السؤال:
هل يوجد ما يسمى بصلاة الشفع وهي ركعتان بعد العشاء؟ وإلا فما المقصود بالشفع والوتر في الآية؟
الجواب:
إن الشفع والوتر ليستا صلاتين كما هو مشهور عنهما، إذ أن الصلاة بأركانها من القيام والركوع والسجود، وسواء أكانت صلاة فرض أو نافلة قد جاءت بألفاظ محددة وليس من ضمنها لفظا الشفع والوتر.
ولو قلنا بأن الشفع والوتر صلاتان لترتب على ذلك عدة مسائل متعلقة بالسياق لتتناسب مع هذا المعنى نذكر منها:
- يلزم من ذلك أن يكون المقصود بقوله تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ﴾ الفجر (1) هو صلاة الفجر أو صلاة الصبح وهو ما لم يأتِ في الآيات؛ إذ أن لفظ (الفجر) في كتاب الله يدل على التوقيت الذي تجتمع فيه خواص كلا من الليل والنهار، وهذا التوقيت يكون مشهودًا في السماء كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ الإسراء (78)
وعندما أراد تعالى أن تكون كلمة (الفجر) بمعنى الصلاة جاءت مقترنة بكلمة صلاة كما في قوله تعالى: ﴿مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ..﴾ النّور (58) وما خلاف ذلك فيقصد بها التوقيت نفسه كقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ البقرة (187)
- ولترتب على ذلك أيضًا أن يكون المقصود بقوله تعالى: ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ الفجر (2) أنها ليالٍ معينة من شهر محدد، وهو الأمر الذي لم تشر إليه الآيات، بدليل اختلاف المفسرين حول هذه الليالي العشر، فمنهم من قال أنها العشر الأواخر من رمضان، ومنهم من قال أنها العشر الأوائل من ذي الحجة، وكلا الرأيين لا دليل عليه من كتاب الله تعالى، بل على العكس، فقد جاء ما ينفي أن يكون المقصود بها ليالي الحج بدليل قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، لِمَنِ اتَّقَىٰ﴾ البقرة (203) ولم يقل (واذكروا الله في ليالٍ معدودات) ولا دليل على أنها أيام رمضان الذي ذكر فيه الصيام والاعتكاف دون تحديد لليال عشر حيث لم تذكر ليلة إلا ليلة القدر.
ولهذا فالسياق لا يدل على أن يكون قوله تعالى: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ الفجر (3) هما صلاة ثلاث ركعات بعد العشاء.
وللوقوف على المعنى المراد علينا تدبر الجذر اللغوي والنظر من خلال الآيات المشابهة للفظ وربطه بالسياق.
إن كلمة الشفع تعود للجذر اللغوي “شفع” التي لها حضور كبير في كتاب الله تعالى المتعلق بالشفاعة، والذي يعني انضمام الواحد إلى الآخر، أما كلمة الوتر فعلى العكس من ذلك إذ تعود للجذر “وتر” الذي جاء في موضعين؛ في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ﴾ المؤمنون (44) وتعني التواتر الواحد تلو الآخر، وفي قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ محمد (35) وتعني النقص، أي ولن ينقصكم أجور أعمالكم.
مما يتبين أن الشفع يدل على الزوجية والاتفاق والانضمام، أما الوتر فيدل على الفردية والنقص والتواتر.
وعندما ننظر إلى السياق نجد أن قوله ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ جاء في سياق القسم حين قال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ. هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ الفجر (1: 5) ومادام هناك قسم ومُقسم عليه فلا بد من وجود علاقة مباشرة أو غير مباشرة بينهما، والمقسم عليه هو هلاك قوم عاد وثمود وفرعون، ومن هنا نستطيع فهم الآيات التي أقسم الله تعالى بها حيث بدأت سورة الفجر بقوله تعالى:
- ﴿وَالْفَجْرِ﴾ الفجر (1) وبما أن المقسم عليه يتحدث عن إهلاك وعذاب فلزم أن يكون معنى الفجر هو توقيت العذاب الذي غالبًا ما يكون في وقت الفجر/الصبح: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ الحجر (83) وكذلك أقسم تعالى بالفجر الذي من أهم معانيه ظهور الخيوط التي تفصل بين الظلمة والنور، وكأن المعنى المقصود بالفجر فصله تعالى بين نور الحق وظلمة الباطل، وفيه إشارة إلى سوء عاقبة الظالمين ونجاة المؤمنين.
