كانت قبيلة قريش المتمكِّنة في مكَّة المكرَّمة تذهب سنويا في رحلتين تجاريَّتين؛ إلى اليمن والحبشة شتاءً، وإلى فلسطين والشَّام ومصر والعراق صيفا. وتنصُّ السُّورة التي تحمل اسمَ قريش على أنَّها كانت تحظى بالاحترام في كامل المنطقة، سواء على المستوى التِّجاري أو المكانة الدِّينيَّة، كما أنَّها كانت تتمتَّع بالأمْن:
﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ. إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ (قريش 106/ 1- 4)
لقد كانت قريش آمنة تماما، لكنَّ محطَيها لم يكن كذلك. علمْنا ذلك من خلال الآية التَّالية:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ، أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ (العنكبوت 29/ 67)
كانت قافلة لقريش برئاسة أبي سفيان عائدةً من الشَّام إلى مكَّة، وكانت القافلة مكوَّنة من 1000 بعير. في تلك الأثناء انتشر خبر خروج الرُّوم لمحاربة الفُرْس. وتنصُّ الآيات 1- 6 من سورة الرُّوم أنَّ الرُّوم سينتصرون في تلك المعركة، كما تشيرُ إلى أن انتصارهم سيكون موعدا لنصر الله تعالى للمسلمين؛ حيث سيفرحون بتأييد الله لهم. لقد عايش أهلُ مكَّة المشكلة الأمنيَّة الأولى في تاريخهم، حيث ترقَّبوا خسارة القافلة بل ضياع مكَّة من أيديهم، لذلك سارعوا بإعداد جيش انضم إليه كلُّ قادر على القتال أو المساعدة فيه.
لم يكن المسلمون على علم بجهوزيِّة جيش مكَّة، وقد خرجوا على أمل أن يعينَهم الله تعالى للإستيلاء على القافلة. لكنَّهم وجدوا أنفسهم في مقابلة جيش مكَّة. علمْنا ذلك من خلال الآية التَّالية:
﴿إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ، وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال 8/ 42)
تقع بدر على بعد 160 كم إلى الجنوب الغربي من المدينة، على بعد 30 كم من البحر الأحمر، وقد كانت عبارة عن قرية صغيرة تقع على الطريق بين مكَّة والمدينة، وهي الطَّريق التي تسلكها القوافل إلى الشَّام ومنها. وحتى لا تقع القافلة في كمين المسلمين سلك أبو سفيان بها طريقا على ساحل البحر الأحمر بعيدا عن بدر، ونادرا ما تسلكه القوافل. ومن هنا يتبيَّن أنَّ القافلة كانت أقلَّ قوة من المسلمين. أمَّا التقاء الجيشين في بدر فكان بسبب خروجهما من أجل القافلة؛ فقد خرج جيش المسلمين للسَّطيرة عليها، أمَّا جيش قريش فلحمايتها.
*ما سبق جزء من مقالة أ.د عبد العزيز بايندر ( معركة بدر والقدر ) ولقراءة المقالة كاملة يرجى الضغط على العنوان.