حبل الله

مصطلح الأُمِّيِّ في القرآن الكريم

أ.د عبد العزيز بايندر

يُطلق مصطلح الأمِّيِّ في العربيَّة على الشَّخص الذي بقي على الحالة التي ولدته أمّه عليها من حيث عدم تلقيه العلم[1]. ويُوصف مثل هذا الشَّخص بأنَّه جاهل. ولأنه ليس بوسع أي إنسان أن يكون عالما بكل شيء فإنه يبقى جاهلا بأشياء معينة، فكمال العلم لله وحده. لكنَّ التَّفاسير غالبا ما تُطلق لفظ الأمِّيِّ على من لا يعرف القراءة والكتابة، وهذا لا يتفق مع السِّياقات التي وردت فيها الآيات ذات الصِّلة كما سنرى. وقد وردت هذه الكلمة في القرآن 6 مرات؛ اثنتان بالمفرد[2] وكلتاهما متعلقةٌ بنبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام، وأربع بالجمع[3].

ولو ألقينا نظرة شموليَّة على الآيات التي وردت فيها كلمة (أمّيّ) لوجدناها تأتي بمعنيين اثنين؛ الأول عامّ والثاني خاصّ. أمَّا العامُّ فيشير إلى الشَّخص الذي ليس له كتاب إلهي أو ذلك الشَّخص الذي له كتاب إلهي يؤمن به لكنَّه لا يعرف محتوياته على الوجه الصَّحيح. أمَّا الخاص فهو الإنسان المكِّيُّ.

تحدثت آيات التَّوراة والإنجيل عن النَّبيِّ الخاتم المنتَظر بأنَّه سيخرج من مكة، ووصف الآيات القرآنيَّة لنبيِّنا بالأميِّ لا يعدو كونه منسوبا لمكَّة التي هي أمُّ القرى.

ولندخل الآن في التَّفاصيل..

1_ الأميِّون والذين أُوتوا الكتاب

الآية التَّالية تُقسِّم النَّاس إلى قسمين؛ الأوَّل: الذين أُوتوا الكتاب، الثَّاني: الأمِّيُّون:

{فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ، وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ؟، فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ، وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ، وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران 3/20)

والذَّين أُوتوا الكتاب قسمان؛ الأوَّل: الذين يعلمون ما في الكتاب، والثَّاني: الذين لا يعلمون ما في الكتاب. وقد اعتبرت الآيةُ التَّالية أنَّ الفريقَ الثَّاني أي الذين لا يعلمون ما في الكتاب أميِّون:

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا أَمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (البقرة 2/78)

والأماني المذكورة في الآية تشير إلى تلك القراءة دون الفهم، فهذا النَّوع من القراءة يدفع صاحبَه إلى تخمينات مستندة إلى خيال، لأنَّ الأمنية: الصُّورة الحاصلة في النَّفس من تمنِّي الشَّيء[4]. ويختلف هذا النوع من الأمِّيِّين عن الأمِّيِّين الآخرين بأنَّهم قد يعلمون بعض ما يحتويه الكتاب، لأنَّ الآية التَّالية تنصُّ على أنَّهم كانوا ينتظرون النَّبيَّ الجديد الذي سيحمل معه كتابا جديدا. وفي ذات الآية يخبر الله تعالى هؤلاء بأنَّ الكتاب الذي انتظروه قد جاء به خاتمُ النبيين، وعليهم الإيمان به:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً} (النِّساء 4/47)

المسؤوليَّة التي تقع على من يعلمون الكتاب أكبر من تلك الواقعة على من لا يعلمون. نفهم هذا من قوله تعالى:

أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ[5] مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ. وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا[6] فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ[7]. وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة 2/ 75-82)

2_ السبب في كون أهل مكة أُمِّيِّين

أنزل الله تعالى على إبراهيم وإسماعيل الكتاب، وهما الجدُّ الأعلى لقريش. وهذه واحدة من الآيات التي تحدثت عن هذا الموضوع:

{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ[8] وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (البقرة 2/136)

