السؤال:
هل هناك عقوبة لرمي المحصنين بالزنا كما هي عقوبة رمي المحصنات التي ذكرها الله تعالى في سورة النور؟ وشكرا لكم
الجواب:
القذف محرم بحق أي محصن أو محصنة، لأن مبدأ الإساءة للآخرين محرم، لكن هل الحد يجب في الحالتين، أي في حال قذف المحصنة وفي حال قذف المحصن؟. هناك رأيان أعرضهما باختصار:
الرأي الأول:
يرى جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة أن حد القذف يشمل قذف الرجل المحصن كما يشمل قذف المرأة المحصنة، واستدلوا بقوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 4]
قالوا إن “المحصنات” في الآية لا تعني الاقتصار على النساء فقط، وإنما جاء التعبير بصيغة النساء تغليبًا، أو باعتبار الأكثر وقوعًا، والرجال يدخلون فيها بطريق القياس أو التعميم من نصوص أخرى.
يقول الكاساني (ت: 587هـ): “وأما شرائط وجوب الحد، فهي شرائط في المقذوف، وهي خمسة أشياء: أن يكون مسلمًا، حرًا، عاقلًا، بالغًا، عفيفًا عن الزنا. فهذه شرائط وجوب الحد للقاذف… ولا فرق في المقذوف بين أن يكون رجلًا أو امرأة، لأن الكل في معرض العار والشنار، فوجب أن يستووا في دفعه وحدّه.[1]”
الرأي الثاني:
وهو منسوب إلى بعض أهل الظاهر وبعض الفقهاء المتأخرين الذين قالوا إن حد القذف خاص بمن قذف امرأة محصنة فقط، مستدلين بظاهر النص:
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾
فقالوا إن الله لم يذكر الرجال، فلا يشملهم الحكم. وقد استندوا إلى أدلة ظاهرة من القرآن، مع تعليلات لغوية، ومن أبرز ما اعتمدوا عليه:
1_ ظاهر نص القرآن الكريم
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 4]
الآية ذكرت “المحصنات” بصيغة جمع المؤنث السالم، وهو خاص بالنساء، ولم تذكر المحصنين (الرجال).
وقالوا إن هذا التخصيص في اللفظ يدل على اختصاص الحكم بالنساء، لأن الخطاب للنساء لا يشمل الرجال في عرف اللغة العربية، وأن الله لو أراد تعميمه على الرجال والنساء لقال: “المحصنين” أو “المحصنات والمحصنين”.
2_ أن القذف في الغالب يقع على النساء
قالوا إن الشريعة إنما رتّبت هذا الحد لحماية عِرض المرأة؛ لأنها أكثر من يُقذف، وهي التي قد تتعرض للعار والضرر الاجتماعي والأخلاقي الكبير بسبب القذف، بخلاف الرجل.
3_ عدم وجود نص صريح في قذف الرجل
قالوا: لم يرد في القرآن ولا في السنة نص صريح في حد من قذف رجلًا، ولم ينقل عن النبي ولا عن الصحابة انهم أقاموا حدا على من قذف رجلا، وهذا أصل في التخصيص عندهم، فبقي الحكم خاصًّا بمن ذُكر (وهن النساء).
لكن أصحاب هذا الرأي لا يقولون بأن قاذف الرجل لا يعاقب، بل يعاقب تعزيرا لا حدا. والتعزيز عقوبة يقدرها القاضي تتناسب مع أثر الجريمة في المجني عليه، وتكون دون الحد.
الترجيح:
الرأي الثاني موافق للنص القرآني[النور: 4] أكثر من الرأي الأول، ويعزز هذا أن القرآن الكريم أحاط المرأة بمزيد من الحفظ بتشريعاته المختلفة، وهو المشار إليه في قوله تعالى:
﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: 34]
فيكون حد القذف مما حفظ الله تعالى به عرض المرأة. وهذا لا يعني أن عرض الرجل مستباح، بل يأثم قاذفه ويعاقب تعزيرا لا حدا.
وقد وصف الله تعالى المرأة في القرآن بالمحصَنة، فهي محصنة بأن حصَّنها الله تعالى بمزيد من التشريعات لحمايتها، كما أنها بعد الزواج تكون محصَنة بزوجها، لذلك وصفت الآية التالية الزوجة بالمحصَنة (بصيغة المفعول) بينما وصفت الزوج (بالمحصِن) بصيغة الفاعل:
﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 5]
كما أنه لم يرو عن النبي ولا الصحابة أنهم أقاموا حدا على من قذف رجلا، وهذا مؤشر آخر على أن حد القذف خاص بالنساء دون الرجال. فلو كان يشمل الرجال لنُقل إلينا تطبيقا نبويا أو من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
والله تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] بدائع الصنائع، ج7، ص 65 – طبعة دار الكتب العلمية