حبل الله
الأوراق النقدية

الأوراق النقدية

الأوراق النقدية

الأوراق النقدية، هي من وسائل الدفع التي تصنع من الورق وتحمل قيمة ثمنية حسب الأرقام المكتوبة عليها. وتنقسم إلى قسمين: الأول له رصيد . والثاني ليس له رصيد. أمّا الأوراق النقدية والسندات والشيكات وغير ذلك مما له قيمة الدفع، فإنّها تنقسم إلى قسمين كذلك: الأول ما طبع من قِبَل الدولة، والثاني ما طبع من قِبَل المؤسسات والشخصيات المعنية وتمّ تقديمها للتداول.

الأوراق النّقدية التي لها رصيد

وهي الأوراق النقدية التي لها رصيد جزئيا أو كليا في خزانة الدولة، والمصارف؛ أو هي الأوراق النقدية الموعودة للدفع في تاريخ لاحق. وهي كذلك تصنع من قبل الدولة كما تصنعها المؤسسات والشخصيات المعنية.

الأوراق النقدية ذات الرصيد التي طبعتها الدولة

وهي الأوراق النقدية التي طبعتها الدولة مقابل وزن ما أو عيار ما من الذهب والفضة وقدمتها إلى التداول.

وقد طبع السلطان عبد الحميد في السنة الثانية من توليه السلطة (1256 هـ /  1840 م)، 32000 قائمة من الذهب، ووزن كل واحدة منها خمسة ذهبا، لمدة 8 سنوات بنسبة فائدة 8 بالمئة.[1] وتسميتها بالكامل؛ “قائمة معتبرة نقدية”. وهي في الواقع ليست من الأوراق النقدية، بل هي بمثابة التحويلات التي أصدرتها الحكومة مقابل الذهب وألزمت بتداولها كأوراق نقدية. وقد بدأ تدوالها أول مرة في السنة 1850 وبلا نسبة فائدة.

وقد استمر التدوال لتلك القوائم حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، علما أنها كانت تسحب من التدوال حينا وتقدم للتدوال حينا آخر.[2]

ويقتصر مقدار النقود المتداولة على ما تملكه الخزينة من المعادن الثمينة المدخرة أو ما تتكفل به الخزينة من دفع قيمة النقود المتداولة بالذهب في المستقبل. والأوراق النقدية المتداولة قد تؤدي إلى مشاكل خطيرة بالرغم من أن الخزينة تضمن قيمتها.

وقد انخفضت قيمة القوائم في عهد السلطان عبد الحميد في السنة 1857 م (1274 هـ)، وارتفع الذهب المئوي إلى 160 قرشا. وانخفاض القوائم على الدوام كان يؤثر على المعاملات تأثيرا سلبيا. وقد أُصدر القرار بسحبها من التداول سنة 1859 (شوال سنة 1276 هـ)، من قبلة لجنة شُكِّلت من أجل هذه المهمة برئاسة أحمد جواد باشا؛ وذلك خوفا من سوء العاقبة لهذا الانخفاض لو استمر. يقول أحمد جواد باشا عن تلك الحالة:

“… وقد وصلت المشكلات الإقتصادية حدها الأقصى ، وانخفض سعر الذهب بسبب فقدان القائمات قيمتها  يوما بعد يوم، وهذا أدى بالمعاملات التجارية إلى طريق مسدود. وقد عُلِم أنه لا يمكن تحسن الحالة الإقتصادية لو استمر هذا الوضع. لذا أصدر الصدر الأعظم قرارا يقضي بسحب تلك القائمات من التداول، وأن تُجمع المساعدات من عقارات اسطنبول لتأمين الرصيد. وكانت اللجنة قد شُكِّلت برئاستي لإجراء هذا العمل. وقد قمنا بهذه المهام خلال عدة شهور، وكلما تجمعت القائمات كنت أذكر لرشدي باشا ضرورة أن تُحرَق تلك القائمات أمام أعين الناس في الباب العالي”.