والآيات المكيَّة التَّالية تخبر أنَّ الكتب التي نزلت على إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لم تعد قائمة بين يدي أهل مكة:

{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ، فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا، سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} (الأنعام 6/155-157)

لم يكن أهلُ مكة يعرفون من كتب الله سوى ما بين أيدي اليهود والنَّصارى، لذلك قالوا “إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا”، ومن المعلوم أنَّه لم تخْلُ أمَّة من كتاب إلهي كما تدل عليه الآية 24 من سورة فاطر. وقد بعث الله تعالى في أهل المكة الأمِّيِّين رسولاً منهم يعلمهم الكتاب والحكمة، وبهذا قد أخرجهم من الأمِّيَّة وزكَّاهم. يقول الله تعالى:

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (الجمعة 62/2)

ويأتي مصطلح الأمِّيِّ ليدلَّ على الشَّخص المكِّيِّ أيضا. وسنرى هذا بوضوح في النُّقطة التَّالية المتعلَّقة بنبيِّنا محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم.

3_ أُميَّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم

لم يكن محمد عليه السَّلام قبل بعثته صاحب علمٍ بكتب الله تعالى، أي أنَّه كان أُمِّيَّا من هذا الوجه، نعلم هذا من الآيات التَّالية:

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا، مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الشورى 42/ 52)

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ، فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ، وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ. وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}  (العنكبوت 29/ 47- 48)

وقد اتُّخذت الآية الأخيرة كدليلٍ على أنَّ نبيَّنا لم يكن يعلم القراءة والكتابة: وذلك بتأثير كتب التَّفسير التي أخرجت الآية عن مضمونها وفصلتها عن سابقتها، وإذا قرأنا الآية مع التي قبلها سنرى الخطأ الكبير الذي وقعت فيه تلك التَّفاسير، فكلمةُ كتاب قد جاءت نكرة غير معرَّفة، وبحسب قواعد اللغة العربية فإنَّ النَّكرة إذا جاءت بعد معرفةٍ من جنسها فيقتضي أن تكون النَّكرة من جنس المعرفة السَّابقة، كأن يسأل أحدُهم: هل حضر المدعوُّون؟ فيُجاب: لم يحضر أيُّ مدعوٍّ. فكلمة مدعوّ النَّكرة هي من جنس المدعوِّين المعرفة الواردة في سؤال السَّائل، لذا لا يمكن أن تكون النَّكرة إلا عائدة على المعرفة السابقة من جنسها[9].

كانت أميَّة محمد عليه السَّلام ضروريَّة لإيمان اليهود والنَّصارى به، وهذه الآيات تتحدَّث عن ذلك:

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ، فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف 7/ 157-158)

يؤمن اليهود بالتَّوراة أمَّا النَّصارى فيؤمنون بالتَّوراة والإنجيل، وأميَّةُ خاتم النَّبيِّين قد ذُكرت في كلا الكتابين، لكنَّ أمَّيَّة النَّبيِّ عندهم لا تأتي بمعنى (الذي لا يعلم الكتاب) بل كونه مكيَّا بالضَّرورة. والميزة الأساسيَّةُ لمكة أنَّها أمُّ القرى[10] ، أي أنَّها مدينة العالم الرئيسيَّة. ولوجود لفظ الأمِّ في (أمِّ القرى) أمكن إطلاق لفظ الأمِّيِّ على كلِّ مكيِّ.

ورد في سفر التَّثنية خطابُ الله تعالى لنبيِّه موسى عليه السَّلام:

“أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ” (سفر التثنية، 18/ 18-19)

وتعبير (من وسط إخوتهم) يشير إلى الإخوَّة بين شعبين وليس الأخوة الشَّخصيَّة، وأهلُ مكَّة هم من نسل إسماعيل عليه السَّلام، أمَّا بنو إسرائيل فهم من نسل أخيه إسحاق، فقوله من وسط إخوتهم أي من وسط بني إسماعيل، أي أهل مكة.

