حبل الله
الليل والنهار

الليل والنهار

الليل والنهار

أ.د عبد العزيز بايندر

الليل والنهار كائنان مستقلان يدوران في محورهما الخاص كالشمس والقمر تماما. قال الله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» (الأنبياء، 21 / 23). وقال أيضا: «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ . لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» (يس، 36 / 38-40). والنهار سابقُ الليلِ كما أخبرنا الله تعالى عن ذلك بقوله: « وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ».

الليل والنهار يدوران حول العالم، كالحلقات المتداخلة، يتقدم النهار في جزء من اليوم فيغطي الليل ويتقدم الليل في جزء آخر فيغطي النهار، ويستمران على هذا النحو إلى قيام الساعة. «يقلب الله الليل والنهار إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار» (النور، 24 / 44).

وقال الله تعالى: «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ» (الزمر، 39 / 5). وقال أيضا: «يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا» (الأعراف، 7 / 54).

1. علامتا  الليل والنهار

من الشائع أنّ الشمس هي التي تشير إلى النهار، وعليها يجري تحديد الأوقات. ولكن الحقيقة أنّ الشمس ليست مؤشرا للنهار. قال الله تعالى: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً» (الإسراء، 17 / 12).

كلمة الآية تعني العلامة الواضحة التي تدل على وجود الشيء. وقوله تعالى: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ» يدل على أنّ كلا منهما علامة ومؤشر؛ وبهما يتكون يوم واحد. والذهاب بآية الليل يدل على أنّ الإضاءة سمة أساسية للنهار. وهذا مما يدعو إلى أهمية دراسة هذا الموضوع، كما أنه يجعل ضروريا وجود النهار بدون الشمس والليل بوجود الشمس.

والآية _كما ذكرنا آنفا_ تعني العلامة الواضحة التي تدل على وجود الشيء. قال الله تعالى: « وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون» (النحل، 16 / 16). والعلامات المذكورة في هذه الآية هي معالم يُهتدى بها إلى الطريق الصحيح. وكذلك الآيات القرآنية تهدي إلى الطريق الصحيح. كما تطلق الآية على معجزات الأنبياء لأنها علامات تدل على نبوتهم.

 وكلمة “مبصرة” في قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً» مأخوذة من (بَصَرَ) والمبصر بمعنى المؤشِّر. وكون المبصر علامة النهار يلزم أن يستضيء المحيط بشكل جيد بما يمكن الرؤية حتى يتحقق النهار، وعلى هذا فلا يمكن القول بأن النهار يبدأ باستنارة الأفق الشرقي، لأن المحيط في هذا الوقت مظلم لا يمكن الرؤية فيه.

وفي العادة يبدأ النهار بطلوع الشمس، لأن الإبصار يتحقق بعدئذ. ويبدأ النهار في الأماكن التي لا تطلع فيها الشمس بانتشار الضوء في المحيط حيث يمكن الرؤية بوضوح. وعلى هذا فتعريف النهار الشرعي بأنه يبدأ بانتشار الضوء في الأفق الشرقي ليس تعريفا صحيحا، كما أن هذا التعريف لا ينطبق على ما يتعلق بالليل والنهار من المقاييس في القرآن الكريم.

وقوله تعالى: «فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ» (الاسراء، 17 / 12).  يدل على عدم وجود علامة تشير إلى الليل.[1] ولكن علماء الإسلام اعتبروا الظلام علامة لليل فاشتد الموضوع تعقيدا، حيث لم يُفهم موضوع تحديد أوقات الصلوات، وجيئ بتفسيرات لا تنطبق مع الآيات. وقد ذكر الزمخشري فيها ثلاث آراء:

أحدهما: أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما، فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين، كإضافة العدد إلى المعدود، أى: فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة. وهذا التفسير لا يتماشى مع الآية التي تنص على أنّ الله تعالى أذهب (محا) علامة الليل وليس الليل، لأنه لو ذهب بالليل لم يعد هنالك ما يسمى ليلا.

