حبل الله
نصرانية اليوم

نصرانية اليوم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ»[1].

إن الشرك في الديانة المسيحية إثم كبير، «وإن الأمر الأول ينهى عن الشرك، ويأمر بالإيمان بأن لا إله إلا الله وأن لا يعظم إلا هو الواحد».[2] وقد ورد في إنجيل لوقا قول المسيح عليه الصلاة والسلام: « للرب إلهك تسجد و إياه وحده تعبد » (إنجيل لوقا،4/9).

وكان عيسى (عليه الصلاة والسلام) يعتبر إنساناً في عهد الحواريين بالمعنى الحقيقي.[3] كما لم تُذكر ألوهية عيسى (عليه الصلاة والسلام) في كل  الأناجيل التي بين أيدينا إلى أن جاء بولس بهذه الفكرة. فقد ولد بولس في السنة العاشرة الميلادية ولكنه لم يرَ عيسى (عليه الصلاة والسلام) بالرغم من معاصرته له؛ وكان يعيش في طرسوس.[4]  وهو المعروف بالعدو اللدود للديانة النصرانية. وبعد وفاة عيسى أعلن بولس اعتناقه للديانة النصرانية. وادعى بولس أنه وفي أثناء طريقه إلى الشام فجأة أحاطه نور، وناداه عيسى، ثم أنه آمن بعيسى وعمّدهُ بيده. فصدقه الناس بالرغم من تواجد الحواريين بينهم واعتراضهم الشديد على ما جاء به بولس. وأعلن بولس أنه رسول عيسى فقبله الناس، واستطاع أن يدخل أفكاره في الإنجيل. وقسم كبير من الأناجيل الموجودة اليوم مكونة من رسائل بولس.

ادعى بولس بوجود آلهة غير الله تعالى، فاعتبر عيسى واحداً من تلك الآلهة. وهذا هو كلام بولس الموجود في الأناجيل التي بين أيدنا:

«حَتَّى لَوْ كَانَتِ الآلِهَةُ الْمَزْعُومَةُ مَوْجُودَةً فِي السَّمَاءِ أَوْ عَلَى الأَرْضِ  وَمَا أَكْثَرَ تِلْكَ الآلِهَةَ وَالأَرْبَابَ! فَلَيْسَ عِنْدَنَا نَحْنُ إِلاَّ إِلهٌ وَاحِدٌ هُوَ الآبُ الَّذِي مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَنَحْنُ نعيشُ لَهُ؛ وَرَبٌّ وَاحِدٌ هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَنَحْنُ بِواسطتَهِ نَعيشُ.»[5]

وقد لفق بولس كلمة «الرب»؛ و«الرب» هو المالك. يطلق العرب كلمة «الرب» على صاحب الرقيق. كما في قوله تعالى: « وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» (يوسف، 12/23).

وفي الغالب يراد بكلمة «الرب» الله تعالى. والمؤمن الذي لا يقبل أن يكون عبداً إلا لله لايقبل أن يقول لغير الله ربّاً. والعلاقة بين الرقيق وصاحبه علاقة إلزامية. فهو يتربص فرصة لنيل حريته. أما العلاقة بين العبد وربه الله فهي علاقة طواعية. والذي في قلبه زيغ يختار مثل هذه الكلمة التي لها معانٍ عدة لتحقيق بغيته الخبيثة بتلفيق الكلمات وتحريفها. لو أن النصارى آمنوا بعيسى رباً، يسهل لهم أن يجعلوه إلهاً؛ لأن العلاقة بينهم وبين عيسى أصبحت علاقة طواعية. وموقف بولس هذا، يعتبر خطوة  في تأليه عيسى (عليه الصلاة والسلام).