لم يكن لنبي الله إبراهيم ولدٌ من زوجته سارة، وقد عمدت سارة لتزويجه من جاريتها المصريَّة هاجر، قائلة له: “عسى أن يكون لنا ولد بهذا الطريق” وبعد أن حملت هاجر بدأت سارة بمضايقتها بدافع الغيرة مما دفع هاجر للهروب، وقد خاطبها أحدُ الملائكة قائلا: “الآن صرت حاملا، وسيكون لك ولد تسمِّيه إسماعيل” وقد كان عمر إبراهيم لما ولد له إسماعيل 86 عاما[11].

بعد ذلك ولدت سارة إسحاق، لكنَّ ذلك لم يحدَّ من غيرتها تجاه هاجر وابنها إسماعيل حتى إنها قالت لإبراهيم عليه السلام:

“اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ”[12]

اصطحب إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنه إسماعيل متَّجها إلى مكَّة البلد الأمين، وبعد أن أودعهما قريبا من مكان الكعبة دعا ربه قائلا:

{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ، فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (إبراهيم 14/37)

وقد ترعرع إسماعيل عليه السلام في مكَّة، ولما بلغ سنَّ الفُتوَّة وأصبح قادرا على السَّعي رأى إبراهيمُ عليه السَّلام في المنام أنَّه يذبحه، فأتى مكَّة وأخبر إسماعيل بما رآه، فأجابه بأنه سيجده صابرا لتنفيذ ما أمره الله تعالى به. والآيات التَّالية تخبر عن ذلك:

{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى، قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (الصافات 37/ 102- 109)

لم يُذكر اسمُ إسماعيل عليه السلام في هذه الآيات، لكنَّه قد تمَّ توضيح أنَّ إسماعيل هو القربان في الآية التالية:

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا. وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (مريم 19/ 54-55)

والوعد الذي أوفى به إسماعيل هو ذلك الذي قطعه لأبيه بالصَّبر على أمر الله بذبحه:

{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات 37/102)

بحسب الآيات فإن إبراهيم عليه السَّلام قد قدم مكَّة مرَّتين على الأقل، ويُحتمل أنَّه قدم الثَّالثة. المرَّة الأولى عندما قدم بإسماعيل وأمِّه وأسكنهم جانب البيت، والثَّانية عندما جاء لينفذ الرُّؤيا بذبح إسماعيل، والثَّالثة عندما أقاما الكعبة، وربَّما أقاما الكعبة عند قدومه الثَّاني. والآية التَّالية متعلِّقة بإعادة بنائها:

{وَإِذْ يَرْفَعُ ابراهيم ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (البقرة 2/ 127-128)

وقول إبراهيم (وأرنا مناسكنا) يدلُّ على أن تلك المناسك كانت معلومة من قبل لكنَّها اختفت، ولا بد أنَّ سبب اختفائها هو طوفان نوح عليه السَّلام[13].

ولأجل أن يبعث الله تعالى لأهل مكَّة رسولا منهم دعا إبراهيمُ وإسماعيلُ بهذا الدُّعاء:

{رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ، إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} (البقرة 2/129)

والآية التَّالية تخبرنا بأنَّ الله تعالى قد استجاب دعاءهما:

{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (البقرة 2/151)

إنَّ الكلمات التَّالية التي وجَّهها الله تعالى إلى النَّبيِّ موسى في التَّوراة هي دليلٌ على قبول دعاء إبراهيم وإسماعيل وأنَّه سيأتي رسولٌ من ذريَّة إسماعيل:

“أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ”[14]. أطالبه بمعنى أُجازيه

وتفيد العبارات التَّوراتيَّة التَّالية أنَّ العلاقة بين بني إسرائيل وبين بني إسماعيل لم تكن منسجمة:

“وَإِنَّهُ (إسماعيل) يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ”[15]

وقد وردت نصوصٌ في التَّوراة والإنجيل تفيد بأنَّ النَّبيَّ المنتظر هو محمدٌ عليه الصَّلاة والسَّلام. جاء في الإنجيل ما يلي:

قال لهم يسوع: “أمَا قرأتم قطُّ في الكتب: الحجرُ (نسل إسماعيل) الذي رفضه البنَّاؤون هو قد صار رأس الزَّاوية؟ من قِبل الرَّب كان هذا، وهو عجيبٌ في أعيننا!. لذلك أقول لكم: إنَّ ملكوتَ اللهِ يُنزعُ منكم ويُعطى لأمَّة تعمل أثماره. ومن سقط على هذا الحجر يترضَّض، ومن سقط هو عليه يسحقُه”[16].