“- وهو يقول: لا، إنه ليس من شأننا، هو  من شأن وزارة المالية، نحن مأمورون لجمع القائمات فقط”.

“- قلت: إنّ إحراق القائمات سيعطي الناس الثقة، كما أنه يبرر جمع المساعدات، ولكنه لم يقبل هذا الإقتراح، لأنه كان شخصا معجبا بنفسه ولا يلقي أي إهتمام لأفكار غيره”.

وكنت أرسل ما جُمع من القائمات إلى الخزينة المالية. وبهذة الطريقة قد جُمع قسمٌ كبير منها. وبدأ سعر الذهب بالإنخفاض حين وصلت بقاياها أقل من 500.000 كيس. وهذه القائمات كانت خاصة باسطنبول، لأنها لم تكن تتحمل أكثر من ذلك. وما تسبب في انخفاض قيمة تلك القائمات هو أنّ الخزينة كانت تطبع مزيدا منها كلما وقعت في ضيق مالي.

وعندما وصلت بقايا القائمات أقل من 200.000 كيس نزل سعر الذهب المئوي إلى 105 قروش. فكان رشدي باشا مشغولا بتأمين 1500 ألف كيس، لأنه لم يكن لها رصيد.

وخلال هذه الفترة قد ظهر أن حاسب باشا قد أرسل سرا 100 كيس من القائمات التي جمعناها وأرسلناها إلى الخزينة لتصرف إلى القصر بناء على طلب ناظر الخزينة، بسبب الحاجة الماسة إلى النقود في القصر.

وأصبح رشدي باشا لا يخرج من القصر بسبب المرض أو التمارض، وقد أوقفت عملية جمع القائمات بحلول شهر رمضان المبارك. وقد أعلن ببيان يشبه العذر عن عدم جمع بقية القائمات في عيد الفطر في المصلى، وأنه سيتم إحراق جميع القائمات بعد العيد.[3]

وفي عهد السلطان عبد العزيز (1277-1293 هـ /  1861- 1876م)، طُبع مليونين ونصف مليون كيس من القائمات. وانخفضت القيمة بسبب استخراج العديد من القائمات للتداول.[4] ويحكي أحمد جودت باشا عما حدث في هذه الفترة على النحو التالي:

“في أواخر جمادي الأولى عام 1278هـ (كانون الأول من عام 1861 م)، جئتُ إلى اسطنبول قادما من اشكودرا.  ووجدت أن الخزينة في ضيق شديد. كما سمعت في تلك الأيام أن فؤاد باشا قد عُيِّن صدرا أعظم، وهو في الطريق من سوريا إلى اسطنبول”.

وقبل أن يصل فؤاد باشا إلى اسطنبول ارتفع الذهب المئوي إلى 300 قرش للقائمة،  وبعد يوم تجاوز عن 300 قرش، ثم ألغيت القائمات من التداول حالما وصل  إلى 400 قرش. فانتشرت المجاعة في أوساط الناس نتيجة لذلك؛ إذ كان في أيديهم  كميةٌ كبيرة من القائمات فأصبحت لا تسد حاجة.

ومن كان لديه نقد (أي نقود مضروبة من الذهب والفضة) اشتروا الخبز وادخروه ليومين أو ثلاثة. وانتهى الخبز في الأفران بعد ذلك، فلم يجد معظم الناس خبزا ليسدوا جوعهم. فحاولوا أن يأخذوه جبرا من النّاس الذين تمكنوا من أخذ كمية كبيرة من الخبز، وأغلقت المحلات، واستولى على اسطنبول حالة مدهشة.  ووقع الناس في الحيرة ولم يدروا ما يفعلون. واجتمع الوزراء لدراسة الوضع الراهن واستمروا في المناقشة حتى الصباح. وفي الصباح أخذ المنادون ينادون: “تعالوا إلى المسجد فهناك تنبيه /  تحذير من السلطان”.  فذهب كل واحد إلى المسجد، واستمعوا التنبيه. وخلاصة التنبيه كان هكذا: أنه سيجازى المفسدون الذين كانوا سببا في فقدان الورقة (الورقة النقدية) قيمتها، وأنه سيسجن من اشترى أو باع الذهب المئوي أكثر من 160 قرشا، وأن تفتح المحلات وتستمر المعاملات التجارية. وفي هذا اليوم أغلق الكافيارهان (أحد مراكز التجارية الهامة في اسطنبول في ذلك الوقت)، وسجن عدد من المفسدين، وبدأ البيع والشراء بأن دقت الحكومة ذهبا مقابل قائمة قدرها 160 قرشا. واجتمع ألاف من الناس، وقد تضرر من حاول الحصول على ذهب وسط حشد من الناس وتمزقت ملابسه، لأنه لم يكن من السهل تأمين كل الناس بذهب.