والثاني: أن يراد: وجعلنا الليل والنهار آيتين، يريد الشمس والقمر. فمحونا آية الليل: أي جعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلما، لا يستبان فيه شيء كما لا يستبان ما في اللوح الممحوّ، وجعلنا النهار مبصرا أى تبصر فيه الأشياء وتستبان. وهذا القول أيضا ليس صحيحا؛ لأننا نفهم من قول الله تعالى: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ» أنّ كل واحد من الليل والنهار علامة بنفسه؛ أما الزمخشري فيزعم أنّ المراد بهما الشمس والقمر اللذان ينيران الليل والنهار. كما أنّ الله تعالى يقول: «فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً»؛ ولكن الزمخشري يقول إنّ الله تعالى جعل القمر – الذي يعتبره علامة الليل- مظلما لا يستبان فيه شيء. لو كان القمر علامة الليل لبدأ الليل بطلوعه ، ولانتهى بمغيبه. والواقع ليس كذلك. ولا يمكن القول إنّ القمر سُحب منه الضوء فصار مظلما، لأن الله تعالى قد أخبرنا أنه جَعَلَ الْقَمَرَ في السموات نُورًا، أي ينعكس فيه ضوء الشمس، وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا أي مصدرا للضوء.[2]  لا يستبان ما في اللوح الممحوّ، ولكن النور موجود في الليل، يمكن رؤية المحيط القريب وإن لم يكن واضحا كالنهار. أمّا الليل الخالي من النور فقد عرف في الآية على النحو التالي: «أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ» (النور، 24 / 40).

والثالث: فمحونا آية الليل التي هي القمر؛ حيث لم يخلق لها شعاعا كشعاع الشمس، فترى به الأشياء رؤية بينة، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء؛ لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ، ولتتوصلوا ببياض النهار إلى استبانة أعمالكم والتصرف في معايشكم، وَلِتَعْلَمُوا باختلاف الجديدين عَدَدَ السِّنِينَ وَجنس الْحِسابَ وما تحتاجون إليه منه، ولولا ذلك لما علم أحد حسبان الأوقات، ولتعطلت الأمور. وَكُلَّ شَيْءٍ مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم فَصَّلْناهُ أي بيناه بيانا غير ملتبس، فأزحنا عللكم، وما تركنا لكم حجة علينا.

ولا يمكن أن نقبل هذا الرأي أيضا. فلو كان القمر آية الليل ومُحي لما صرنا نتحدث عن القمر. ولا يمكن القول بأن المراد ذهاب نوره لأن الله تعالى لم يخلق للقمر نورا أصلا.

يقول ابن الكثير “إِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلَّيْلِ آيَةً، أَيْ عَلَامَةً يُعْرَفُ بِهَا، وَهِيَ الظَّلَامُ وَظُهُورُ الْقَمَرِ فِيهِ، وللنهار علامة وهي النور وطلوع الشمس النيرة فيه، وفاوت بين نور القمر وضياء الشمس ليعرف هذا.” [3] ولا يمكن قبول هذا التفسير بأي حال من الأحوال. لأن الآية تتحدث عن ذهاب آية الليل أما كلام ابن الكثير في سياق جعل الآيتين آية النهار وآية الليل مختلفتين.

ويشرح آلماليلي الموضوع كالتالي: إذا كان الظلام علامة الليل فبذهابه يصبح الليل كالنهار. وعلى هذا يجدر أن نعد القمر علامة الليل. يعني أنّ القمر كان قديما مثل الشمس، يعطي الضوء والحرارة. فأطفاه الله تعالى وجاء بقمر نحن نعرفه الآن.[4] وهذا التفسير كذلك لا يمكن قبوله، فكيف  يمكن الحديث عن آية الليل وعن كونها قمرا بعد أن قال الله تعالى: «فمحونا آية الليل». ولو قلنا إن القمر آية الليل فلا بد أن يطلع مع بداية الليل ويغيب مع إنتهائه. وقوله “كان القمر قديما مثل الشمس” لا علاقة له بالآية الكريمة.

أ_ علامة النهار

وقوله تعالى «وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً» يدلُّ على أنّ الإضاءة بنور الشمس سمة أساسية للنهار. والمضيء ليس الشمس بل النهار نفسه. قال الله تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» (يونس، 10 / 67).