- ثم ذكر تعالى عدد الليالي التي وقع فيها العذاب بقوله: ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ الفجر (2) وهي مجموع ليالي العذاب للأقوام الثلاثة المذكورين في السورة التي بيَّنها وفصلها تعالى في آيات أخر وهي كالتالي:
- قوم عاد: ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ الحاقة (7)
- وقوم ثمود: ﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ هود (65) وقد وقع عذابهم في صباح اليوم الثالث دون انتظار الليل ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ الحجر (83) مما يعني أن عذابهم استغرق ليلتين فقط بثلاثة أيام.
- وقوم فرعون: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ. وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا، إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾ الدّخان (24) فعذابهم كان ليلًا.
ليصبح مجموع ليالي عذاب الأقوام الثلاثة 7 + 2 + 1 = 10 ليالٍ.
- ثم قال تعالى: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ الفجر (3) والذي يحمل معان عدة، فربما قُصد بها أن هلاك هؤلاء القوم كان بين عشر ليال، فمنهم من كان عذابهم في ليال فردية (وتر) وأيام زوجية (شفع) كقوم عاد، ومنهم من كان عذابهم في ليالي (شفع) وأيام (وتر) كقوم ثمود، ومنهم من كان عذابهم وترًا في ليلة واحدة كقوم فرعون.
وربما كان المعنى أنه لم تنفعهم الشفاعة ولم يذر العذاب منهم وترًا، وربما كان المعنى أن هؤلاء القوم اشتركوا في كفرهم (شفع) وتفرقوا في عذابهم وتواتروا وتتابعوا وراء بعضهم (وتر) ورغم ذلك لم يعتبر أو يتعظ منهم أحد بما حدث لمن قبلهم، فكلهم شفع ووتر في الكفر وفي العذاب، وقد يحتمل المعنى أن يكون الشفع والوتر في عدد الرسل الذين أرسلوا لهؤلاء القوم، حيث أرسل تعالى لقوم فرعون رسوليه موسى وهارون (شفع) ولقوم عاد رسول واحد وهو هود، ولقوم ثمود رسول واحد وهو صالح، وكل منهما (وتر) عليهم صلوات الله تعالى وسلامه.
واللفظان يتسعان لتلك المعاني وأكثر ولا تعارض بينها.
- ثم قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ الفجر (4) إشارة إلى ليلهم وزمانهم الذي انقضى بلحظات وليالٍ معدودة، لذا فإن آثارهم الباقية وسيرتهم لا بد أن يكون لنا منها العبرة والعظة: ﴿هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ الفجر (5)
- ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ….﴾ الفجر (6) ليفصل ما أقسم عليه وبيان كلا من هؤلاء الأقوام الثلاثة.
ومن هنا فإن الشفع والوتر بعيدان عن معنى كونهما صلاتين بعد صلاة العشاء كما اشتهر عنهما من قبل.
وعلى الرغم من ذلك فإنه لا ينفي أنه إذا أراد المؤمن أن يقوم الليل وأن يصلي شفعًا أو وترًا (بمعناه العام) من منطلق عدد الركعات والصلوات الزوجية أو الفردية فلا حرج عليه، فليس العبرة هنا بمسميات الصلوات شعفًا كانت أم وترًا ولا بعددها وإنما بفضلها ومكانتها، وقد بيَّن تعالى لنا ما في القيام والتهجد من فضل كبير وجزاء عظيم: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ الإسراء (79).
الباحثة: شيماء أبو زيد