وقد توقفت التجارة في القطاعات الكبيرة، أما في أوساط أصحاب المحلات الصغيرة فقد بقي نوع من المبادلات. ثم وصل فؤاد باشا إلى اسطنبول.

وقد أوضح فؤاد باشا الأوضاع الراهنة إلى السلطان بشكل جيد. وأخذ  كل التحذيرات اللازمة. وحصل على قروض من أوربا ليريح بذلك الخزينة كما أصدر قرارا بإلغاء القائمات.

  وكنت من ضمن أعضاء اللجنة التي شكلت لإلغاء القائمات مقابل القروض التي حصل عليها فؤاد باشا من أوربا. ورأي فؤاد باشا هو إلغاء القائمات بدفع 40% نقدا و60% من التحولات، ليتم بذلك تعويض القائمات بأكملها. وكان الكثيرون لا يقبلون هذا الرأي. أما رأيي أنا فهو دفع 50 للورقة المئوية. ولكن لم يؤيد رأيي إلا القليل. وتحملت الخزينة القروض الكثيرة بأخذ رأي الكثرة.

“وفي شهر ربيع الأول من السنة 1279 هـ، الموافق أغسطس آب عام 1862 م قد تم إلغاء جميع القائمات من التداول”.[5]

الأوراق النقدية ذات الرصيد التي طبعت من قبل القطاعات الخاصة

ويمكننا تصنيفها على النحو التالي: الأوراق النقدية، والسندات والشيكات.

الأوراق النقدية

في الماضي كانت المسكوكات والمعادن الثمينة تودع في المصرف، ويُعطى للمودع وثيقة لتثبت عملية الإيداع. وكان يقال على تلك الوثيقة فاتورة /  ورقة نقدية  أو إيصال (شهادة). ولذلك، فإنها سندات دَين تمثل كمية معينة وذات عيار خاص من المعادن الثمينة. ويجب دفع ما يقابلها من النقود بعد فترة معينة أو عند المطالبة بها.

وكانت المصارف والمصرفيون ينظمون سندات ليس فقط على مودعي الذهب والفضة بل وعلى من يريد القروض. وتستعمل هذه السندات في نطاق واسع لأنها تزيل صعوبة نقل المعادن الثمينة وتوفر الأمن وتمنع التزييف في النقود الذهبية والفضية.[6]

وأخَذَت الأوراقُ النقدية تُستعمل مثل النقود. وبهذا صارت المصارف والمصرفيون يملكون طباعة النقود. وقد تبنى المجتمع هذه النقود الجديدة وشعروا بالثقة تجاها. ولكن ظهر فيما بعد أنه لم يستطع الحصول على النقود مقابل ذاك الإيصال إلا عدد قليل. وقد تبين بذلك احتمال تقديم الإيصالات بقدر يزيد على النقود الذهبية والفضية المودوعة.[7]  وكانت هذه الزيادة تنمّي النشاط في الأسواق وتزيد دخل المصرفيين. وقد مكنت هذه التجربة اكتشاف الأوراق النقدية. لذا سُميت الأوراقُ النقدية بهذا الإسم.