 وعلى هذا فإنّ الشمس ليست علامة تشير إلى النهار، أي أنّه يمكن تحقق النهار بدون الشمس. وهناك مناطق لا تطلع فيها الشمس وهي مختفية تحت الأفق ولكن النهار موجود على الدوام، كالحال في المناطق القطبية. كما أنّ النهار في العربية يطلق على الوقت الذي ينتشر فيه الضوء.[5]

النهار هو الكائن الذي يُحوِّل أشعة الشمس إلى ضوء. لذا لا يمكن اعتبار الشمس علامة للنهار. وبسبب الإغفال عن هذه الدقة اعتبرت الشمس علامة تشير إلى النهار وبالتالي عُرف النهار أنّه ما بين طلوع الشمس وغروبها، وجيئ بمصطلح جديد وهو “النهار الشرعي”. وهو مصطلح فقهي جديد اخترعه الفقهاء لتحديد وقت الصوم. وهو من استطارة الضوء في الأفق الشرقي إلى غروب الشمس.[6] ولا دليل على هذا المعنى كما أنه خلاف ما نفهم من الآيات المتعلقة بالموضوع. وحين يطلع الفجر يمكنك أن ترى نور الفجر كثيفا في الأفق الشرقي بدون أن يؤثر ذلك في الظلام أي أنك لا تستطيع أن ترى ما حولك بوضوح.

يمكنك أن ترصد طلوع الفجر الصادق، وعندها سيتبين لك أن المحيط يكون مظلما. فاختراع المصطلحات بلا مستند لغوي يمنع الفهم الصحيح. وإليك الآيات المتعلقة بالموضوع:

قال الله تعالى: « أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (النمل، 27 / 86). «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ» (المؤمنون، 40 /61). « هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» (يونس، 10 / 67).

ب_ علامة الليل

يعتبر الظلام علامة لليل وهو خطأ شائع؛ لأنه لا يوجد علامة لليل. أي لا يشترط لتحقق الليالي غروب الشمس ولا الظلام ، كما أن الشمس ليست علامة تشير إلى النهار، فهناك ليلٌ مع وجود الشمس، ويطلق عليها سكان المناطق القطبية الليالي البيضاء، حيث يستريح الناسُ في هذه الساعات من اليوم. كما أنّ الآية الثانية عشرة من سورة الإسراء تدل على عدم وجود علامة لليل. وكذلك من الآيات الدالة عليه قوله تعالى: «وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا» (النازعات، 79 / 29).

وكلمة “أغطش” من الغطش، وهو الضعف في البصر كمن ينظر ببعض بصره؛ ويقال: هو الذي لا يفتح عينيه في الشمس؛ لا يستطيع أن يرى جيدا فيختلط عليه كل شيء. الغطش السدف أي اختلاط الظلام بالضوء. ومفازة غطشى أي غمة المسالك لا يهتدى فيها؛ والمتغاطش: المتعامي عن الشيء.[7] وعلى هذا فكلمة غطش في اللغة تدل على ما ليس له علامة يعرف بها؛ فالليل ليست له علامة.

وقيل في تفسير قوله تعالى: «وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا» أي أظلم ليل السماء؛ وهو المعنى اللازم وليس المعنى اللغوي للكلمة؛ ويكون المعنى أظلم المحيط في الليل، مع أن الآية تقول إن الليل بذاته جُعِل مظلما بسحب علامته.

وكذلك قوله تعالى: «وآيةٌ لهم الليلُ نسلخُ منه النهارَ فإذا هم مظلمون» (يس، 36 / 37)، يدل على أنّ الليل مظلم. فقوله تعالى: «فإذا هم مظلمون» أي داخلون في الظَّلام, ويمكن أن يكون المعنى، داخلون في الجو المشرق. لأن كلمة “أظلم” من الكلمات التي تفيد ضد المعنى. وعلى هذا أظلم الليل أي أسود أو نور. والظلم: الماء الذي يجري ويظهر على الأسنان من صفاء اللون لا من الريق، حتى يتخيل لك فيه سواد من شدة البريق والصفاء. ويعبر بالظلم عن بياض الأسنان كأنه يعلوه سواد. قال كعب بن زهير: تجلو غوارب ذي ظلم، إذا ابتسمت، … كأنه منهل بالراح معلول.[8] ويقال أَظْلَمَ الثَّغْرُ: إذَا تَلأْلأَ، كَالماءِ الرَّقِيقِ، مِنْ شِدَّةِ رِقَّتِهِ.[9]

وإذا استعملت كلمة أظلم مقترنة بالليل فُهم منها سواد الليل لأن هذا هو المعهود.

