حبل الله
تقديس رجال الدين

تقديس رجال الدين

رجال الدّين هم العلماء المختصون بعلم الدّين، وهذا الاستخدام شائع عند غير المسلمين، والمصطلح الذي يقابله عند المسلمين هو علماء الدّين، وهؤلاء سواء عند المسلمين أو غيرهم لهم تأثيرهم على عامة الناس. وقد شاع في أوساط الناس تقديس هؤلاء الأشخاص بإظهار ذكرهم بطريقة استثنائية مما أدّى إلى زيادة تأثيرهم على الناس إلى درجة تقديسهم. ويمكننا أن نذكر سعيد النورسي كمثال على ذلك..

جاء في رسائل النور، أنّ سعيد النورسي، قد أتمّ تحصيل خلاصة جميع العلوم خلال ثلاثة أشهر؛ وهي علوم يستغرق تحصيلها في العادة عشرين سنة، وكان يجيب كل سؤال موجه إليه فورا وبدون أي تردد، وجميع أنواع العلوم متساوية عنده؛[1] لأنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقد طلب منه علما، فبشره أنّه صلى الله عليه وسلم سيعلمه القرآن الكريم بشرط أن لا يسأل أحداً من أمته أيَّ سؤال. ومن أجل ذلك فقد عُرف منذ طفولته بأنّه علاّمة العصر، فلم يوجّه لأحد سؤالا. بل كان يجيب كل سؤال يوجّه إليه.[2]

ومثل هذا الادعاء يوجد عند الشيعة أيضا؛ فهم يدّعون ذلك للأئمة من سلالة علي رضي الله عنه. ويقولون: إنّه لم يذهب واحدٌ منهم إلى معلم، ولم يتتلمذ أحدهم على أستاذ، ولا إلى المدرسة ليدرس فيها. ومع ذلك إذا وُجّه إلى أحدهم سؤال أجاب فورا بإجابة صحيحة. ولم يحدث أن تأخر أحدهم بإجابة سؤال أو تمهل فيه، كما أنه لم يصدر منهم أبدا كلمة “لا أدري”.[3]   كون الإمام صاحب الأحكام والمعارف الإلهية فجميع العلوم تحصل له بواسطة نبي أو إمام قبله.[4]

ما ادعاه هؤلاء لا يقبله عاقل، فوصف إنسان أنه صاحب علم مطلق، وأنّه يعلم دون أن يتعلم إنّما هو افتئات وسوء تقدير، كيف لا وهذه الخصوصية لم تكن لأحد من الأنبياء. يقول الله تعالى مخاطبا خاتم أنبيائه: « قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» (الكهف، 18 / 110). « قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا. إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا» (الجن، 72 / 21 – 23).

ولم يقف سعيد النورسي عند هذا الحد، بل تجاوز ذلك قائلا: “ولأجل هذا السر الدقيق فقد أخذت الحقيقة السابقة من أساتذة سعيد الجديد وهم الإمام الرباني، الشيخ الكيلاني، الإمام الغزالي والإمام زين العابدين رضي الله عنهم – حيث تلقيت مناجاة “الجوشن الكبير” من هذين الإمامين خاصة – وسيدنا الحسين والإمام علي رضي الله عنهم جميعاً، فالدرس الذي تلقيته منهم أدى إلى ارتباطي بهم ارتباطاً معنوياً دائماً. حدث ذلك بواسطة الجوشن الكبير، تلك هي الحقيقة، لذا فالمشرب الحالي الوارد من رسائل النور إذن هو مشربهم الذي ارتشفته من منهلهم”.

ومن الواضح أن الادعاءات بحق سعيد النورسي لا حقيقة لها. فقد جاء في سيرته الذاتية التي ألفها بنفسه ما يلي:

“في مستهل دراستي العلمية درستُ عند أخي عبد الله ما يقارب السنتين في ناحية اسپاريت (مدينة في الأناضول). ثم انضممت إلى حلقة تدريس الشيخ محمد الجلالي فأكملت الدروس المقررة كلها، وذلك في قصبة بايزيد التابعة لولاية أرضروم. ثم بدأت بتدريس شتى العلوم في المدينة طيلة خمس عشرة سنة”[5]

وجاء فيها أيضا:

“بدأت دراسة الفقه في بايزيد، إذ لم يكنِ قد قرأت حتى الآن سوى مبادئ النحو والصرف، وقد قرأت إلى الإظهار”.