التحويل

التحويل، هو سند الدّين الربوي. ومن يأخذ التحويل مقابل الدَّين فإنّه يستفيد من مزاياه. وقد كانت السندات التي تعطيها المصارف لأصحاب المودوعات تستخدم كنقود. وفي سنة 1863 م أُعطي البنكُ العثماني حقّ إصدار السندات، كل سند بمقدار 200 قرش، وكانت تلك السندات مثل النقود في المعاملات التجارية، وقد أُلزِمَ البنكُ أن يكون لديه رصيدٌ مقابل نصف السندات الصادرة في السنة الأولى والثانية، أمّا بعد السنتين فإنّ الرصيد ينزل من النصف إلى الثلث. وقد طَبعت البنوك العثمانية أوراقا نقدية حسب الشروط المذكورة وقدمتها للتداول في الأسواق.[8]

النقود المسجلة

كانت المصارف تعطي بطاقة الشيك مقابل ما عند الشخص من النقود، كما تعطي أوراقا نقدية مقابل ما عندها من الذهب والفضة. وكان صاحب الحساب يعطي الأوامر للمصرف بالدفع بتوقيع ذلك الشيك. ويدفع المصرف المقدار الموضح في الشيك إلى الشخص المقصود. والشيكات تقوم مقام النقود بالرغم أنها ليست نقودا. وقيل عنها أنها نقود مسجلة لأن رصيدها موجود ومسجل في المصرف.والنماذج الأولى للنقود المسجلة تعود إلى العصور التي كان فيها نظام النقود المعدينة منتشرا.

ويروى أن ملك انجلترا تشارلز الأول صادر جبرا أموال التجار من المعادن والأحجار الثمينة الموجودة في ضربخانة داخل قلعة لندن سنة 1640 م، بعد ذلك بدأ المصرفيون يحتفظون بالأموال المودعة عندهم من الذهب والفضة من قبل التجار وأصحاب الأموال مع أموالهم الخاصة، وصنعوا لهذه المهمة صنادق خاصة. وكانوا يعطون لبعض مودعي التبر أو المسكوك إيصالا؛ ويفتحون الحساب للبعض الآخر، وقبلوا الدفع بإسمهم لو صدر منهم الأمر بذلك. وأمر صاحب الحساب كان بمثابة الشيك. والشيكات والإيصالات المكتوبة لحاملها بدأت تستعمل مثل النقود في السوق؛ حتى أصبحت أكثر اعتمادا عند بعض رجال الأعمال؛ وكانوا يرجحونها على النقود. لأن وزن الذهب  والفضة وعيارهما مهم جدا؛ وكان رجال الأعمال يثقون في ما بأيدي المصرفيين من الذهب والفضة؛ لأنهم خبراء في الموضوع.

وقد انتهز المصرفيون هذه الرغبة؛ فبدؤوا بتصدير دفتر الشيكات والإيصالات؛ كما فتحوا الحسابات الجارية؛ قدر ما عندهم من الذهب والفضة؛ ليتمكنوا بذلك من كتابة الشيكات والإصالات للمقرضين. وبهذا أصبحت الشيكات والإيصالات التي سيقت إلى الأسواق تزيد بعدة مرات عن رصيد الذهب والفضة الموجود عندهم. أي صارت الشيكات والإيصالات بلا رصيد.

وبدأ المصرفيون يبحثون عن ودائع جديدة لأن دخول الذهب والفضة في صناديقهم  يوفر لهم فتح أضعاف من الحسابات الجديدة للقرض، حيث كان من المنتظر أن يأخذوا من المودعين أجرة حفظ المودوعات، ولكن بدأوا يعطون لأصحاب المودوعات فوائد 6% لمحاولة جلب الودائع بأكثر ما يمكن. وكان الفرق قليلا جدا بين ما يؤخذ من المقرضين وما يعطون لأصحاب المودعات، ومع ذلك فقد أصبحوا أصحاب ثروات كبيرة؛ والسبب كان خفيا أمام كثير من الناس.[9]

