السؤال:
ما هو حكم العمل بدون عقد حيث أن في البلد الذي أنا فيه يجب على صاحب العمل تعيين الموظفين بعقود، لكن القانون لا يعاقب الموظف في هذه الحالة، بل يعاقب صاحب العمل فقط، بمعنى أن القانون يجرم صاحب العمل لعدم توقيع عقد مع الموظف لكن لا يجرم الموظف العمل بدون عقد.
فهل يكون عليَّ إثم إذا عملت كموظف بدون عقد في هذه الحالة؟ حيث أن في بعض الأحيان ينتظر أصحاب العمل بضعه أشهر حتى يتأكد أن الموظف سيبقى معه لأن الإجراءات طويلة وبالتالي لا يمضي/يوقع معه على عقود منذ البداية. فما موقفي هنا؟ شكرا لكم.
الجواب:
بداية نوضح أن التوجيه القرآني بكتابة العقود لا يقصد منه الوجوب وإنما الندب، بغرض حفظ الحقوق وتقليل المنازعات الناتجة عن عدم التوثيق، وهناك عقود شفهية لا تحتاج توثيقا كما هو الحال في (التجارة الحاضرة)، فقد قال تعالى في آية الدين التي تشمل كافة العقود والاتفاقيات:
﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ، ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾ البقرة (282)
وقوله تعالى بعد طلب توثيق الديون: ﴿ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ دل على أن الأمر بالكتابة جاء للندب والاستحباب وليس للفرضية.
والعقود القائمة على المنفعة المتبادلة هي نوع من التجارة كبيع الأعيان وشرائها، وينبغي الوفاء بكافة العقود سواء أكانت مكتوبة أو شفهية امتثالًا لأمره تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ المائدة (1).
وما ذكره السائل الكريم هو عُرف مأخوذ به في كثير البلدان بتشغيل الموظف لمدة تتراوح من شهر إلى ثلاثة وأقصاها ستة أشهر يتم من خلالها تقييم عمل الموظف أو تدريبه قبل إجراء العقد معه. وفي هذه الحالة ينبغي على صاحب العمل إعطاء الموظف أو العامل حقه دون نقصان مصداقًا لقوله تعالى:
﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ البقرة (283)
أما في حالة التلاعب من صاحب العمل بأن يوظف العامل بدون عقد ثم بعد انتهاء فترة التجربة يقوم بطرده ويستعين بغيره استغلالا لحاجة الناس فهذا محرم ولا شك، ولذا قال سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ عقب أمره بأداء الأمانات والحقوق:
﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ البقرة (284)
وفي هذه الحالة فإن صاحب العمل يأثم ويُعد آكلا لأموال الناس بالباطل، وقد وقع تحت النهي في قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ…﴾ النساء (29)
كما أنه ينطبق عليه إثم المطففين:
﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ المطفّفين (3)
ولهذا قامت الجهات المختصة في كثير من البلدان بتشريع قانون يجبر صاحب العمل على إنشاء عقود مؤقتة للعاملين الجدد أثناء فترة التجربة.
وبالنسبة للسائل الكريم فلا إثم عليه إن عمل بدون عقد مكتوب، ولكن ينبغي عليه قراءة قانون العمل الخاص بالدولة التي يعمل بها لمعرفة ما له وما عليه، وعلى العاملين في هذه الشركات أن يأخذوا حذرهم ويعرفوا حقوقهم وأن لا يعطوا الفرصة لأصحاب الأعمال باستغلالهم، وذلك بالإصرار على كتابة العقد عقب فترة التجربة مباشرة وعدم السماح بالمماطلة حتى لا يتم التلاعب بهم فيكونون عونًا لهؤلاء المستغلين على استضعافهم وظلمهم.
إن توثيق العقود يهدف إلى حماية الموظف وصاحب العمل، فهو وسيلة لتنظيم بيئة العمل ورفع الإنتاجية.