ت. أجزاء النهار

يتكون كل من الليل والنهار من ثلاثة أجزاء.  والجزء الأطول منهما (أي الليل والنهار) هو الجزء الوسط ولم تفرض الصلاة فيه. ومن خط الاستواء إلى الدرجة 45 من الخط العرضي يبدأ النهار بطلوع الشمس وينتهي بغروبها. ويبدأ الجزء الأول من النهار من طلوع الشمس والجزء الثاني يبدأ من زوال الشمس أي بمرورها من الخط الطولي، ويبدأ الجزء الثالث من العصر وينتهي النهار حين تغرب الشمس. وقد فرضت في النهار صلاتان؛ إحداهما صلاة الظهر التي يبدأ وقتها بزوال الشمس، والثانية صلاة العصر، وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد إن شاء الله.

ث. أجزاء الليل

نفهم من الآيات المتعلقة بالموضوع أنّ الجزء الأول من الليل يبدأ بغروب الشمس، والثاني وسط الليل وقت النوم والاستراحة وهو أطول أجزاء الليل، والثالث وقت السحر وهو ما بين استنارة الأفق الشرقي حتى تطلع الشمس.

ومن خط الإستواء إلى الدرجة 45 يحدث الشفق في الأفق الغربي بعد غروب الشمس، وفي الأفق الشرقي قبل طلوعها. وحين تكون الشمس تحت الأفق بـ 18 درجة أو اكثر تزداد شدة الظلام. وبهذا ينقسم الليل إلى ثلاث أجزاء وهي: المساء (يمتد من غروب الشمس إلى غسق الليل)، ووسط الليل، ووقت السحر. ويشكل كلُ جزء منها ثلث الليل.

وفي مكة المكرمة قبل الهجرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يعقد جلسة علمية مع أصحابه كل ليل، يعلمهم فيها القرآن الكريم والحكمة. وقد استمرت في المدينة المنورة بعد الهجرة فترة من الزمان. والآية التالية تخبرنا عن أجزاء الليل. قال الله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (المزمل، 73 / 20).

قال ابن عباس رضي الله عنه إن هذه الآية نزلت في المدينة المنورة، أما الآيات التي تأمر بقيام الليل في صدر السورة من الآية الأولى إلى الآية العاشرة نزلت في مكة المكرمة ، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا. إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا. وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا. رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا. وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا» (المزمل، 73 / 1-10).

وهذه الآيات من أوائل ما نزل من القرآن الكريم. ونفهم منها أنّ الأمر بقراءة القرآن الكريم قد استمر أكثر من ثلاث عشرة سنة، ونفهم كذلك أنّ جميع المؤمنين قد قاموا مع النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الأمر قائم اليوم كما تدل على ذلك الآية العشرون من هذه السورة، ولكن لا يلزم قراءة القرآن في وقت معين من الليل، بل يكفي قراءة ما تيسر منه في أي وقت من الليل والنهار. والآن إليك التفصيل عن أجزاء الليل:

1_وقت المساء (يمتد من غروب الشمس إلى غسق الليل)

الشفق في المساء يبدأ بغروب الشمس ويستمر إلى انتشار النجوم ونزول الشمس تحت الأفق بـ 18 درجة. وهو وقت صلاتي المغرب والعشاء، ويطلق عليه الفلكيون الفجر الفلكي، لأنه لا يمكن رصد النجوم حتى يشتد الظلام.

عن ابن عباس: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّوُا الْعَتَمَةَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ، وَصَامُوا إِلَى الْقَابِلَةِ، فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ، فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ، وَلَمْ يُفْطِرْ، فَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ بَقِيَ وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» (البقرة، 2 / 187) الْآيَةَ، وَكَانَ هَذَا مِمَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهِ النَّاسَ وَرَخَّصَ لَهُمْ وَيَسَّرَ.[10]

العَتَمة هي الثُلُث الأول من اللَّيْل بعد غيبوبة الشَفَق؛ وَأهل الْبَادِيَة يريحُون نَعَمَهم بُعَيد الْمغرب، ويُنيخونها فِي مُرَاحها سَاعَة يستفيقونها، فَإِذا أفاقت وَذَلِكَ بعد مَر قِطعة من اللَّيْل أَثَارُوهَا وحلبوها. وَتلك السَّاعَة تُسمى عَتَمة.[11] وكانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول.[12]

2_ نصف الليل

ويقال أيضا وسط الليل؛ يبدأ من اشتداد الظلام حتى الفجر الصادق. وهو أطول جزء من أجزاء الليل كما أنه وقت شديد الظلام. ويقوم الفلكيون في هذا الوقت برصد النجوم. ولا يكون الليل في أنحاء العالم مظلما داكنا إلا أن يكون الجو غائما.