والمقصود بكلمة (الكتب) الواردة في النَّص أعلاه على لسان المسيح هي التَّوراة، والعبارات المتعلِّقة بموضوعنا من التَّوراة ما يلي:

“الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا. هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ. آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ، آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ. مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ، بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ”[17].

و (الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ) هو نسل إسماعيل عليه السلام، و (بيت الرَّب) هو بيت الله، وهو المكان الذي تؤدَّى فيه عبادةُ الحجِّ، أي مكَّة المكرَّمة. يقول الله تعالى:

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ[18].  فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران 3/96-97)

يُطلق البيتُ في لغة العرب على المكان الذي يمكن النَّوم فيه ليلا[19]، ومعلومٌ أنَّه لا يمكن للحاجِّ أن يبيت داخل الكعبة، أمَّا الأماكن التي يبيت الحاج فيها أثناء أداء الحجِّ هي عرفات ومزدلفة ومِنى وما حول الكعبة، لذلك فإن لفظ (بيت الله) يقع على جميع تلك الأماكن، وهو المفهوم حصرا من قوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران 3/97). والذَّاهبون للحجِّ لا يذهبون لأجل الكعبة فقط بل لأداء العبادة في مقام إبراهيم الذي تشكِّل الكعبةُ جزءا منه.

ومقام إبراهيم ليس كما يُعتقد أنَّه البناء الصَّغير جدا القريب من الكعبة، فهو لا يُقام فيه لصغره. فالمقام يعني المكان الذي يُقام فيه، ولأنَّه لا يوجد لهذه الكلمة صيغة جمع فإنها تستخدم للمفرد والجمع كليهما. وقد استخدمها القرآن بمعنى الجمع في الآية التالية:

{كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} (الدخان 44/25-28) ومقام هنا لا يُفهم منها مكانٌ واحد بل كلِّ الأماكن التي كانت تحت سطلة فرعون وتصرِّفه، حيث أورثها الله تعالى لبني إسرائيل.

لقد هُدمت الكعبةُ في طوفان نوح، وعلى إثر ذلك نُسِيت الأماكنُ التي تُؤدَّى فيها عبادةُ الحجِّ. أثناء إعادة بناء الكعبة دعا إبراهيم ربه قائلا: {وأرنا مناسكنا} (البقرة 2/128) وقد أراه الله تعالى تلك المناسك، وبعد أن أدَّى مناسك الحجِّ تلقَّى الأمرَ الإلهيَّ التَّالي:

{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ[20] لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ[21] فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ[22] وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (الحج 22/27-29)

والأمرُ بالحجِّ ليس موجَّها إلى المسلمين فقط، بل إلى كلِّ النَّاس. يقول الله تعالى:

{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ، ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (آل عمران 3/97)

نظرًا لأنَّ الأماكن التي يؤدِّي فيها اليهودُ والمسيحيُّون عبادةَ الحجِّ هي نفسُها، فإنَّ العبارات التَّالية من التَّوراة تتعلَّق بمقام إبراهيم:

“طُوبَى لِلسَّاكِنِينَ فِي بَيْتِكَ (البيت الحرام ومكة) ، أَبَدًا يُسَبِّحُونَكَ. سِلاَهْ. طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ (بكة)، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا. أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ. يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ. يُرَوْنَ قُدَّامَ اللهِ فِي صِهْيَوْنَ”. (سفر المزامير 118/22-26)

وبكَّة الذي هو الاسمٌ الآخر لمكَّة يردُ في الآية التالية:

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (آل عمران 3/96)

وادي بكَّة يمتدُّ من جبل عرفات حتى المسجد الحرام. وهذا الامتداد هو مقام إبراهيم. وكلمة بكَّة مشتقَّة من التَّباك، وهو التَّلاصق الشديد النَّاتج عن الزّحام. يحتوي وادي بكَّة على مناسك الحجِّ كلِّها، وهي عرفات ومزدلفة ومنى والكعبة والصَّفا والمروة.