واعتبر بولس نفسه رسولاً لعيسى وخلفاً له، حيث قال:

«مِنْ بُولُسَ عَبْدِ يَسُوعَ المَسِيحِ، الرَّسُولِ الْمَدْعُوِّ وَالْمُفْرَزِ لإِنْجِيلِ اللهِ، هَذَا الإِنْجِيلِ الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ مِنْ قَبْلُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ، وَهُوَ يَخْتَصُّ بِابْنِهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنَ النَّاحِيَةِ الْبَشَرِيَّةِ؛ وَمِنْ نَاحِيَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، تَبَيَّنَ بِقُوَّةٍ أَنَّهُ ابْنُ اللهِ بِالْقِيَامَةِ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. إِنَّهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ رَبُّنَا، الَّذِي بِهِ وَلأَجْلِ اسْمِهِ نِلْنَا نِعْمَةً وَرِسَالَةً لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ بَيْنَ جَمِيعِ الأُمَمِ، وَمِنْ بَيْنِهِمْ أَنْتُمْ أَيْضاً مَدْعُوُّو يَسُوعَ الْمَسِيحِ… إِلَى جَمِيعِ مَنْ هُمْ فِي رُومَا مِنْ أَحِبَّاءِ اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَدْعُوِّينَ. لِتَكُنْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيح!»[6]

«وَمَهْمَا كَانَ مَا تَعْمَلُونَهُ، بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ، فَلْيَجْرِ كُلُّ شَيْءٍ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، رَافِعِينَ بِهِ الشُّكْرَ لِلهِ الأبِ»[7]

كما جعل بولس عيسى نداً لله تعالى؛ فقال «إِذْ إِنَّهُ، وَهُوَ الْكَائِنُ فِي هَيْئَةِ اللهِ، لَمْ يَعْتَبِرْ مُسَاوَاتَهُ لِلهِ خُلْسَةً، أَوْ غَنِيمَةً يُتَمَسَّكُ بِهَا»[8]

واتفق الذين اتبعوا بولس في مجمع نيقية على أن «السيد المسيح مولود من الأب قبل كل الدهور "أزلي" إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر.»[9] وفي مجمع خلقيدونيا الذي انعقد سنة 451 م تم الأتفاق بـأن المسـيح طبيـعة واحدة متحدة من الـلاهوت والناسوت بغير اختلاط ولا امتـزاج ولا تغيير.

 ونصُّ الإتفاق كالتالي: «إننا نؤمن بأنّ ربنا ومخلصنا يسوع المسيح هو الله الإبن المتجسد، تام في لاهوته وتام في ناسوته، لم يكن لاهوته منفصلاً عن ناسوته لحظة واحدة ولا لمحة بصر، وأن ناسوته واحد مع لاهوته دون اختلاط ولا امتزاج ولا انقسام ولا انفصال، فنحن في إيماننا المشترك بربنا الواحد يسوع المسيح نعتبر سره الفائق الوصف اللامتناهي، ويعجز العقل البشرى عن استيعابه.»[10]

والمسيحيون اليوم لا يقبلون النصرانية التي كانت قبل بولس كما هي؛ لأنهم تبنوا الشرك. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ» (المائدة، 5/72).


[1]   صحيح مسلم، اتباع سنن اليهود.

[2]  التعاليم الدينية والأخلاقية للكنيسة الكاثوليكية. المترجم إلى التركية أونيك بامير، أستانبول 200، الفصل:2112. وهو نتيجة البحث الذي أجرته اللجنة المكونة من 12 شخص برئاسة  جوزيف راتزنجر  بأمر البابا الرابع عشر لوئن.

[3]  التعاليم الدينية والأخلاقية للكنيسة الكاثوليكية الفصل: 465.

  [4] مدينة تركية تقع جنوب البلاد على ساحل البحر الأبيض المتوسط في منطقة مرسين حيث تبعد حوالي 15كم عن مدينة مرسين و 40كم عن مدينة أضنة.

[5]  الإنجيل، الرسالة إلى كرونثوس، الرسالة الأولى، 8:5-6.

[6]  الإنجيل، الرسالة إلى رومية، 1: 1-7.

[7]  الإنجيل، الرسالة إلى كلوسي، 3:17.

[8]  الإنجيل، الرسالة إلى فيلبي، 2:6.

[9]  التعاليم الدينية والأخلاقية للكنيسة الكاثوليكية. الفصل: 485.

[10]  التعاليم الدينية والأخلاقية للكنيسة الكاثوليكية. الفصل: 487.

 

 

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.