وعندما يُقال _اليومَ_ نصفُ الليل يُفهم الساعة الثانية عشرة. ولا يَعرفُ ذلك إلا من عنده (ساعة) لأنه ليس علامة طبيعية. وقديما حين يقال نصف الليل كان يُفهم منه نصف الوقت ما بين غروب الشمس وطلوعها، بل أكثر من النصف. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحب النوم قبل صلاة العشاء ولا الحديث بعدها.[13] لأنه بأدائها يدخل وقت الإستراحة. ولا يجوز الدخول على أحد إلا بالإذن. يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (النور، 24 / 58).

يقول المتأخرون إن وقت صلاة العشاء تمتد إلى الفجر الصادق، وهم في قولهم هذا لا يستندون إلى دليل. وهو قول مخالف لنص الآية، حيث تتحدث الآية عن وقت ما قبل الفجر وما بعد العشاء. والقول بأنّ وقت صلاة العشاء إلى الفجر الصادق يخالف هذا المعنى. وقد أدّى هذا الخطأ إلى القول بعدم تحقق الليل في المناطق القطبية في الصيف.

وحين تكون الشمس في الدرجة 18 تحت الأفق الشرقي يظهر الإسفرار من الجو إلى الأسفل ويتكاثف رويدا رويدا. ويطلق عليه الفلكيون الفجر الفلكي لأنهم ينهون عملية الرصد من ذاك الوقت. ويبدأ السحر ووقت السحور بظهور الإسفرار من الأفق. وهذا الإسفرار يشبه تماما الإسفرار وقت العشاء.

والسحر: هو ما بين آخر الليل وطلوع الفجر، وهو في كلام العرب اختلاط سواد الليل ببياض أول النهار، لأنه في هذا الوقت يكون مخاييل الليل ومخاييل النهار. والسحر: قبيل الصبح.[14] ويطلق عليه الفجر الكاذب.

وقيل عنه سدس الليل لأنه النصف الأول للثلث الأخير من الليل.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما، ويفطر يوما”.[15] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر ثم ينام قبيل الفجر الصادق؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر”.[16] وفي حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلَّا نَائِمًا” تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.[17]

والسحور: اسم للطعام المأكول سحرا.[18] عن عمرو بن العاص، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر”.[19]

عن أنس بن مالك: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت: “تسحرا فلما فرغا من سحورهما، قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فصلى”، قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: “قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية”.[20] ويمكن قراءة خمسين آية خلال عشر دقائق، وهي مدة الوضوء. عن أبي حازم، أنه سمع سهل بن سعد، يقول: “كنت أتسحر في أهلي، ثم يكون سرعة بي، أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم”.[21] وفي رواية أخرى عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: “كنت أتسحر في أهلي، ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم”.[22]

وكان بلال رضي الله عنه يؤذن في وقت السحور لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم”.[23]

لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، حين خرجا من مكة مهاجرَين، فمكثا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقن ثقف، فيرحل من عندهما سحرا، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يُكتادان به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسلهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث.[24] وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: « قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ» (هود، 11 / 81).

ثار البركان في الصبح فشكَّل الغمام فبدأ يرمي قوم لوط بالأحجار المكونة من الحمم البركانية فهلكوا إلا لوط نجاه الله تعالى بسحر أي قبيل الصبح قال تعالى: «كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ . إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ . نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ . وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ.  وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ .  وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ» (القمر، 54 / 33-38).

جُعل عاليها سافلها بشروق الشمس. كما قال الله تعالى: «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ . فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ» (الحجر، 15 / 73-74).

يجب مراعاة الوقت ما بين صلاتي العشاء والفجر في تحديد مواقيت العبادة في الليالي القطبية البيضاء، بحيث يكون بينهما الوقت الكافي للنوم والإستراحة ثم السحور، وأن يكون السحور فيها كوجبة الفطور في وقت مبكر؛ لأن الآيات القرآنية تنطبق على جميع أنحاء العالم على مر الزمان.