ما قرآناه حتى الآن من آيات القرآن والتَّوراة والإنجيل تُظهر أنَّ سبب وصفِ نبيَّنا الخاتم بالأمِّيِّ هو كونُه من مكَّة. وما ذكره الله تعالى في التَّوراة لإبراهيم عليه السلام يُشير إلى نبيِّنا:

“اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ”[23]

وقد ورد في القرآن عبارة مشابهة تكرَّرت في ثلاثِ آيات:

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (التوبة 9/33، الفتح 48/28، الصف 61/9)

وفي آية أخرى يوجُّه الله تعالى للمؤمنين الأمرَ التَّالي:

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الأنفال 8/39)

اليهود لم يكونوا راغبين برؤية محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام ولا حتَّى السَّماع به.  إنَّهم يبحثون عن صهيون في القدس ويسعون إلى تدمير الشَّرق الأوسط من خلال السَّعي للسَّيطرة على العالم دون قبولهم الإسلام. وهذا متعذِّر  لأنَّ الله تعالى قد أصدر لهم هذا الأمر:

{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ[24] اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ[25] وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ. وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ[26] وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} (البقرة 40-41)

لكنهم لم يوفوا بالعهد حتى الآن، بل يضمرون الشَّرَّ لمن آمن، وهم متفاوتون في نظرتهم للمسلمين، وَالآياتُ التي تكشف عن موقف أهل الكتاب تجاه المسلمين ما يلي:

{ومِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ[27] لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ، وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ[28] وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ. إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ، وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ، وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ، وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران 3/75-78)

الدِّين الذي سيود العالم كلَّه هو الإسلام، دينُ الله الذي جاء به جميعُ الأنبياء منذ آدم عليه السَّلام، والذين يتنكَّبون عن هذا الدِّين إلى دين آخر مفترى على الله سيلاقون الجزاء بؤسا في الدُّنيا وجحيما في الآخرة، والأموال التي ينفقونها لصدِّ النَّاس عن هذا الدِّين ستكون عليهم حسرة، ويأبى الله إلا أن يتمَّ نوره ولو كره الكافرون.

النَّتيجة

الأمِّيُّ هو الشَّخص الذي يبقى على الحالة التي ولدته أمُّه عليها من حيث عدم تلقِّيه العلم، ويُطلق عليه الجاهل أيضا. ولأنَّ كلَّ شخص يكون عالما بشي وجاهلا بآخر فإنَّه لا ينجو أحدٌ من الوصف بالأمِّي من وجه دون وجه. وقد فُسرت كلمةُ الأمِّيِّ في كتب التَّفسير بأنَّه الشَّخص الذي لا يعرف القراءة والكتابة، وعند النَّظر في جميع الآيات ذات الصِّلة يظهر لنا خطأ ما ذكره المفسرون من معنى الكلمة. وبحسب الآيات التي أوردنا فإنَّ لكلمة الأمِّيِّ معنىً عامَّا وآخر خاصَّا، فالعامُّ منهما يُطلق على الذين لم يتلقَوْا كتابا إلهيا أو أولئك الذين بين أيديهم كتابا يؤمنون به لكنَّهم لا يعلمون ما فيه. أمَّا الخاصُّ فهو الفرد من أهل مكة.

كون النَّبيِّ الخاتم سيخرج من مكَّة هو نبوءة مشتركة بين التَّوراة والإنجيل، وضرورة كون خاتم النَّبيِّين مكيَّا مهمٌ لإيمان اليهود والنَّصارى به، لهذا السَّبب ورد وصف خاتم النَّبيِّين بالأمِّي في آيتين قرآنيتين، كلاهما بمعنى المكيّ.