وقد جربت البنوك أيضا تجربة مماثلة؛ واكتشفت أنه بإمكانها إعطاء القروض من الودائع تحت الطلب. نظرا لحجم هذا النوع من الودائع وجريانها بصورة منتظمة إلى حد كبير، وعلى الرغم من أن بعض الحسابات يتمُّ سحبها بين الحين والآخر، فإنَّ فتح حسابات جديدة قد أخذ مكانها وسدّ الخسائر. وقد حرصت البنوك على إبقاء جزء من الودائع كمبالغ نقدية لإجتناب الوقوع في صعوبات غير متوقعة، ويقال عنها في اللغة المصرفية: (الأموال الإحتياطية من أجل الكوارث محتملة الوقوع). كما بدأ المصرفيون فتح حسابات نيابة عن المدينين وتسجيل القروض على حسابهم للحصول على مزيد من الودائع تحت الطلب.

آلية الأموال المسجلة تعمل على النحو التالي:

نفترض أنه أُودع لأحد المصارف مليون ليرة؛ فإن البنك سيفتتح بها حسابا لأول شخص مُقترض ويقوم البنك بتسجيل المليون على حسابه الجاري كقرض ويعطي له أرومة الشيك، وإذا لم يسحب هذا الشخص تلك الأموال فإنّ المصرف سيسجّلها على الحساب الجاري لمشتر ثان كقرض ويعطي له أرومة الشيك. ويمكن للمصرف أن يسلسل هذه العملية إلى مقترضٍ ثالث ورابع وخامس… وبالتالي فإن المصرف قد أعطى قروضا بعشرات الملايين مقابل مليون واحد، وساق النقود المسجلة بلا رصيد إلى الأسواق، ولتنفيذ مثل هذه الأمور لا ينبغي أن يكون هناك سحب للأموال من المصرف. ومع ذلك فإنّ بعضا من الأشخاص الذين يحملون مثل تلك الشيكات يقومون بسحب بعض الأموال؛ لذا لا بد أن يخصص البنك بعض الأموال الإحتياطية لمواجهة مثل هذه الأمور الطارئة، وهذا يسبب تقليل نسبة الأموال المسجلة في الأسواق.

ويمكننا توضيح هذه العملية عن طريق الجدول البياني التالي:

القروض

 

الاحتياطات

الودائع

المعامملات

900.000

100.000

1.000.000.

1

810.000

90.000

900.000

2

729.000

81.000

810.000

3

656.100

72.900

729.000

4

مجموع النقود المسجلة (تسعة ملايين) 9.000.000.

لو افترضنا أنّ صاحب الوديعة تحت الطلب قد استعمل الشيك فيمكن أن يرتفع مقدار النقود المسجلة إلى عشرة ملايين.

وأول عمل قام به المصرف هو أنه فصل مائة ألف ليرة احتياطية من المليون ليرة، وأقرض تسعمئة ألف ليرة.  وأمكن له أي المصرف أن يفتح حسابا جديدا لأن تسعمئة ألف ليرة وهي الودائع تحت الطلب، وفي هذه المرة يفصل منها تسعون ألف ليرة احتياطية، ويقرض ثمانمئة وعشرة آلاف ليرة لشخص ثان. وبعد معاملات عدة يصبح مقدار ما أقرض تسع ملايين ليرة، ومقدار ما ساق إلى الأسواق من النقود المسجلة مع الشيكات عشرة ملايين ليرة.

وقد يبدوا ما قلناه خياليا، لكنه قد يكون لمن يكتب الشيك في المصرف حسابا تحت الطلب كما يوجد لمن يحصل على مستحقاته بالشيك حساب تحت الطلب كذلك. كما أن المصرف لا يتيح  فرصة استعمال الشيك لمن ليس له حساب تحت الطلب.  وكثيرا ما تكون المبادلة بالشيكات بين هؤلاء الأشخاص. ويفضل الشخص الذي عنده شيك أن يعطيه إلى المصرف ويترك أمر التحصيل له. وإذا كان للمدين حساب في نفس المصرف، فإنّ المصرف يأخذ من حساب المدين المبلغ المكتوب على الشيك ويضيفه إلى حساب الدائن. وبهذا يكون المصرف قد أتمّ المعاملات بدون أن تخرج منه النقود.