3_ وقت الصبح

يوافق آخر وقت السحر بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره عرضا في الأفق في أسفل سواد البر فوقه قوس من الشفق يعلوه قوس من النور الأبيض، ويطلق عليه الفجر الصادق ويوافق ذلك حين تكون الشمس تحت الأفق الشرقي بـ  9 درجات.

وحينما تكون الشمس تحت الأفق الشرقي بـ 6 درجات، فإنّه يمكن رؤية المحيط بشكل واضح كما يمكن رؤية لمعان النجوم. ويُطلق عليه _اليوم_ الفجر المدني، وفي الفقه الإسفار. وبطلوع الشمس ينتهي الليل. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أقبل الليل وأدبر النهار، وغابت الشمس فقد أفطر الصائم”.[25] وإذا طبقنا على النهار يمكننا أن نقول: “إذا أقبل النهار وأدبر الليل، وطلعت الشمس فقد بدأ النهار”.

ج. أوقات العمل والإستراحة

الليل وقت الإستراحة والنهار وقت العمل والكسب. قال الله تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» (يونس، 10 / 65).

وجعل الله النهار مشرقا بالضياء ليتمكن الناس من التصرف فيه، والسعي في طلب الرزق والمعاش. قال الله تعالى: «وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا» (النبأ، 78 / 11).

ويقال على الضوء الذي يأتي من الشمس في النهار الضحى. كما في قوله تعالى: «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا، وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا» (الشمس، 91 / 1-4). ضَحْوَةُ النهار بعد طلوع الشمس، ثم بعده الضُحا، وهي حين تشرق الشمس،[26] يستره الليل ويظهره النهار. وكذلك الليالي البيضاء تستره ، لذا يمكننا القول أن الضحى ضوء مختلف، كما نفهم من الآيات التالية: « وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى، فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى» (طه، 20 / 116-119).

أشجار الحديقة وظلالها تحمي آدم عليه السلام من الضحى. وقد ذكرت الآية التالية ميزة أخرى للضحى: «وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ» (الفاطر، 35 / 19-31).

وقوله تعالى: «وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ» يدل على أنّ الفرق الأساسي بين الضحى والنور هو الحرارة؛ فتختلف الحرارة في الليل والنهار. وفي الليالي القطبية البيضاء تكون الشمس ساطعة ولكن لا تعطي الحرارة. وفي الأسبوع الأخير من شهر يونيو الذي لا تغرب فيه الشمس قط، كان يمكننا أن نتجول في النهار بالقميص قصير الكم، ولكن في الليل خرجنا للرصد بعد أن لبسنا الملابس الشتوية، لأن البرد كان قارصا، رغم وجود الشمس في السماء.

الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار يقال عنه النور.[27] والضحى لا يكون إلا في النهار. وقد أقسم الله تعالى بالضحى بيانا لأهميته.[28] والذي جعل النهار معاشا هو الضحى، وبغيابه كان الليل سباتا. وحين يغيب الضحى تُصبح المنطقةُ مناسبةً للإستراحة. قال الله تعالى: « وجعل الليل سكنا» (الأنعام، 6 / 96).

السكن، يعني الهدوء بعد الحركة؛ حيث  تقل الحركة في الليل ويعم الهدوء. ستر الليل الضحى كما سترت أشجار الحديقة بظلالها آدم عليه السلام. اي أن الليل مثل الظل. قال الله تعالى: « أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا؛ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا؛ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا» (الفرقان، 25 / 45-47).

وقوله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا»، يدل على أنّ الكرة الأرضية تدور حول محورها، وإلا لكان أحد طرفيها تحت الضحى دائما والطرف الآخر تحت الظلام.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله www.hablullah.com


[1]   المحو، يدل على الذهاب بالشيء. ومحت الريح السحاب: ذهبت به. (مقاييس اللغة) قال الله تعالى: « لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ  .يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ». (الرعد، 13 / 33-39). السحاب الذي يمحوه الريح لا ينعدم ولكنه يذهب إلى مكان آخر كذلك علامة الليل  التي محيت لم ينعدم ولكنها خرجت من أن تكون علامة تشير إلى الليل.