ولأنَّ المسلمين أضاعوا منهج استنباط الحكمة الذي علَّمهم إياه نبيُّهم (البقرة 2/151) وصلوا إلى حالة لا يستطيعون حلَّ مشاكلهم بالقرآن، كما أنَّهم لم يلاحظوا دورَ المنافقين في تحريف معاني الآيات ومنها بالطبع ما لحق بمصطلح الأمِّيِّ.

وأخيرا أختم بالابتهال إلى الله العليِّ القدير أن يردَّ المسلمين إلى كتابه الحكيم ليتعلَّموا دينَهم منه، وليجدوا منه الحلول لمشاكلهم التي تراكمت عبر السِّنين بسبب تركه والاشتغال بغيره.. إنه سميع مجيب.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله www.hablullah.com

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  انظر لسان العرب لابن منظور، مادة أمم

[2]  الأعراف 7/ 157- 158

[3]  البقرة 2/ 78، آل عمران 3/ 20، 75، الجمعة 62/ 2

[4]  انظر الراغب الأصفهاني، المفردات، مادة مني

[5]  تحريف الشيء: إمالته، وتحريف الكلام: أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين (المفردات، مادة حرف)، والتحريف لا يكون في النص بل في المعنى، لهذا يُصدِّق القرآن النُّصوص الرئيسية للكتب السابقة. ولكن بسبب تحريف كلمة التحريف فقد نُسي أن القرآن صدق على الكتب السابقة، كما تم تغطية ما تمّ تحريفه من معاني بعض الآيات القرآنية. وكان معظم التحريفات قد دخلت على الآيات التي أزعجت اليهود.

[6]  القليل يأتي بمعنى نزارة الشيء أو سرعة زوال الشيء، أي خلاف الاستقرار (انظر مقاييس اللغة لابن فارس مادة قلَّ)

[7]  أنجع وسيلة ينتهجها المفترون لخداع الناس في دينهم هي إعطاء الانطباع بأن ما كتبوه كان بأمر الله تعالى أو أن آرائهم مأخوذة من كتاب الله.

[8]  الإيمان بالله تعالى وبكتبه التي أنزلها على أنبيائه يقتضي عدم التفريق بينهم، أي بين الله وكتبه. يقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا. أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا. وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء 4/ 150- 152)

[9]  وكلمة (كتاب) المذكورة في الآية الثانية ترجع إلى الكتاب المذكور في الآية التي قبلها، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} (المائدة 5/ 19) فكلمة بشير ونذير النكرتان لا يفهم منهما سوى أنهم الرسل المذكورين قبلهما.

[10]  الأنعام 6/ 92، الشورى 42/ 7

[11]  انظر سفر التكوين، 16/ 1-16

[12]  سفر التكوين 21/ 10

[13]  انظر تفسير الطبري، جامع البيان، تفسير الآية 96 من سورة آل عمران

[14]  سفر التثنية 18/18-19 ، وقوله (أنا أطالبه) بمعنى أجازيه.

[15]  سفر التكوين 16/12

[16]  إنجيل متى 21/ 42-44

[17]  سفر المزامير 118/22-26

[18]  القبلة الأولى هي الكعبة المشرفة، وفي زمن داوود عليه السلام تحولت القبلة إلى بيت المقدس (سفر صموئيل الثاني 24/16-25) لتكون امتحانا للناس الذين يعاصرون خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم (البقرة 2/142-150)

[19]  انظر مفردات الراغب الأصفهاني، مادة بيت

[20]  وأبرز تلك المنافع هي الأعمال التجارية التي يقومون بها

[21]  وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم بنوعيه المعز والضأن، أنظر (الأنعام 6/142-143)

