوف والذي يستعان به عند الصبر، فقال تعالى على لسان السيدة مريم: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ مريم (18) وقال على لسان نبينا الكريم: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، وَرَبُّنَا الرَّحْمَٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ الأنبياء (112)
- وهو الرجاء في الإذن بالشفاعة: ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ طه (109).
- وجاء في تدبير شئون خلقه كقوله: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ، بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ الأنبياء (42) وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ، مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ،… أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَٰنِ…. قُلْ هُوَ الرَّحْمَٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ الملك (19: 29).
- وجاء متعلقًا بالآيات والذكر: ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾ فصّلت (2) ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ الزخرف (36).
- كما جاء في الترهيب والترغيب كقوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا. وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ الفرقان (63) وقوله: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ…. وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ الزخرف (36: 45)
- والرحمن من تخشع له الخلائق: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ، وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ طه (108) ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَٰنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا﴾ النبأ (37) ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾ النبأ (38).
والأمثلة على ذلك كثيرة، والملاحظ في كل الأمثلة التي سيقت أن اسم الرحمن قد ذُكر متفردًا ولم يأتِ كغيره من الأسماء الحسنى متعلقًا باسم آخر ما عدا الرحيم، وهذا يدل على شمولية اسم (الرحمن) كاسم (الله) تمامًا وأن كليهما اسم جامع للوعد والوعيد لمن أراد أن يدعوه ﴿رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ فيدعو به المؤمن المحسن ويخشاه: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ ق (33)
﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾ مريم (61)
ويخافه ويرهبه العاصي المسيء: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ يس (52) ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا﴾ مريم (69)
ولذا قال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ الإسراء (110).
وختامًا:
إن لله سبحانه وتعالى أسماء حسنى ذكرها في كتابه في الكثير من آياته، سواء أكانت في أعقاب الآيات كقوله: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ الأنعام (13) أم كانت في آيات منفصلة كقوله:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ، يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ الحشر (24)
وكل أسمائه حسنى، وأنه ينبغي علينا التأدب والالتزام بما ذكره تعالى عن نفسه من اسم أو وصف أو فعل والتأسي في ذلك بالملائكة:
﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ البقرة (32)
إذ أنه مهما بلغ البشر من العلم فإنه: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
ولا يدرك الناس ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أن يجعلوا له تعالى اسمًا أو وصفًا من عند أنفسهم فهو سبحانه: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ الأنعام (103)
ولذلك حذرنا سبحانه من الإلحاد في أسمائه: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الأعراف (180).
الباحثة: شيماء أبو زيد


ربنا يباركلك و يزيدك من فضله و علمه
شرع ممتاز كالعادة استاذه شيماء بارك الله فيك