[2]  قال الله تعالى: «وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا» (نوح، 71 / 16).

   تفسير القرآن العظيم لابن الكثير، عند تفسير الآية 12 من سورة الإسراء.[3]

   Elmalılı Muhammed Hamdi YAZIR, Hak Dini Kur’ân Dili, İstanbul 1936, c. IV, s. 3169-3170.[4]

   مفردات الراغب [5]

[6]  النَّهَارُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الْيَوْمُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ».

   لسان العرب، مادة: غطش. بالتصرف.[7]

  لسان العرب، مادة: ظلم.[8]

  تاج العروس، مادة: ظلم.[9]

   سنن أبي داود، باب مبدإ فرض الصيام، رقم الحديث: 2313.[10]

  تهذيب اللغة، 2/ 172 [11]

   البخاري، أذان 162.[12]

[13]   البخاري، أذان القراءة في الفجر، 104؛ مسلم، المساجد وماعد الصلاة، 235- (647).

[14]    الصحاح، مادة: س ح ر. أنظر تفسير القرطبي، 17 / 144.

[15]    البخاري، باب التهجد 7.

[16]   البخاري، باب الوتر 2.

[17]  البخاري، باب التهجد 7.

[18]  المفردات، مادة: سحر.

[19]   مسلم، باب الصيام 46- (1096).

[20]   البخاري، باب الوتر 8.

[21]   البخاري، مواقيت الصلاة 27.

[22]   البخاري، باب تأخير السحور 17.

[23]   البخاري، أذان 11، 1، 3؛ مسلم، الصيام 8.

[24]  البخاري، كتاب اللباس 16.

[25]   مسلم، الصيام 51- (1100).

  الصحاح.[26]

[27]   المفردات، مادة: نور.

[28]   الضحى، 93 / 1.

التعليقات

  • السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. أستاذى الفاضل. أوﻵ أشيد و أثمن هذا المجهود الكبير و هذه اﻷبحاث النيره و أدعوا الله أن يزيدكم علمآ. إسمح لى أوﻵ باﻹفصاح عن رأيى فى مسألة الليل و النهار.أوﻵ الليل و النهار ظاهرتان طبيعيتان نتيجة لدوران اﻷرض حول نفسها-أثناء دورانها حول الشمس-و قبل أن نخوض فى هذا الموضوع أحب أن أقرر حقيقة ﻻ تقبل الجدل و هى أن ﻻ الليل سابق النهار و ﻻ النهار سابق الليل. ﻷن إستنتاج حضرتك من اﻷيه يقول بما أن الليل غير سابق للنهار فيكون النهار سابق ل الليل.أضطررت ﻹزالة تعليقى لعدم توفر مساحه. ساكتبه على التوالى.

    • السلام عليكم و رحمة الله و بركاته استاذي الفاضل.
      انجزت بحثا عن الليل و النهار من خلال كتاب الله و سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسعدني و يشرفني ان اقدهه الى حضرتك آملة أن يحظى باهتمامكم و أعرف رايكم بخصوصه.
      و لكم جزيل الشكر مسبقا.

  • أوﻵ:فى رمضان نصلى القيام(التراويح)بعد عشاء الليله التى تسبق أول أيام رمضان المبارك. و نختم بأخر صﻻة قيام بالليله التى تسبق أخر نهار فى رمضان. و ذلك ﻷن أول ليله فى رمضان تبق أول أيامه. و كذلك أخر ليله فيه تسبق أخر نهار فيه. -و هذه حقيقة ثابته ﻻ تقبل التأويل- إذن بقياس حضرتك اﻷولى أن نقول بأن الليل سابق للنهار… و إنما ليس هذا هو المقصود باﻷيه و إنما المقصود هو عدم التخطى و التجاوز كل يسير بإنتزام دون خلل و دون تسابق أو إستباق.