[22]  قضاء التفث هو الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة .. فعن عروة بن مضرس، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بجمع، فقلت: يا رسول الله، جئتك من جبلي طيئ أتعبت نفسي، وأنضيت راحلتي، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال: ” من شهد معنا هذه الصلاة – يعني صلاة الفجر – بجمع، ووقف معنا حتى نفيض منه، وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا، أو نهارا، فقد تم حجه وقضى تفثه”. أخرجه أحمد في المسند برقم (16208) والترمذي (891) وقال: هذا حديث حسن صحيح ، والنسائي في “المجتبى” 5/263، وابن حبان (3851) ، والبيهقي في “السنن ” 5/173، والدارمي 2/59، وابن ماجه (3016) وابن خزيمة (2820) ، والدارقطني 2/239، والحاكم 1/463، والبيهقي 5/173

[23]  سفر التكوين 12/1-4

[24]  إسرائيل هو يعقوب عليه السلام (مريم 19/49-58) وأبوه النبي إسحاق، وجده إبراهيم عليهم السلام (البقرة 2/133، هود 11/77) ويوسف أحد أبناء يعقوب، الذي أُخذ كعبد إلى مصر وبيع لعزيز مصر الرجل الثاني في دولة فرعون، وقد اختار يوسف الحبس على أن يصغي لامرأة العزيز وصديقاتها (يوسف 12/56) وبعد خروجه من السجن وتمكينه في الأرض أمر بإحضار أمه وأبيه وإخوته إلى مصر واستوطنوها (يوسف 12/99-100) وقد جعله الله تعالى رسولا إلى أهل مصر (غافر 40/34) ومع مرور السنين تزايدت أعداد بني إسرائيل في مصر، وقد انتهى بهم الأمر إلى أن يلاقوا العنت في عهد فرعون الخروج، ولإنقاذهم من ظلم فرعون بعث الله تعالى لهم موسى وهارون رسولين لتنفيذ أمر الله تعالى بإنقاذهم (القصص 28/3-6).

[25]  تمثل إكرام الله تعالى إليهم وإحسانه عليهم بأن بعث منهم أنبياء كثيرين ابتداء بيعقوب وانتهاء بعيسى عليهم السلام (البقرة 2/136، آل عمران 3/81 و 84) وهذه واحدة من الآيات ذات الصلة {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (المائدة 5/20)

[26]  لو لم يُصدِّق القرآن الكتب السابقة، فلن يضطر الذين آمنوا بها إلى تصديق القرآن، لأن ما يؤمنون به من الكتب هي كتب الله تعالى كذلك. يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران 3/81-82)

[27]  الدينار المستخدم كنقد في زمن نبينا هو الدينار الذهبي البيزنطي، والمتواجد منها اليوم في متاحف إسطنبول الأثرية يزن أثقلها 4.35 غم

[28] وهي مهمة الإيمان بالنبي (البقرة 2/40-41، آل عمران 3/81)

التعليقات

  • جزاك الله خير
    لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أميًا لا يقرأ و لا يكتب قبل نزول الوحي و الدليل قوله تعالى: (و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك إذاً لأرتاب المبطلون)
    و معنى الآية إن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان يقرأ و يكتب لقال الكافرون بأنه من ألّف القرآن و الأمر الثاني بكة تعني مكان العبادة او المكان المقدّس و هنا تعني الكعبة و ليس مكة

    • قوله تعالى: (و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك إذاً لأرتاب المبطلون)
      في هذه الآية دليل على أن نبينا لم يكن يتلو أيا من كتب الله تعالى ولا يخطها بيمينه، فهو من هذا الوجه كان أميا لا يعلم كتاب الله تعالى حتى نزل عليه القرآن فانتهت أميته بهذا المعنى
      وليس في الآية دليل على أنه لم يكن يعرف الكتابة والقراءة،
      وفي القرآن تحد لجميع البشر أن يأتو بمثل هذا القرآن ليس فقط الذين يعلمون القراءة والكتابة وإنما لمن يعرفون الشعر وعلم البلاغة وغير ذلك من فنون العلم والأدب، وهذا دليل على أن معرفة نبينا للقراءة والكتابة ما كانت لتشكل على العرب كون القرآن ليس من كلام الإنس والجن لأنه فوق قدرتهم على أن يأتوا بمثله.
      أما بكة فهي مكان العبادة كما ذكرت ونحن نعلم أن العبادة في مكة لا تكون في الكعبة فقط وإنما في الصفا والمروة ومنى ومزدلفة وعرفات، وهذا الوادي الذي تتواجد فيه المناسك هو وادي بكة.

