حبل الله
تأليه الحُكَّام- الثيوقراطيَّة

تأليه الحُكَّام- الثيوقراطيَّة

تأليه الحُكَّام- الثيوقراطيَّة

لا يقبلُ اللهُ _جلَّ شأنُه_ أن يَعبُدَ النَّاسُ غيرَه حتَّى لو كان المعبودُ نبيَّاً مُرسلاً أو ملكاً مُقرَّباً. والعبادة في اللُّغة تعني الخضوع التامَّ للمعبود دون قيودٍ أو شروط. والطَّاعةُ المُطلقة لا تصحُّ لغير الله تعالى. أمَّا مَنْ اختار الخضوعَ المُطلقَ لغير الله فقد رضي لنفسه العبوديَّة لمخلوقٍ مثله. والعبوديَّة لله ولغيره معاً لا يلتقيان أبداً. يقول اللهُ تعالى:

{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ[1] فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً} (الإسراء، 84)

الذين يُفضِّلون الحياةَ الدُّنيا على الآخرة لهم طرائقُ شتَّى في الاحتيال على دين الله تعالى، وأبرزُ تلك الطُّرق الرَّفعُ من مكانة الأنبياء وأئمَّة العلم إلى مستوى لا يليق إلَّا بالله تعالى، وهم بذلك يجعلون منهم شركاءَ لله في دينه، فيعطونهم أحقيَّة الأمر والنَّهي، وعلى النَّاس واجبُ الطَّاعة. وكلُّ ذلك للقفز على كتاب الله تعالى وإيجاد مصادر أخرى لفهم الدين تتناسب مع رغباتهم وأمنياتهم. وقد شكَّلَ هذا الفريقُ ديناً جديداً موازياً لدين الله الحقِّ، ولمَّا كان هذا الدِّينُ الموازي مُفصَّلاً على مقاس الحُكَّام وأصحاب القرار فإنَّهم لم يُعطوا لأحدٍ من الرعيَّة الحقَّ في النَّقد والتصويب، وانتهى الأمر بقبول النَّاس للدِّين المُفترى_طواعيةً أو كرهاً_ طمعاً في التقرُّب من الحُكَّام أو تجنُّباً لقسوتهم أو خوفاً من الإقصاء، لينتهيَ الأمرُ بتوراث النَّاس هذا الدِّين المُفترى الذي يُنسبُ إلى الله زوراً.

بعد أن تشرَّفَ إبراهيمُ عليه السَّلام بمقام النُّبوَّة قال لقومه:

{وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ } (العنكبوت، 25)

فقد كان كثيرٌ من قوم إبراهيم يعلمون بُطلانَ عبادتهم للأوثان، لكنَّهم استمرُّوا على عبادتها مُحافَظَةً على علاقتهم بحُكَّامهم وقيادتهم الدِّينيَّة، وهذا شأنُ كُلِّ مَنْ رَفَضَ الإصغاءَ إلى داعي الإيمان في كلِّ زمانٍ ومكان، ولكن عندما تحين لحظةُ الحقيقة بين يدي الله تعالى يتنكَّر بعضُهم لبعضٍ ويتَّهمُ بعضُهم بعضاً أنَّه كان السَّببَ في ضلالتهم ويلعن بعضُهم بعضاً.

إنَّ الإعراضَ عن دين الله الحقِّ والتمسُّكَ بالدِّين الموازي هو الطريقُ السَّهل نحو تأليه الحُكَّام واعتبارِ أفعالهم مُقدَّسةً لا يجوز المساسُ بها أو انتقادُها. فالقولُ بأنَّ طاعةَ وليِّ الأمر هي طاعةٌ لله تعالى، وعصيانُه عصيانٌ لله تعالى هو ما يطمحُ إليه أربابُ الدِّين الموازي، وهم بذلك يُقدِّمون طاعةَ وليِّ الأمر على طاعة الله سبحانه، بل يزعمون أنَّه الوسيلةُ لطاعة الله، تعالى عمَّا يقول الظالمون عُلوَّاً كبيراً.

للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر بعنوان (مقام الخليفة والكهنوت ) على الرابط التالي: http://www.hablullah.com/?p=2657



[1]  يقول عزّ وجلّ لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للناس: كلكم يعمل على شاكلته: على ناحيته وطريقته( فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ ) هو منكم( أَهْدَى سَبِيلا ) يقول: ربكم أعلم بمن هو منكم أهدى طريقا إلى الحقّ من غيره. (تفسير الطبري على الاية)

تعليق واحد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.