وفي حالة كون حساب الدائن والمدين في مصارف مختلفة، فيمكن للمصرف أن يتمّ المعاملات كذلك بدون أن تخرج منه النقود وذلك عن طريق التحويل من مصرف إلى آخر. لأن زبائن كلا المصرفين يكونون مدينين لبعضهم بعضا. على سبيل المثال لأحد المصارف شيكات بمليون ليرة على آخر، وللأخير على الأول كذلك، فيتم الأمر بينهما بتبادل الشيكات. وفي كثير من الحالات يتم الأمر بدون أن تخرج النقود من كلا المصرفين، لأن لكل منهما فروعا وزبائن في كل مكان.

التبادل ليس فقط بين المصرفين بل بين جميع المصارف. فمن الممكن أن يكون المصرف الأول دائنا للثاني ومدينا للثالث، كما يمكن أن يكون المصرف الثاني دائنا للثالث. ولو تساوى ما للدائن وما على المدين لانتهت الأمور من خلال تسوية عملية التسجيل. وإذا كان ثمة فضل فإنّ المدين يُعطي للدائن ما بقي عليه من الدين. وهذه الإجراءات تتم بواسطة ما يعرف بغرفة تصفية الحسابات.

ويزيد مقدار النقود المسجلة التي يمكن للمصارف أن تسوقها إلى التداول في الأسواق بانخفاض معدل النقود الإحتياطية. وإذا كان المعدل 5% قد تصل  النقود المسجلة إلى 20 ضعفا من الودائع. وبزيادة معدل الإحتياط ينقص مقدار النقود المسجلة. وعلى سبيل المثال قد يكون مقدار النقود المسجلة خمسة أضعاف الودائع إذا كان المعدل 20 %. ويمكن صياغتها على النحو التالي:

R  M=N/  يعني مقدار النقود المسجلة = الودائع الأولى /  معدل الإحتياط.

وتزيد الدول من معدل الإحتياط في فترة التضخم، وتخفضه في فترة الركود والإنكماش.[10]

قد تغتنم بعض المصارف امكانية اعطاء الشيكات فتصدر المزيد من النقود المسجلة، لأن المصارف كلها لا يمكن لها اتباع القوانين والنظم. ويجدر التنبيه إلى أن الشيكات المذكورة غير مؤرخة وكلها تؤخذ يوميا. وسنذكر موضوع الشيكات المؤرخة.

الأوراق النقدية بدون رصيد

هي نقود ورقية لم تتعهد خزينة الدولة أو الأفراد والمؤسسات المعنية دفعها في تاريخ لاحق ولم يكن لها رصيد.. ويمكن تقسيمها إلى 1. ما تصدره الدولة 2.  ما يصدره الأفراد والمؤسسات المعنية.

الأوراق النقدية بلا رصيد والتي تصدرها الدولة

لا يوجد أي رصيد للأوراق النقدية المتداولة اليوم. وليس على الخزينة دفع شيئ مقابل ورقة نقدية تصدرها هي بنفسها. وهي وسيلة من وسائل الدفع مدعمة بقوة القانون وتعاهد الناس عليها في المبادلة.[11]

وفي نظام العملة الورقية السلطة المالية هي التي تحدد مقدار الأوراق النقدية التي تصدرها الخزينة. إصدار أوراق نقدية مقابل الأوراق المالية للتجار، وسندات الخزينة والذهب والفضة وديون المؤسسات العامة وشراء العملات الأجنبية يعتبر كشيء معتاد.  يكفي في هذا النظام أن لا يكون هناك عائق لشراء العملات الأجنبية وأن يكون المخزون كافيا من الذهب والفضة لتلبية الإحتياجات.[12]

وكان للعملة المعدنية قيمة حقيقية. وكان للعملة الذهبية والفضية حتى بعد سحبها من التدوال قيمة لا تقل عن قيمتها الرواجية إلا قليل.

