حبل الله
الوقوف بعرفة في القرآن الكريم

الوقوف بعرفة في القرآن الكريم

السؤال: نعلم جميعا أن الوقوف بعرفة هو أعظم مناسك الحج، لكننا لا نجد في القرآن أمرا في الوقوف على جبل عرفات، فما هو توجيهكم في هذه المسألة؟

الجواب:

الوقوف بعرفة هو ركن من أركان الحج حيث لا يصح حج امرئ لم يشهد الموقف.

لم يرد أمر صريح بالوقوف بعرفة لأن ذلك كان معلوما من دين إبراهيم عليه السلام، ومع ذلك ورد الأمر به ضمنا في أكثر من آية:

1_ قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} (البقرة، 198)

الآية تشير إلى وجوب الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة، فيُفهم ضمنا أن الوقوف بعرفات مفروض كذلك.

وفي الآية التي تليها يقول الله تعالى:

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (البقرة، 199)

وهذه الآية تأمر من لم يبادر من أهل مكة إلى الوقوف بعرفة إلى ضرورة الوقوف والإفاضة من هناك، وذلك “أن أهل مكة كانوا لا يخرجون من الحرم، وعرفة خارج من الحرم، وأهل مكة كانوا يقفون بالمزدلفة، ويقولون: نحن قطين الله، يعني: سكان الله، ومن سوى أهل مكة كانوا يقفون بعرفات، فأنزل الله تعالى {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} [البقرة: 199]، والحمس هم أهل الحرم ” [1]

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يفيض منها» فذلك قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} [البقرة: 199][2]

2_ قال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (الحج، 29)

والمقصود بقوله تعالى وليقضوا تفثهم هو الوقوف بعرفة والمزدلفة. وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم ذات الكلمة (التفث) للوقوف بعرفة.

فعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِجَمْعٍ (المزدلفة)، فَقُلْتُ: هَلْ عَلَيَّ مِنْ حَجٍّ؟ قَالَ: “مَنْ شَهِدَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ حَتَّى يُفِيضَ وَقَدْ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وقضى تفثه”[3]

وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الوقوف بعرفة من أهم يقوم به الحاج. فعن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول الله، كيف الحج؟ فقال: “الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع، فقد تم حجه”[4]


[1]  رواه الترمذي، باب ما جاء في الوقوف بعرفة والدعاء فيها، 884

[2]  رواه البخاري، باب ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، 4520  وأبو داوود، باب الوقوف بعرفة، 1910

[3]  أخرجه أحمد 4/261 و 262 والترمذي (891) والطيالسي 1282، والنسائي 5/264 في مناسك الحج باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بمزدلفة، والطحاوي 2/208، والحاكم 1/463

[4]  رواه أحمد في المسند 18774 والنسائي في “المجتبى” 5/256، وفي “الكبرى” (4011) ، وابن ماجه (3015) ، ، وابن خزيمة (2822) ، وابن عبد البر في “الاستذكار” (17936) ، والبخاري في “التاريخ الكبير” 2/11، وأبو داوود (1949) ، والترمذي (889) و (890) و (2975) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل به عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.