حبل الله
صوم الحائض

صوم الحائض

ما حكم ترك الحائض الصوم؟ و العلماء المتقدمون و المعاصرون يقولون: "لا يجب على الحائض الصيام اتفاقا، فإذا صامت أثمت، وعليها بعد الطهر قضاء ما فاتها من رمضان، و يفسد صومها إّذا طرأ عليها الحيض" و قد يقولون: "لا يحل للحائض أن تصوم، فإن صامت لا ينعقد صيامها، و وقع باطلا، و يجب عليها قضاء ما فاتها من أيام الحيض في شهر رمضان" هل يجوز للعلماء أن يبدلوا زمان تكليف من التكاليف الشرعية بالاتفاق بينهم، بمنع المكلف عن أداء هذا التكليف في زمانه، و إجباره على القضاء في زمان آخر؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين محمد و على آله و صحبه أجمعين. و بعد:

يجب على المسلم أن يعرف كون شيء حلالا أو حراما عن طريق القرآن أو السنة ، ويظهر ذلك جليا من قوله تعالى:”… وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ…“ (سورة الأنعام 6/119) ففي هذه الآية يعلمنا الله سبحانه أنه هو الذي يفصل لنا في كتابه الكريم ما حرم علينا. و يقول تعالى أيضا ”…وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ…“ (سورة الأعراف7/157). و في هذه الآية يعلمنا أن رسوله يحرم الخبائث.

فعلى هذا ما كان لأحد كائنا من كان أن يقول لشيء ما هذا حلال و هذا حرام إلا بدليل من القرآن أو السنة. لأن الله تعالى لم يعط لأحد حق التشريع.

فيجب علينا أن نكتفي بالقرآن والسنة في كل شيء؛ لأن القرآن هو الكتاب المرجعي الوحيد للمسلم إذ أنّ الله _جل شأنه_ لم يفرط فيه من شيء. “…وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد” (فصلت 41/42). و هو لم يتغير منذ زمن نزوله ولن يتغير أبدا لأن منزله تعالى قد تكفل بحفظه كما وعد بقوله “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” (الحجر 9). وهو ما زال غضا طريا إلى يوم القيامة، و هو يحكم في كل زمان و في كل مكان و في كل شيء. وإذا كانت أقوال وأفعال الرسول تبيانا لما أنزل الله عليه من الكتاب، فلا بد لنا أن نأخذ الأحكام منهما معا.

يقول سبحانه في الحيض: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (البقرة 2/222). ليس في القرآن أية تبين أحكام الحيض غير هذه الآية. و إذا أمعنا النظر في الأية مع الأحاديث المبينة لها، نفهم الأحكام التالية بسهولة:

تمارس الحائض كل العبادات إلا ما يشترط له الطهارة. فالحائض مثلا تقرأ القرآن و تعطي صدقة مالها و تسبح و تكبر و تهلل و تذكر الله و تؤدي مناسك الحج إلا الطواف.

و بالجملة فإن للحائض أن تصوم إن شاءت وهو خير لها. أو أن تفطر إن شاءت؛ لأنه رخصة لها، و تقضي ما أفطرت في أيام أخر ، وذلك لأن الصوم لا يشترط فيه الطهارة. فلهذا تقضي المرأة الصوم إن أفطرت أيام حيضها للعمل بالرخصة. ولا تقضي الصلاة لأن الصلاة يشترط فيها الطهارة، ولا طهارة لحائض، و عدم طهارتها لم يكن بفعلها، لأن الحيض لا يكون بفعلها.

وهـذا يعنى أن صـيام رمضـان فـرض على المؤمنة الحائض أيضا، وهي تعتبر مريضة بسـبب حيضـها؛ لذلك إن شـاءت صـامت و هـو خـير لها، و إن شاءت أفطرت و تقضي في أيام أخر وهو رخصة لها.
….

هذا و ليس في القرآن الذي نزل على رسولنا تبيانا لكل شيء ولا في الحديث المبين له، ليس فيهما شيء يحرم الصوم على الحائض. ورغم ذلك فإنّ جماهير الفقهاء يقولون: “ثبت تحريم الصوم على الحائض بالسنة و الإجماع”. وهروبهم إلى الإجماع لأنّ القرآن الذي هو المصدر الوحيد في التشريع وكذلك السنة المطهرة والتي تتبع القرآن في كل حال_ ليس فيهما دليل يستندون إليه في تحريم الصوم على الحائض، فلجأوا إلى أن يجدوا دليلا آخر على دعواهم فقالوا: ”والإجماع“
….

و أسأل الذين يقولون: ”لا يجب عليها الصيام اتفاقا، وإذا صامت أثمت، وعليها بعد الطهر قضاء ما فاتها من رمضان، ويفسد صومها بخروج دم الحيض“ لمن هذا الحكم؟ لله؟ أو لرسوله؟ هل في القرآن أو في الحديث ما يمنع الحائض من الصوم في وقته ثم يكلفها بالقضاء في وقت آخر؟

و هل الصوم إلا ترك الأكل و الشرب و الجماع بالنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؟ ما الشيء الذي مارسته الحائض بسبب الحيض من هذه المفطرات؟ الأكل؟ أم الشرب؟ أم الجماع؟ و هل يجب في دين الله على إنسان قضاء شيء لا يجوز له أداؤه في وقته؟، وهل القضاء إلا على فوات واجب لسبب من الأسباب؟ فإذا لم يكن الصوم واجبا عليها بل محرم عليها فما معنى القضاء إذن؟.

 

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.