وفي ذلك الوقت لم يبد على سعيد ذكاء خارق أو قوة معنوية فحسب بل ظهرت أيضاً حالة عجيبة كانت خارجة عن نطاق استعداده وقابليته؛ بحيث إنه بعد اطلاعه على مبادى الصرف والنحو خلال سنة أو سنتين، ظهرت عليه الحالة العجيبة، فكأنه أكمل قراءة ما يقرب من خمسين كتابا خلال ثلاثة أشهر، وقد استوعبها واُجيز عليها وتسلم الشهادة بإكمالها. دامت هذه الدراسة الجادة والمكثفة ثلاثة اشهر على يد الشيخ محمد الجلالي. كما تتلمذ على كل من الشيخ نور محمد، والشيخ عبد الرحمن تاغي، والشيخ فهمي، والشيخ كفروي، والشيخ أمين أفندي، والشيخ ملا فتح الله، والشيخ فتح الله.[6]

ومن أجل ذلك فإنه أتم حياته التعليمية خلال ثلاثة أشهر. وكان يجيب كل سؤال وجه له بأقصى سرعة وبدون أي تردد. ويزعم أن هذه الميزة قد أعطيت له في منامه من قِبل النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا زعم جاء به لتقديس نفسه. وأول من بذل جهدا للتقديس هو سعيد النورسي نفسه، وهو القائل حين بلغ من عمره 70 عاما:

“عندما كنت في الرابعة عشر من العمر وجدت موانع حالت دون قيام أحد من الأساتذة على وضع العمامة ولفّها على رأسي وإلباسي الجبة، كدليل على الشهادة العلمية، كما كانت العادة جارية سابقاً. فما كان لبس الجبة الخاصة بالعلماء والكبار يلائم سني الصغير … ثانياً: كان العلماء في ذلك الوقت، قد اتخذوا موقف المنافس لي أو التسليم التام فلم يتمكنوا أن يتقلدوا طور الأستاذ مع وجودي. وحيث إن عدداً من الأولياء العظام قد ارتحلوا من الدنيا، لذا لم أجد أحدا كفؤا ليلبسنى الجبة أو يضع على رأسي العمامة. فمنذ خمسين سنة كان من حقى هذه العلامة الظاهرة لنيل الشهادة وهى لبس الجبة وتقبيل يد أحد الأساتذة وقبوله استاذاً .. ولكن تقديم جبة مولانا خالد النقشبندي من بُعد مئة سنة مع العمامة الملفوفة بها وإرسالها إليّ في هذا العام بأسلوب غريب جداً لكي ألبسها، قد أورثنى قناعة ببعض الأمارات. فأنا ألبس تلك الجبة المباركة التي يبلغ عمرها مائة سنة وأشكر ربي وأحمده مئات الآلاف من المرات.. لقد أخذت هذه الأمانة المباركة من السيدة “آسيا” وهي طالبة النور المحترمة وأختنا في الآخرة”.[7]

وهكذا يدعي سعيد النورسي أنه قد تم تحصيل جميع العلوم وأصبح عالما وحيدا لا نظير له في عصره. وقد جاء في سيرته الذاتية التي ألفها هو بنفسه:

“أنه أصبح من رجال العلم وهو في الرابعة عشرة من العمر. فجميع علومه كانت من السنوحات حتى بلغ الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من عمره”[8]

والسنوحات: هي ما خطر على البال من الأوهام والخيالات[9]

ولو أمكن لنا أن نطلق على تلك الخواطر والسنوحات اسم العلم لأصبح كل من على وجه الأرض عالما ولم يبق هناك جاهل.


[1]  Bediuzzaman Said Nursî, Kaynaklıİndeksli Risalei Nur Külliyatı, Yeni Asya Yayınları, İstanbul 1995, Tarihçei Hayat, c. II, s. 2124.

[2]  Bediuzzaman Said Nursî, Tarihçei Hayat, İlk Hayatı, Haşiye 2, a.g.e, c. II, s. 2123.  Muhammed Rıza’lMuzaffer, Akâidü’lİmâmiyye, Şia İnançları (çeviren: Abdülbaki GÖLPINARLI) İstanbul 1978, s.  253.

[3] Muhammed Rıza’lMuzaffer, Akâidü’lİmâmiyye, Şia İnançları (çeviren: Abdülbaki GÖLPINARLI) İstanbul 1978, s.  253.

[4]  Muhammed Rıza’lMuzaffer, Şia İnançları, s. 52.

[5]    سيرة ذاتية، صـ. 36.

[6]   السيرة الذاتية، حياته الأول، صـ . 2129.

[7]  ملحق قسطموني، ص: 141

[8]  السيرة الذاتية، لحياته الأولى، جـ . 2 / صـ 2128.

[9]  شمس الدين السامي، القاموس التركي، صـ .738.

تعليق واحد

  • ماذا عن بعض من أسميتهم بعلماء الدين وكذلك من يسمون بدعاة ووعاظ القنوات الفضائية و شبكات التواصل الذين يهوون السياسة و حديث الدنيا ما رأيكم فيهم؟

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.