حبل الله
الطلاق في حال الغضب

الطلاق في حال الغضب

السؤال: رجل حدث بينه وبين امرأته مشادة فغضب غضبا شديدا فتركته خارجة من مسكن الزوجية ذاهبة لأهلها فازداد غضبه لخروجها حيث كان لا يريدها ان تخرج فطلقها وهي تخرج امامه وهو في تلك الحالة من الغضب قبل أن يهدأ ؟ فهل يقع طلاقه مع ذلك الغضب مع العلم بأنه لم يكن يريدها أن تخرج من المسكن وهو لا يعلم ما اذا كان الغضب سلبه الاختيار من عدمه ولكنه متأكد أنه كان في حالة غضب شديد وثورة نفسية كما انه كان واعيا وقاصدا الطلاق فهل غضبه الشديد هذا يؤثر في صحة الطلاق بالرغم من انه قصد الطلاق لحظة تلفظه بالصيغة مع العلم بأن هذا القصد كان وليد اللحظة عندما خرجت من المسكن وكان ذلك امام شهود متواجدين بالمصادفة؟ افتونا مأجورين

الجواب:

يُعبر القرآنُ الكريم عن إرادة الطلاق بكلمة (العزم) وذلك في قوله تعالى:

{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة، 227)

والعزم لا يتأتى إلا بالإرادة القوية لإحداث الأمر، ولا تتوفر هذه الإرادة إلا بالقناعة التامة التي تبلورت عبر مدة من الزمن توصل فيها الزوج الى استحالة استمرار الحياة الزوجية مع زوجته لذا فإنه يقرر الطلاق متأكدا من صحة قراره، وهذا هو العزم.

والطلاق لا يحدث بمجرد العزم عليه، بل لا بد من إجراءات عملية تتمثل بالإشهاد عليه وإحصاء العدة بعد ذلك، وإحصاء العدة ضروري حتى يأخذ الزوج وقتا لمراجعة نفسه، ولهذا نقول بعدم وقوع الطلاق في حالة الغضب. ولا بد من تطبيق جميع الأحاكم الواردة في الآيات التالية من سورة الطلاق:

قال الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (الطلاق، 1-3).

فعقد الزواج من العقود ذات الأهمية البالغة، وقد وُصف في القرآن الكريم بالميثاق الغليظ[1]، فلا ينعقد إلا بوجود الشهود كما أنه لا ينتهي أثره بالطلاق إلا بوجودهم. والظاهر من الآية أن إشهاد شاهدين على الطلاق شرط تتوقف عليه صحة الطلاق؛ لأن كون المرأة طاهر عند إيقاع الطلاق، وكون زوجها لم يجامعها في ذلك الطهر – باعترافها هي أو بغير هذا من الوسائل- وكون عدتها انتهت فكل هذا لا يمكن إثباته إلا بحضور الشهود. من أجل هذا نحن نعتقد أن الطلاق دون حضور الشهود غير صحيح للأمر الصريح في الآيات السابقة (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).

لقد جعل الله تعالى للطلاق قدرا ومقياسا كما جعله في كل الأشياء. وقد بينت الآيات السابقة ذلك القدر كما ذكرنا، وتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم خير مثال على ذلك. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طَلَّق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمرُ بنُ الخطاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُرْهُ فَلْيُراجِعها، ثم لْيُمسِكها حتى تَطهُرَ ثم تَحِيضَ، ثم تَطهُرَ، ثم إنْ شاء أَمسكَ بَعدُ، وإنْ شاء طَلَّق قبلَ أن يَمَسّ. فتلك العِدَّةُ التي أَمَر اللهُ أن تُطَلَّقَ لها النساءُ»[2]

 قال عبدُ الله: فرَدَّها عَلَيَّ ولم يَرَها شيئا، وقال: «إذا طَهُرَتْ فلْيُطَلِّق أو لِيُمسِكْ». قال ابنُ عمرَ: وقَرَأَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)[3]

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد أن طلاق الغضبان لا يقع كما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق»[4] والإغلاق هو الغضب الشديد، وهذا الحديث ينسجم مع اشتراط العزم في قوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ}.