  • إستكمال لنفس النقطة السابقه… إذا دققت حضرتك فى اﻵيه التى تستند اليها فى قولك بأن النهار سابق ل الليل.يقول تعالى:ﻻ الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر و ﻻ الليل سابق النهار* و كل فى فلك يسبحون. أى أن الشمس-التى هى رمز للنهار و عينه-ﻻ تستبق القمر-و الذى هو رمز إلى الليل و عين محو آيته-و ﻻ يمكن أن تدركه. وهذا الشق اﻷول من اﻵيه أتى بالرمزان المعبران. ثم أتى بعين اﻵيتين ليقول أن العكس أيضآ غير وارد حدوثه.و هذا هو المقصود. و أن الكواكب و النجوم و جميع اﻷجرام تسبح بالفضاء-سبحان الله على دقة اللفظ الذى نزله على عبده من قرابة الخمسة عشر قرنآ- بنظام و دقه متناهيه ﻻيتسابقون و ﻻ يتداخلون. و ﻻ يصطدمون. فسبحان مجريهم و مسيرهم بهذا النظام العحيب.. سأكتب بالتتابع باقى النقاط الخاصه بالليل و النهار. و شكر الله لكم إجتهادكم

  • ثانيآ:بخصوص آية الليل و النهار. إستنادآ و تأسيسآ على كل ما ذكرت حضرتك من أسانيد و أضيف اﻵيات من 9 إلى 12من سورة النبأ. نستخلص أن آيه النهار مبصرة كما قررت حضرتك أى أنها مرئية بماذا بالشمس التى جعلها الله سراجآ وهاجآ أى مصباحآ مضيئآ شديدآ يرسل إلينا الضوء بما به من نور و حرارة.و لوﻻ الشمس ما إستدللنا على آية النهار. وكذلك القمر فلوﻻ نوره ما أستدللنا على محو آية الليل. و بطبعة الحال جعل الله سبحانه و تعالى كﻵ من الليل و النهار مناسبآ لطبيعة إستخدامه من قبل بنى آدم فيسعونو يتحركون فى النهر و يسكنون و ينامون بالليل.فما كان يعقل إﻻ أن يكون النهار مبصرآ و الليل مظلمآ.أما عن قطبى الكره

  • أما عن قطبى الكرة اﻷرضية فهما ضمن آيات الله فى خلقه و مظهر منمظاهر خرق نواميسه سبحانه و تعالى ليدلنا على مجرى النواميس و ممسكها و أنه لوﻻ أنه بيده مقاليد كل شئ لهلكنا و هلك الكون من حولنا. مثل بقية آياته التى ﻻ تعد و ﻻ تحصى مثل الكسوف و الخسوف و اﻷعاصير و الفياضانات و الزﻻزل و البراكين و وفاة اﻷجنه بأرحام أمهاتهم من عمر ساعه و أقل إلى أن يتم فترة الحمل ويولد متوفى أو يتوفى بعد ذلك بلحظات أو ساعة أو ساعات أو يوم أو أيام أو سنة أو سنين و هكذا إلى أن تجد الوفاة تحدث بكافة اﻷعمار ليس لها وقت أو مكان أو عمر معلوم. لننتظرها بكل وقت و كل مكان و كل عمر. و هكذا فى كل شئ

  • ثالثآ: النهار الشرعى هو من بزوغ الفجر- و ليس من شروق الشمس- إلى غروب الشمس. و القياس هنا صحيح و لكن مع بزوغ الفجر و ليس مع الشروق. فيكون الليل-قياسآ-منذ غروب الشمس إلى بزوغ الفجر. و اﻷدله كثيرة ﻻ حصر لها -إن شئت-. كما أنوه بأن حضرتك فى ذكرك لتقسيم الليل أو الليلة ذكرت أول الليل و وسط الليل و السحر. إﻻ إن حضرتك ذكرتك مقالك فى المره اﻷخير أو قبلها بأن الجزء اﻷوسط يمتد إلى الفجر الصادق. و هذا يمحو وقت السحر و الذى هو الجزء اﻷخير من الليل. و قد خص الله هذا الوقت و فضله بنص القرآن.

  • السلام عليكم ومجهود طيّب بارك الله فيك.
    أرجو البحث عن كتاب الأدلة العقلية والحسية للشيخ إبن باز رحمه الله للإستدلال أنّ الأرض ليس كرة وأنّها ثابتة لا تدور وأنّه لم تأت آية في كتاب الله سبحانه تُشير إلى أنّها كرة .. ثمّ أرجو تعديل البحث لأنّ البحث قيّم ويعتبر مرجعا جيدا في أنّ النهار خلق والليل خلق والشمس خلق والقمر خلق وكلّ واحد منهم له فلكه الخاص.

    إحترامي.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.