والأوراق النقدية التي طبعت مقابل المعادن الثمينة كانت تمثل الذهب والفضة إلى حدٍ ما. وأمّا الأوراق النقدية اليوم فإنّها لا تحمل قيمة غير المقدار المسجل عليها. لهذا السبب، فإن قرار السلطة النقدية أو السبب النفسي يمكن أن يحدث تغيرا في قيمة النقود.

وفي المستقبل القريب يحتمل أن لا يبقى هناك حاجة إلى النقود بسبب التوسع في استخدام بطاقات الإئتمان والتي تعمل وفق آلية التحويل الإلكتروني.

الأوراق النقدية بلا رصيد والتي تصدرها المؤسسات الخاصة

ويمكن للأفراد والمؤسسات أن يصدروا الأوراق النقدية والسندات ونوعا من العملات عن طريق إصدار الشيكات.  وهي ليست كنقود الدولة لأنهم يوما ما سيدفعون قيمتها. واعتبرت بلا رصيد، بسبب عدم وجود رصيد لها حين طبعت.

الأوراق النقدية والسندات Banknotes and Bonds

وقد ذكرنا سابقا أن ما أذن المصرف العثماني بإصداره من السندات يوجد لقسم ضئيل منها رصيد ، أما الأكثرية لم يكن لها رصيد.

وقد نص القانون الذي وضع بتاريخ 3/ 7/ 1912 م على أنّ الأوراق النقدية التي يصدرها المصرف العثماني صالحة الإستعمال سواء كانت بين المواطنين والدولة أو بين المواطنيين أنفسهم. وقد كان التداول بها ضروريا بين المواطنيين كالنقود تماما. ولم يكن على المصرف العثماني دفع قيمة تلك الأوراق النقدية حين كان ذاك القانون قيد التنفيذ.[13]

الشيكات المؤجلة deferred checks

الشيك أمر إلى المصرف ليتم الدفع من الحساب. ولا يكتب الشيك إذا لم يكن في الحساب نقود. فلا يكون الشيك إذن مؤجلا. ولا يلتفت المصرف إلى أجل الشيك، وعليه الدفع إذا كان للشيك رصيد.

وبالرغم من ذلك قد يكون في السوق شيكات مؤجلة يجري التداول بها كالنقود. وهذا يشبه ما تفعله الدولة من إصدار أوراق نقدية بشرط دفع قيمتها في تاريخ لاحق. ولا يخفى على من يتدبر أن هذه العملية قد أوقعت الدولة العثمانية في مأزق. كما رأينا ذلك في ذكريات أحمد جودت باشا. وسنقف عليها إن شاء الله عند موضوع “التضخم”.


[1]  موسوعة اللاوروس الكبير استانبول 1986، مادة: “بنك”.

[2]  قائمة الصكوك الإسلامية، جـ. 2 /  صـ. 720-743.

[3]  معروضات أحمد جودت باشا تحقيق يوسف حلاج أوغلو، استانبول 1980. صـ. 11. 18. 19. بتصرف.

[4]  أرتوق، المرجع السابق،  جـ. 2 /  صـ. 722.

[5]  أحمد جودت باشا، المرجع السابق، ص. 48-49.

[6]  النقود والقروض والربا في الإقتصاد الحديث لصبر أورمان، عام 1992 استانبول. ص. 10.

[7]  تاريخ الاقتصاد لأرول اوغلو، استانبول 1993. صـ. 138.

[8]  أرتوف، المرجع السابق  جـ. 2 /  صـ. 719.

[9]  نظام القروض لفريد الدين أرجن، 1980 ميلادية استانبول، ص. 9-10.

[10]  مدخل في العلوم الإقتصادية لعلي أوزكُوَنْ، استانبول 1983. صـ. 329-330.

[11]  أنواع النقود لفريد الدين، الموسوعة الإقتصادية استانبول، 1973.

[12]  نظام الإنبعاثات لفريد الدين، الموسوعة الإقتصادية استانبول، 1973.

[13]  الدستور، الترتيب الثاني، دار درسعادت، 1334 الهجرية,  جـ. 4، صـ. 914.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.