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر: الطلاق (حق الرجل في إنهاء الحياة الزوجية) على الرابط التالي  http://www.hablullah.com/?p=1476

 


[1]  قال الله تعالى {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء، 21)

[2]  البخاري، الطلاق، 1،3،44،45، واللفظ له، تفسير سورة الطلاق، مسلم الطلاق 1، 14. النسائي، الطلاق 13، 15، 19. ابن ماجة ، الطلاق 1،3. الدارمي، الطلاق 1، 3. الموطأ، الطلاق 53. سنن أبي داود، الطلاق 4, الترمذي، الطلاق.

[3]  سنن أبي داود، الطلاق 5، الحديث رقم 2185.

[4]  أخرجه أبو داود (2193) ، والبيهقي في “السنن” 10/61 من طريق يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن سعد، به. وأخرجه ابن أبي شيبة 5/49، وابن ماجه (2046) ، وأبو يعلى (4444) و (4570) ، والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (655) ، والدارقطني في “السنن” 4/36، والحاكم 2/198 وقال على شرط مسلم، والبيهقي في “السنن” 7/355، وفي “السنن الصغير” (2688) ، وفي “معرفة السنن والآثار” (14809) وحسنه الألباني

التعليقات

  • السلام عليكم و رحمة اللّٰه تعالى و بركاته
    من فضلكم بعدما تشاجر معي زوجي غاضبا قال لي ان اثرتي غضبي مرة ثانية فاعتبري نفسكي مطلقة ،فتحدثت فقال لما تتحدثي معي فانت مطلقة ،هل يعتبر هذا طلاق?! وشكرا
    مع العلم سئمت من القول له لاتتلفظ بهذا القول فانت تحطمني و تحطمي اسرتنا.

    • وعليكم السلام ورحمة الله
      هذه الألفاظ وأمثالها تعتبر من اللغو الذي لا يقع بها طلاق، لأن الزوجة تأخذ من زوجها ميثاقا غليظا في النكاح، وهذا الميثاق لا يحل بكلمة طائشة.
      الطلاق لا يقع إلا بالعرم عليه وإيقاعه أمام الشهود بينما الزوجة تكون في طهر لم تُمس فيه،

      • السلام عليكم و رحمة اللّٰه تعالى و بركاته ،
        من فضلكم قرات الكثير عن الطلاق وو جدت ان هنالك فتاوي متعددة في احكامه و شروطه فهناك من يقول ان مجرد التلفظ به من طرف الزوج فهو يقع الى اخر طلقة التي تبين فيها الزوجة بينونة كبرى و قرات ايضا و سمعت ان شرط الاشهاد يعتبر سنة يمكن ان يقع الطلاق بدونه و بدون حتى شهود ،اعجبتني اجابتكم عن سوالي ه ارحتني فانا اذن لا اعتبر مطلقة ،لكن عندما اشاهد و اقرا فتاوي اخرى ينتابني شك كبير و خوف من الوقوع في المعصية ان كنت حسب ما يفتون اعتبر مطلقة،من فضلكم ساعيدوني على تجاوز هذه الشكوك و الضنون ،وشكرا .

