حبل الله
الردُّ على دعوى إباحة المسيح عليه السلام لشرب القليل من الخمر

الردُّ على دعوى إباحة المسيح عليه السلام لشرب القليل من الخمر

السؤال: لي صديق مسيحي جادلني بأن شرب القليل من الخمر جيدٌ للإنسان بحيث يهدِّئه ويخفِّف عنه مصاعب الحياة، وقد احتجَّ عليَّ بأنَّ المسيح عليه السلام كان يوصي بشرب القليل من الخمر لأنَّه ينعش الرُّوح. ولمَّـــا قلت له إنَّ القرآن حرَّمها، قال إنَّ القرآن رُبَّما حرَّم الأنواع المؤذية من الخمر وليس كلَّ أنواعها. وأنا لم أقتنع بما قال لكنِّني لضعف علمي بأمور الدين لم أستطع إقناعه بوجهة نظري. أرجو منكم توضيح الأمر وجزاكم الله خيرا.

الجواب: قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة، 5/ 90-91). والخمر: اسمٌ لكلّ مُسْكِرٍ خَامَرَ العَقْلَ[1]. وسُمِّي الخمرُ خمرا لأنَّه يغطِّي العقل ويخامره؛ أي يخالطه، فيختلط الأمر على شاربه، ثمَّ إنِّه ستار يحول دون رؤية الأشياء على حقيقتها.

وعن ابن عمر رضي الله عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “كلُّ مسكر خمر، وكلُّ مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدُّنيا فمات وهو يدمنها ولم يتب لم يشربها في الآخرة”[2] فلا فرق بين خمر وخمر، ولا يوجد خمر جيد وآخر رديء، لأنَّ الخمر وصف لكلِّ مسكر، وكلُّ مسكر حرام سواء كان مشروبا أو مأكولا أو مشموما، وسواء كان غالي الثَّمن أم رخيصه، فيدخل في هذا المعنى جميع أنواع الخمر والبيرة والمخدِّرات بجميع صنوفها وعلى اختلاف مسمَّياتها، وهي محرَّمة كلُّها بنصِّ الآية السَّابقة وتطبيق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وبحسب الآية فإنَّ الحكمة من تحريم الخمر ما يلي:

1_ أنَّها رجس من عمل الشيطان

2_ هي سبب في وقوع العداوة والبغضاء بين النَّاس

3_ كما أنَّها وسيلة الشَّيطان لصدِّ النَّاس عن ذكر الله تعالى وعن الصَّلاة.

بناء على ذلك فلا يمكن أن تكون الخمرة ممَّا أحلَّه الله تعالى للأمم السابقة. وما ادَّعاه صاحبُك من توصية المسيح عليه السَّلام بشرب القليل من الخمر لا يصدُّقه القرآن، فلا يعدو كونه مما افتري على المسيح، لأنَّ شريعة الأنبياء واحدة كما بيَّنه قولُه تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (الشورى 42 /13)

أمَّا تخفيف مصاعب الحياة فيكون بمواجهة المشكلات والعمل على حلِّها وليس بالهروب منها، ويكون ذلك _أولا_ بطلب العلم الذي هو مفتاح حلِّ المشاكل كلِّها، كما قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الزمر 30 /9)

ويكون _ثانيا_ بالسَّعي في طلب الرِّزق: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك 67 /15)

وقد بيَّن الله تعالى أنَّ النَّجاح والفشل مرتبطان بالكدِّ والسَّعي: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى} (النجم 53 /39-41)، وقوله تعالى {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ} (التوبة 9 /105)

والكدُّ وبذل الجهد يجب أن يكون مشفوعا بالصَّبر والتَّوكُّل على الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة 2 /45)

وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة جمال نجم (الخمر: حقيقته وحكمه وعقوبته) على هذا الرابط

http://www.hablullah.com/?p=2053

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] تاج العروس، مادة خمر 11/210

[2] أخرجه مسلم (3/1588، رقم 2003) ، وأحمد (2/29، رقم 4831) ، وابن حبان (12/188، رقم 5366) ، والترمذى (4/290، رقم 1861) ، وقال: حسن صحيح. والنسائي في الكبرى (3/212، رقم 5093) ، وأبو داود (3/327، رقم 3679) وغيرهم

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.