السؤال:
عندي سؤال بخصوص سورة “عبس” . من هو الذي عبس وتولى؟ لقد درسنا ونحن صغار أنه النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن الآن هناك من يقول أنه إما عثمان بن عفان أو أبو لهب، لأن العبوس ليس من أخلاق الرسول الذي قال الله عنه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4] ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159] ، فكيف يعبس في وجه أعمى؟ هل ممكن التوضيح ؟
الجواب:
التفسير المشهور المعتمد عند جمهور المفسرين والمتفق مع سياق الآيات أن الذي عبس وتولى هو النبي محمد ﷺ، وليس عثمان بن عفان أو أبا لهب أو غيرهما.
قال الله تعالى:
﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ [عبس: 1-6]
جاء في الحديث أن النبي ﷺ كان يعرض الإسلام على عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبي جهل، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة وغيرهم من زعماء قريش، وكان يرجو إسلامهم لما لهم من نفوذ في قومهم، فجاءه عبدالله بن أم مكتوم يسأله عن الدين، فأعرض عنه النبي ﷺ وتغير وجهه ليس استهزاءً به، ولكن حرصًا على دعوة كبار قريش. وهنا جاء العتاب الإلهي.
لماذا عاتب الله تعالى نبيه؟ وهل يتنافى هذا الفعل مع أخلاق النبي ﷺ؟
يوجه الله سبحانه وتعالى نبيه إلى الأولى والأفضل، وليس لأن النبي ﷺ فعل خطأً أخلاقيًا أو قاسيًا، وإنما لأنه كان يرجو خيرًا أكبر بدعوة كبار قريش، فوجهه الله تعالى إلى أن هذا الأعمى قد يكون أكثر تقبلاً للهدى، في حين أن هؤلاء المتكبرين قد لا ينتفعون بالدعوة. ففي الآية توجيه للنبي لأن يكون اهتمامه بالمؤمنين أكبر من اهتمامه بسواهم.
إن العتاب لا يعني الذم أو الإهانة، بل هو نوع من أنواع التوجيه والتعليم. والقرآن الكريم مليء بتوجيهات الله لنبيه، مما يثبت أن النبي ﷺ بشر يتلقى الوحي والإرشاد، وأنه بصفته البشرية يجوز عليه الخطأ والنسيان لأنه غير معصوم منهما[1].
والآيات لم تذكر اسم النبي مباشرة، بل جاءت بصيغة الغائب، وهذا أسلوب قرآني لطيف في العتاب، حيث لم يقل “عبست وتوليت”، بل قال “عبس وتولى” ليكون التوجيه ألين وألطف. لكن تم الالتفات إليه في الآية الثالثة وما بعدها بالخطاب المباشر، وهو ما يؤكد أن الخطاب موجه إليه ابتداء.
هل يمكن أن يكون الذي “عبس وتولى” غير النبي ﷺ؟
بعض الآراء الحديثة تقول إن العابس قد يكون أحد زعماء قريش، مثل أبي لهب أو عثمان بن عفان (قبل إسلامه)، لكن لا يوجد دليل قوي على ذلك، بل إن سياق الآيات كلها حديث مباشر للنبي كما ذكرنا فيصعب أن يحكى عن غيره بصيغة الغائب بينما الخطاب موجه بالأساس إليه.
الرد على من يقول إن “العبوس” لا يليق بالنبي ﷺ
- النبي ﷺ لم يكن معروفًا بالغلظة، بل كان أرحم الناس، لكنه في هذه اللحظة كان مشغولًا بهدف أكبر. وكما ذكرنا فبالرغم من أنه على خلق عظيم إلا أنه قد يصدر منه الخطأ.
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]
- العتاب جاء ليُرشد النبي ﷺ إلى ترتيب الأولويات وهذا ضروري لنجاح النبي في مهمته.
- كان النبي ﷺ بعد ذلك يكرم عبدالله بن أم مكتوم بشكل خاص، وكان يجعله نائبا له على المدينة عند خروجه منها. وقد روي أنه كان يقول له عندما يلتقيه: «مرحباً بمن عاتبني فيه ربي»[2].
الرأي الراجح أن الذي عبس هو النبي ﷺ، ولكن ليس لغلظة أو سوء خلق (حاشاه)، بل لأنه كان منشغلا بدعوة كبار القوم طمعا في إسلامهم، فجاء العتاب لتوجيهه إلى الاهتمام بأصحاب القلوب المتفتحة للهدى، لأنهم الأقرب إلى الله تعالى والأحب إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر الفتوى هل الأنبياء معصومين عن الخطأ؟
[2] سنن أبي داود (4/ 557 ) ت الأرنؤوط