        • وعليكم السلام ورحمة الله
          الإشهاد على الطلاق وكذا على الرجعة هو نص في كتاب الله تعالى وليس مندوبا كما يدعي البعض
          ثم إذا كانت الفتوى تستند بشكل مباشر على كتاب الله تعالى فلا ينبغي أن يتردد المسلم/ة في الأخذ بها

          • طلاق متفرقه اكثر من مرة، يقول لي أنتِ طالق طالق طالق في طهر جامع فيها، وقد علمنا أن هذا طلاق بدعي لا يقع، وأخذنا بهذا القول، اطمئن قلبنا لهذا القول. هل يجوز؟ أرجو رد

          • نعم هذا الطلاق وأمثاله من الطلاق الذي لا يستوفي شروطه الشرعيه لا يقع

            لأن يعبر القرآن الكريم عن إرادة الطلاق بكلمة العزم وذلك في قوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة، 227)

            والعزم لا يتأتى إلا بالإرادة القوية لإحداث الأمر، ولا تتوفر هذه الإرادة إلا بالقناعة التامة التي تبلورت عبر مدة من الزمن توصل فيها الزوج الى استحالة استمرار الحياة الزوجية مع زوجته لهذا فإنه يعزم على الطلاق.

            ويمكن الاطلاع على الفتواى التالية ذات الصلة ففيها المرزيد من التوضيحات:
            https://www.hablullah.com/?p=3069
            https://www.hablullah.com/?p=2360

  • طلاق بدعي متكرر هل يقع اكثر من عدة مرات متكرر في طهر جامع فيها واذعملنا به هل ناثم علما من سمعنا بأنه لايقع عملنا به في وقته وحملت بعده بطفل هل طفل اته بحلال وينسب للأب علما انا لي حد الان مع زوجي

    • نعم هذا الطلاق وأمثاله من الطلاق الذي لا يستوفي شروطه الشرعيه لا يقع

      لأن يعبر القرآن الكريم عن إرادة الطلاق بكلمة العزم وذلك في قوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة، 227)

      والعزم لا يتأتى إلا بالإرادة القوية لإحداث الأمر، ولا تتوفر هذه الإرادة إلا بالقناعة التامة التي تبلورت عبر مدة من الزمن توصل فيها الزوج الى استحالة استمرار الحياة الزوجية مع زوجته لهذا فإنه يعزم على الطلاق.

      ويمكن الاطلاع على الفتواى التالية ذات الصلة ففيها المرزيد من التوضيحات:
      https://www.hablullah.com/?p=3069
      https://www.hablullah.com/?p=2360

      • يعني طلاق في طهر جامع فيه حتى لو تكرر أكثر من خمس مرات متفرقه لا يقع ولا يحسب، وإذا أخذنا بهذا القول لا نأثم، والطفل الذي جاء بعده يعتبر أنه جاء بالحلال، أنا مصابة بوسواس قهري وشك وتأتيني أفكار أنه طفل بالحرام، أرجو الرد.

        • ذكرنا سابقا أن هذا الطلاق لا يقع، وبالتالي فإن النكاح يستمر على حاله، والطفل الذي يولد بعده هو طفل شرعي ولا غبار على نسبه، وما ذكرناه هو مقتضى الآيات ذات الصلة وليس رأي اجتهادي لا يستند إلى دليل. فلا داعي للشك في نسب الطفل.

  • السلام عليكم
    زوجي قال اذا اخذت نقودا بدون اذني فانت طالق.. البارحه اولادي جاءو الي قالو أبي يريد نقودا، وانا بناء على كلامهم أعطيت لهم النقود ليعطوها لأبيهم، لكن عندما رجع قال انا لم اقل لهم ان يجلبوا نقودا، وهكذا فإن اولادي فهموا اباهم خطأ وانا لم اقصد اخذ فلوس، اي اخذتها بناء على إذنه الذي نقله الأولاد، فهل يقع طلاق أيضا علما أني كنت في طهر جامع فيه.

    • وعليكم السلام ورحمة الله
      هذا الطلاق لا يقع للأسباب التالية:
      1_ لم تتوفر النية الكافية للطلاق
      2_ الطلاق المعلق بشرط لا يعبر عن العزم على الطلاق
      3_ عدم الإشهاد على الطلاق
      4_ كون الزوجة في طهر حدث فيه جماع
      واحدة من الأربعة كفيلة باعتباره لغوا، فكيف بها مجتمعة؟

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.