  • اتوقع ان الأمي من الرسل هو الذي على الفطرة فالرسل جميعهم فطرهم الله على الإسلام والتسليم له فلم يتعلموا دين قومهم، تجدهم ينفرون من تلك المعتقدات ولكنهم متعلمين القراءة والكتابة إنما أميتهم بالمعتقدات فقط، وعلى هذا الأساس تجدهم ما انخرطوا في دين قومهم ولا معتقداتهم فهم أميون بما يعتقده قومهم مفطورون بالتفكر في ملكوت الله حتى يأتيهم الوحي من الله . فلذلك اعتقد ان كل الرسل أميون على الفطرة ما فسدت عقولهم كما اقوامهم ليعلمهم الله بعد ذلك رسالته التي سيبلغونها لأقوامهم
    والله اعلى واعلم
    اتمنى رسالتي وفكرتي تكون وصلت واتضحت . انا تعليمي بسيط ولكني دائم التفكر في مقاصد الله تعالى في القرأن فربما اصيب واخطئ هذا ما اردت ايضاحه والله من وراء القصد .

  • الأستاذ الدكتور عبد العزيز بايندر حفظك الله…تحيّة وتقديرًا لشخصك الكريم؛ وبارك الله بك
    على هذا المقال؛ وأودّ القول إنّ { الأمّيّ } لسيدي رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ إنما هي
    مشتقة من قوله سبحانه: { إنّ إبراهيم كان أمّة ؛ قانتًا لله حنيفًا ولم يكُ من المشركين }(النحل 120).وليس من { أمّ القرى }: مكة.بمعنى أنّ النبيّ الأمّيّ هو: الحنيف المؤمن على دين إبراهيم
    الخليل عليه السّلام.وخصّ الله بها سيدي رسول الله محمد؛ دون غيره من الأنبياء والمرسلين؛
    الذين سبقوه؛ لمقامه الكريم ؛كونه الرسول الخاتم.ومعلوم لحضرتك العلاقة الوثقى بين النبيّّ
    إبراهيم والنبيّ محمد في عديد الأحاديث الشريفة؛ كحديث الإسراء والمعراج.والسّلام عليكم
    ورحمة الله وبركاته.

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..وأودّ إضافة تكملة بيان لما سبق نشره؛ لو كان المراد أنّ سيدي رسول الله سمّي بالأمّيّ نسبة لمكة { أمّ القرى } كما هو شائع ذائع؛ فإنّ أولى منه بهذه التسمية النبيّ الكريم إسماعيل ابن إبراهيم الخليل؛ فهو مكيّّ الولادة والنشأة والبعثة والوفاة؛ ودفن في الحطيم الملاصق للكعبة.لكنه لم يقال بشأنه الكريم { أمّيّ }.وهو ابن إبراهيم الخليل.إضافة إلى ذلك أنّ معنى أمّيّ لسيدي رسول الله من { أمّة } كما قلنا ؛ معناه المُعلّم؛ أي عكس معناها المتداول اليوم؛ بعدم القراءة والكتابة.فالنبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم الأمّيّ أي المعلّم لنا وللعالمين رسالة الله في الأرض.وهذا يقع ضمن علوم البلاغة؛ بالشيء وضده. كذلك كان سيدنا إبراهيم الخليل {أمّة } أي المُعلّم.وهذه الصفة تلتقي مع تصنيفات الأنبياء الكرام…فهناك نبيّ سمّي بخطيب الأنبياء؛ وهو سيدنا شعيب؛ وثمة نبيّ سمّي بالكليم وهو سيدنا موسى وهكذا.لكم التقدير مع الاحترام:{ وفوق كلّ ذي علم عليم }( يوسف76).

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.